مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

اليأس والقنوط (2)

هل اليأس والقنوط شيء واحد؟

تم التعبير في آيات عن الحالة المقابلة للأمل والرجاء والثقة بما عند الله سبحانه، تارة بالقنوط وأخرى باليأس، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن القنوط هو مرحلة متقدمة ومشددة من اليأس، واستشهد على ذلك بقرينة داخلية في تركيب الحروف في كل من الكلمتين ففيما هي في القنوط ذات دلالة على الشد،ة هي في اليأس ذات دلالة على الرّخاوة، والشاهد الآخر هو أن القنوط جاء في القرآن بعد اليأس مما يشير إلى أنه متأخر عنه وحاصل بعده![1] كما نقل قول صاحب الفروق الذي قرر في الفرق بين القنوط والخيبة واليأس: أن القنوط أشدّ مبالغة من اليأس، وأمّا الخيبة فلا تكون إلّا بعد الأمل، لأنّها امتناع نيل ما أمل. وأمّا اليأس: فقد يكون قبل الأمل وقد يكون بعده[2]..

أقول: هناك مجال للتأمل فيما قال، والشواهد التي أوردها، وذلك أن القرآن الكريم جعل القنوط مرتبطًا بالضلال بينما ربط اليأس بالكفر ولعل هذا مؤشر على أشديّة اليأس بالنسبة للقنوط وكونه أسوأ منه ففي آية القنوط قال: (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) بينما في آية اليأس قال: (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).

 

سنة الحياة قائمة على الابتلاء:

إن من يتصور أن أموره دائمًا معقدة وأن (وجهه وجه النحس) هو واهمٌ للغاية، فلا يوجد شخص خاص وجهه وجه نحس، وآخر وجه إشراق، وأن كلّا منهما خلق بهذا النحو، كلا وإنما الأول قانط يائس لا يسعى لحل مشاكله بالطريق السليم، ولا يتوكل على الله فيما لا يحتسب من الحلول، وهناك من يكون في أشد المشكلات يقول (هوّن عَليّ ما نزل بي أنه بعين الله).

إن الابتلاء في الحياة بالمشاكل هو سنتها الطبيعية وقانونها الاعتيادي، ولذلك يجري على المرسلين كما يجري على الأوصياء والمؤمنين، بل لقد ورد في الروايات أنهم أولى الناس بالبلاء والامتحان!

فانظر إلى سورة الأنبياء حيث استعرضت نماذج من ابتلاء رسل الله سبحانه بمختلف أنحاء الابتلاء، فمن إبراهيم الذي ابتلي بمجتمع كافر مضاد لدعوته يقف على رأسه طاغية جبار و(قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)[3] إلى لوط النبي العفيف الذي كان في وسط تلك القرية الوسخة الفاسقة (الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ) وكان أهلها مستعدين لاقتحام بيته والاعتداء على ضيوفه، وأما أيوب فقد ضرب به المثل في البلاء المتعدد الأطراف والجهات إلى أن (نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ)[4] وابتلاء يونس في بطن الحوت (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ألّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) وابتلاء زكريا بوحدته بعد فناء عمره وتصرم أيامه حتى (نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)[5] والابتلاء الأعظم للبتول مريم العذراء عندما أتهمت في شرفها، وتمنت أن يا ليتها قد ماتت وطواها النسيان!

لكن الجامع المشترك بينهم هو أنهم مع هذا الابتلاء على اختلاف صوره، حاولوا قد استطاعتهم حل المشكلة بتخطيطهم، وعندما تجاوزت المشاكل قدراتهم لم ييأسوا وإنما توجهوا إلى ذي القدرة المطلقة، وطلبوا منه الفرج فكان! (وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ).

ولهذا ينبغي للمؤمن ألّا يكون سوداويًّا يائسًا، ولا منهزمًا قانطًا بل إذا رأى في محيطه أحدًا من هذا الصنف عليه أن يواجهه بما نعتقده كمؤمنين بالله، فإذا قال لك: بأن أمورك ستتدهور من سيء لأسوأ قل له: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ).[6]

ينبغي ألّا نتأثر بالأشخاص السلبيين بل ينبغي أن ننقل لهم روح الأمل وحيوية الرجاء وحسن الظن بالله سبحانه، حيث أنه ورد أن الله عند حسن ظن عبده به، وأن يعتقد أنه (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)[7] خاصة إذا استعان العبد به بقوله الدائم في صلاته: بحول الله وقوته أقوم وأقعد، وبقوله في قراءته الفاتحة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[8]، وبذكره اليومي (أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الأَمْرُ للهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ).

 

بالتوكل والإيمان نهزم اليأس والقنوط

قد سبق القول إن من بواعث القنوط واليأس: عدم معرفة طريقة الله عز وجل في إدارة الكون. فعندما لا يعرف الإنسان طريقة الله في إدارة خلقه من الناحية النظرية، لا يهتدي الطريق الصحيح من الناحية العملية.

إن هناك فرقًا كبيًرا بين من يتوهم أن أولياء الله لا ينبغي أن يصيبهم البلاء والمرض، وأنهم في هذه الدنيا لا يعتريهم خوف ولا حزن! وبين من يعتقد بأنهم مشمولون بقول الله تعالى (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)[9] وأنهم أولى من غيرهم بالابتلاء والامتحان!

وقد ذكرنا في صفحات سابقة أمثلة عن ابتلاء الله أنبياءه وهم أفضل خلقه!

ومن ذلك أيضًا تصور هؤلاء الخاطئ عن حقيقة فرج الله ونصره عباده الصالحين وأولياءه المؤمنين، فإنه إذا سمع ذلك يتصور أن الله لا بد أن يعطل القوانين الكونية والاجتماعية لأجل أن تتحقق حاجته وإلا فلا يوجد فرج ولا استجابة للدعاء ولا نصر للمؤمنين! وهذا ناتج عن مزيج من قلة الصبر والأنانية في وقت واحد!

فإذا قيل له إن الله يفرج عن المؤمنين وينصرهم، يتصور أنه ما دام قيل له هذا الكلام، فلا بد أن يتحقق ذلك بعد دقيقة. وإذا طال، فبعد يوم. وإذا قيل له إنك تشفى إن شاء الله! لأن الله تعالى يشفي المرضى؛ فإنه يتصور أنه لا بد أن تحرق المراحل حرقًا ويتحقق ذلك في اللحظة! ولكي يؤمن بأنه (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[10] فمعنى ذلك أن تتيسر أموره كلها بعد قراءة الآية مباشرة!

ولأن الأمر ليس كذلك لأن الكون قائم على أنظمة وقوانين، وأن المعجزة فيه هي الاستثناء! لذلك فإن مثل هؤلاء لا يلبث أن يأكلهم وحش القنوط واليأس!

وليت الأمر يقف عند هذا الحد، وإنما سينتج عنه بعدما تمكن اليأس منه؛ تناقص الإيمان.

إننا نعتقد أن الإيمان كما يزيد ينقص، ومثلما يمكن أن يزداد الإنسان إيمانًا بزيادة عباداته كمًّا والخشوع فيها كيفًا، ومما يقوي بنية الإيمان من العبادات هو ما فيها من قرآن وأذكار وما تحمل من معانٍ، فإذا كرر المصلي قوله تعالى (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (*) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (*) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[11] فإنه يستحضر في ذهنه رحمة الله ورحمانيته ومالكيته وحاكميته فيطلب منه العون بعد اعترافه بعبادته إياه وحده، وهذه المعاني تترسخ بالتدريج وتتكرس بمرور الأيام، كلما قرأ هذه الآيات في السورة وكلما صلى لله فريضة. وكذلك بالنسبة للأذكار التي تتضمنها الصلاة أو تتلى خارج الصلاة.

وفيما تؤدي العبادات بأنواعها، والأذكار بأصنافها إلى زيادة الايمان والاعتقاد بقدرة الله ورحمته واستجابته، فإن عنصر القنوط واليأس يأخذ اتجاها معاكسًا تمامًا، بتشكيك المؤمن في تلك الاعتقادات، وإضعاف إرادة المؤمن أمام طلباته، ويقوم الشيطان هنا بدور مؤثر عندما يعِده الفقر، ويضخم السلبيات، ويزيد المخاوف! فهو هنا لا ينظر إلى المشاكل باعتبارها حالة طبيعية في الدنيا التي خلقت كدار ابتلاء، تتبلور فيها طاقات الإنسان في اكتشاف الحلول، وتحويل المشاكل بتحديها إلى رافعة له للتقدم وابتكار طرق جديدة لتسهيل أمور الحياة، وهكذا يحصل التقدم الدنيوي، فمن دون تحدي المشاكل والتغلب عليها بابتكار الأفكار والأدوات والوسائل لا يتقدم العلم ولا الاقتصاد ولا غير ذلك. وكذلك الحال فيما يرتبط بالناحية الدينية فإن تحدي الابتلاءات بالصبر عليها وتحقيق التوكل على الله سبحانه، يزيد إيمان المؤمن ويشعره بحلاوة اليقين ويتذوق لذه التغلب على الشيطان..

ـــــــــــــــــــــــــــــ

[1] قال الشيخ المصطفوي في كتابه؛ التحقيق في كلمات القرآن الكريم 9/ 325: قنط "اليأس الشديد، ويدلّ على الشدّة حرفا القاف والطاء، فإنّهما من حروف الجهر والشدّة والضغط والاستعلاء. بخلاف السين والياء. فالياء من حروف الجهر والرخاوة والاستفال والسكون. والسين من الهمس والرخاوة والاستفال والسكون..

ويدلّ أيضا على خصوصيّة القنوط: ذكره بعد اليأس في-وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ‌ قَنُوطٌ- وأمّا التقييد بالخير أو الرحمة: فلا وجه له، فانّ اليأس يقابل الطمع، فهو انقطاع الرجاء والطمع عن أيّ شي‌ء كان، وإن كان الرجاء والطمع يتعلّق غالبًا بما يقصد في الأمور الخيريّة.

[2] التحقيق في كلمات القرآن 3/ 156

[3] الأنبياء: 68

[4] الأنبياء: 83

[5] الأنبياء:89

[6] الشورى: 28

[7] فاطر: 44

[8] الفاتحة: 5

[9] الأنبياء: 35

[10] الشرح:6

[11] الفاتحة 3ـ 5

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد