مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

الإسلام والحرب على الخرافات (2)

بعض مظاهر الخرافة في المعتقدات الجاهليّة

1ـ إيقاد النار لجلب المطر

تعرف الجزيرة العربية بقلّة الأمطار وامتداد فترة الجفاف، ولكي يجلبوا الأمطار كان الناس في الجاهلية يقومون بحرق أغصان يجلبونها من أشجار «سلع» و«عشر» التي كانت سريعة الاحتراق، فيربطونها بذيل البقرة، فيصعدونها إلى أعلى الجبل، فيشعلون النار في تلك الأغصان، ولوجود مواد محرقة في أغصان «عشر» تشتعل بسرعة، فكانت البقرة ـ ومن أثر الاحتراق ـ تركض فتركل وتنعر، فكان من جهلهم يخيَّل إليهم أن حركاتها وأصواتها تلك تشبه أصوات الرعد والبرق، وهو ما كان يغري السماء في إرسال غيثها!

2ـ ضرب البقر لطرد الجنّ والعفاريت

كانوا يعرضون البقر على الماء، فإذا شرب ذكرها وامتنعت إناثها دلّ على أن الذي منعها من الماء هو تلك الأرواح الخفيّة الساكنة بين قرون الثور، فكانوا يتوجَّهون إليه بالضرب على وجهه، معتقدين أنّ ذلك يطرد الجنّ والعفاريت من بين قرني الثور([1]).

3ـ كيّ الجمل السليم بالنار لشفاء الآخرين

كانوا إذا ظهر بين قطيع الجمال قروح أو طفح جلدي وما شابه يأخذون أحد الجمال السليمة، فيكوون لسانه وعضده، في اعتقاد منهم أن ذلك سيوقف العدوى عن باقي القطيع. لكن لا يعرف الأساس الذي بنوا عليه فعلهم هذا. فهل كان لهم دليل علمي بأن كيّ اللسان والعضد يوقف العدوى؟ يشكِّك في هذا اقتصارُهم على كيّ جمل سليم واحد من بين كلّ القطيع، وهذا يرجِّح كونهم ينطلقون من أسس خرافيّة لا تمتّ إلى العلمية بصلة.

4ـ ربطهم لجمل بالقرب من قبر ميتهم حتى لا يحشر راجلاً

كانوا إذا توفي أحد كبرائهم حبسوا جملاً في حفرة من دون علف ولا ماء حتى يموت جوعاً وعطشاً، اعتقاداً منهم أن المتوفّى سيركبه يوم الحشر، فيحشر راكباً جمله.

5ـ عقر الناقة على قبر المتوفّى

إحدى الخرافات العجيبة أنهم كانوا إذا توفي لهم عزيز، ولأنه طوال حياته كان ينحر النوق لتكريم ضيوفه وأحبائه، يعمد أقاربه إلى نحر ناقة أو جمل عند قبره، علامة على تكريمهم له وتعظيمهم لشخصه بعد أن لم يعد له حول ولا قوة.

بالإضافة إلى أنّه ليس لتلك الأعمال مستندٌ علميٌّ وواقعيٌّ؛ إذ لا علاقة للنار بنزول المطر، ولا ضرب الثور مؤثِّر في إقبال البقرة عن الرواء، ولا كيّ لسان وعضد الجمل السالم بقادر على إيقاف العدوى…، فإن الإسلام لم يكن ليقبل أو يجيز بأيّ وجه كان معاملتهم لتلك الحيوانات البريئة بذاك الشكل المؤذي، وخصوصاً أن الإسلام قد شرع العديد من القوانين التي تدعو إلى حماية الحيوانات وحسن معاملتها. ونستطيع أن نذكر ههنا أن رسول الله (ص) قال: إن من حقّ الدابة على صاحبها: أن يطعمها كلّما نزل إحدى الديار؛ وأن يعرضها على الماء متى حلّ به؛ وأن لا يضرب وجهها؛ وأن لا يبقى على ظهرها إذا كان وقوفه في مكان طويلاً؛ وأن لا يحمل عليها أكثر ممّا تطيق…([2]).

6ـ مداواة المرضى

وكانوا لهذا الغرض يصطادون بعض الأفاعي والعقارب، فيزيِّنون عنقها بحليّ من ذهب، معتقدين أنهم إذا وضعوا عليها النحاس أو الحديد فإن مريضهم سيفارق الحياة. وأما من أصيب بالسعار، وهو عادة ما يأتي من عضّة الكلب، فقد كانوا يطبِّبونه بإمرار بعض دم كبير القبيلة على محلّ الجرح. وهذا الشعر مستند يبيِّن هذا المعتقد الخرافيّ:

أحلامكم لسقام الجهل شافية           

كما داؤكم تشفي من الكلب

وأما إذا ظهرت علامات الجنون على أحد منهم فلكي يدفعوا عنه الأرواح الخبيثة يلجأون إلى حضن الكهنة الذين كانوا يضعون في عنقه عظماً، ويعلِّقون أسنان الثعلب والقطط على أعناق الأطفال؛ حفظاً لهم من الجنّ والعفاريت. أما معالجة الأطفال من الجدريّ فإن الأم تضع غربالاً على رأس ابنها، وتطوف به على أبواب القبيلة، الذين يضعون فيه بدورهم الخبز والتمر، حتى إذا جمعته من كلّ بيوتات القبيلة قامت بإطعامه الكلاب، معتقدة أن هذا الفعل سيشفي طفلها من كل أنواع القروح والدمّل، وأما باقي الأمهات فيحرصن أن لا يأكل أطفالهنّ من ذاك الخبر والتمر؛ لأن العدوى ستلحقهم بمجرد أن يفعلوا ذلك.

وأما مرضى الأمراض الجلديّة فإذا لم يشفِهم ماء الفم يقولون: إن المريض قد قام بقتل إحدى الحيوانات التي تتلبَّس بالأرواح الخفيّة، كالأفاعي، ولدفع غضبها عن المريض يصنعون مجسَّمات من الطين على شكل جمل، ويحملونها مع أنواع من الحبوب، كالشعير والحنطة والتمر، ويضعونها قرب إحدى شقوق الجبل، ويعودون في اليوم التالي، فإن أُكلت حمولتهم فإن هذا دليل على أن تلك الهدايا قد لاقت القبول لدى تلك الأرواح، وبالتالي فإن المريض سيُشفى ويعود إلى عافيته، وأما إذا وجدوها حيث وضعوها فإنه دليل على أن تلك الهدايا لم ترُقْ للأرواح الخبيثة، ولم تحظَ برضاها.

 

كيف حارب الإسلام هذه الخرافات والاعتقادات الواهمة؟

لم يقتصر الإسلام على أسلوب واحد في محاربة الخرافات وتلك المعتقدات وكل ما أقيم على خيال لا يقوم على دليل أو برهان، بل تعدَّدت أساليبه وتنوَّعت بحسب ما تمليه الظروف والمواقف. فكثيراً ما كان يقبل بعض أعراب البادية، الذين اعتادوا على علاج مرضاهم بعظام وأحجار يعلِّقونها عليهم تمائم، ليسألوا النبي الأكرم (ص) عن التداوي بالأعشاب، فكان النبي (ص) يجيبهم بأن يداووا مرضاهم بالدواء، وأن يعرضوهم على الحكماء والأطباء؛ لأن الله ما خلق داءً إلاّ وخلق له دواءً([3]). فلما مرض سعد بن أبي وقاص في قلبه، أمرهم النبي الأكرم (ص) أن يحملوه إلى الطبيب الحارث بن كلدة، طبيب ثقيف، وأرشده (ص) فيما بعد إلى دواء مخصوص([4]). ويكفي أن نذكر في هذا المقام بعض ما ورد عن النبي الأكرم (ص) من بيانات في ما يخصّ الموقف من بعض أنواع السحر والشعوذة التي لا تشفي مريضاً ولا تعافي متوعِّكاً:

1ـ جاء رجل بطفله الذي يعاني من ألم في حلقه، وقد علت عنقه تميمة، إلى مجلس رسول الله (ص)، فأمره رسول الله (ص) بأن لا يرعب ابنه بتمائم السحر والشعوذة، وأن يبتغي له دواء عصارة العود الهندي([5]).

وفي هذا الصدد قال الإمام الصادق (ع) إن كثيراً من التمائم شرك([6]).

وقد استمر النبي الأكرم (ص) والأئمة المعصومون من بعده بإرشاد الناس وهدايتهم إلى الأدوية، وهي الروايات التي جمعها محدِّثو الأمّة في كتب وأبواب خاصّة تحت عنوان الطب النبويّ، أو طبّ الإمام الرضا (ع)، و… وهو أسلوب ناجع وضربة قاضية لتلك الأوهام والخرافات التي تسلِّم النفس البشرية إلى أيدي الأراجيف والشعوذة.

 

نوع آخر من الخرافات

لرفع الخوف والاضطراب كانوا يستعملون وسائل متعددة.

فمثلاً: إذا عزموا دخول قرى أو أرياف، وخشوا على أنفسهم أمراضها أو جنّها، كانوا يرفعون أصواتهم مقلِّدين نعيق الحمار عشر مرات، وربما أضافوا إلى ذلك تمائم من عظام الثعلب!

وإذا أضاعوا الطريق في الصحراء قلبوا لباسهم الوجه مكان القفا والقفا مكان الوجه!

وإذا أرادوا السفر، وخافوا خيانة أزواجهم، عقدوا خيوطاً على غصن شجرة، فإذا بقيت الخيوط على حالها معقودة فذاك دليل على أن لا أحد وطأ فراشهم في غيابهم، وإن وجدوها قد حلَّت فهذا دليلٌ قاطعٌ على وقوع الخيانة!

وإذا سقطت السن اللبون لأحد أطفالهم يأخذها والداه بأصبعين، ويقابلونها عين الشمس، مردِّدين: أبدلينا بها سنّاً أفضل…

إلى غيرها من الخرافات والأباطيل التي سوَّدت حياة العرب طيلة فترة الجاهلية، وحرمت فكرهم وعقولهم من نعمة التفكُّر والسير نحو الرشد والكمال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) أنشد أحد شعراء العرب في الجاهلية:

فإني إذاً  كالثور يضرب جنبه          

إذا لم يعف شرباً وعافت صواحبه

([2]) من لا يحضره الفقيه 2: 286.

([3]) التاج 3: 178.

([4]) المصدر نفسه 3: 184.

([5]) سفينة البحار، مادة «رقى».

([6]) طب الأئمة: 62.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد