
تتحكّم في الإنسان منذ بدء وجوده غريزة حبّ الذات، وهي اتّجاه أصيل في النفس البشريّة، يدفع الإنسان دائمًا إلى تحقيق الخير لذاته، وتوفير مصالحه، وإشباع رغباته. ويحاول بحكم هذا الدافع الأصيل في نفسه أن يستفيد من كلّ ما حوله من أجزاء الكون الكبير الذي يعيشه وقواه وإمكاناته، ويستعين بكلّ ما يتاح له من ذلك في سبيل تحقيق الخير الشخصي له، وتوفير مصالحه الخاصّة.
وعلى هذا الأساس دخل الجماد والنبات والحيوان في حياة الإنسان؛ لأنّ هذه الأشياء يمكن أن تقدّم بطبيعتها كثيرًا من الخدمات للإنسان في حياته، فاندفع الإنسان إلى الاستعانة بها واستخدامها وتكييفها وفقًا لرغباته وحاجاته، وكان من الطبيعي أن يجد الإنسان أنّ إمكانات الاستعانة لا تستنفد هذه الأشياء، وأن يندفع بحكم اتّجاهه الفطري الأصيل إلى الاستعانة بأخيه الإنسان أيضًا، والاندماج معه في حياة واحدة تملك من الإمكانات لإشباع الحاجات والرغبات أكبر ممّا تملكه الحياة المنعزلة للإنسان الواحد. وهكذا استطاع الإنسان أن يتوصّل بإلهام فطري من غريزة حبّ الذات إلى إقامة العلاقات المتنوّعة، ذات الأشكال المختلفة مع كلّ ما يعيش حوله من أجزاء الكون.
غير أنّ هناك فرقًا جوهريًّا وجد منذ البدء بين نوع العلاقة التي أقامها الإنسان فطريًّا مع الأشياء، ونوع العلاقة التي أقامها مع أخيه الإنسان. فإنّ العلاقة الأولى تمثّل الإيجابيّة من طرف واحد، وتجعل الإنسان هو سيّد الموقف فيها بقدر ما تنمو خبرته بالكون وتتّسع مداركه وإمكاناته. وأمّا العلاقة الثانية فهي بين إنسانين أو مجموعة من الناس، ولكلّ إنسان مصالحه وحاجاته، ومن وراء هذه المصالح والحاجات الدافع الأصيل الذي يتمثّل في غريزة حبّ الذات، فالشعور بالانتفاع بالإنسان الآخر هنا شعور متبادل. وعلى هذا الأساس يتكوّن المجتمع، ويندمج الأفراد في إطار واحد، ويتمّ ضمن هذا الإطار تفاعل الأفراد والتعاون المشترك.
وفي هذا الضوء نعرف أنّ تكوّن الحياة الاجتماعيّة نتيجة للميل الفطري عند الإنسان الذي يدفعه دائمًا إلى استخدام كلّ ما يجد حوله لتحقيق الخير الشخصي.
ومن الطبيعي أن نتصوّر - وفقًا للمفهوم القرآني للتاريخ - أنّ الحياة الاجتماعيّة في بدايات تكوّن المجتمعات البشريّة نشأت بسيطة خالية من التعقيد، وكان الدافع الذاتي الذي دفع بالإنسان نحوها كفيلًا بتوفير الدرجة المطلوبة لها من الاستقرار. كما كان مستوى التصوّر البشري للحاجات والمصالح كفيلًا بضمان وحدة المجتمع وتماسكه والحيلولة دون وقوع الاختلاف والتناقض الشديد في داخله؛ لأنّ البشر في بدايات حياتهم البشريّة لم يكونوا يملكون من المعارف والتجارب في شؤون الحياة ووسائلها وطرقها ومجالات الاستمتاع فيها إلّا الشيء المحدود الذي لا يتجاوز الفطريّات وبعض المكتسبات البدائيّة، الأمر الذي كان يجعل الإنسان يتغذّى من أعشاب الأرض ونباتها، ويتسلّح بالأحجار والصخور، ويلوذ بالكهوف والمغارات، ويصطاد أنواعًا متعدّدة من الحيوانات. والمجتمعات الفطريّة التي لا تتجاوز هذه الحدود لا يظهر فيها اختلاف؛ لبساطة آمالها، وبدائيّة همومها ومفاهيمها، ومحدوديّة وسائلها ومجالاتها.
ولكنّ الإنسانيّة داخل الإطار الاجتماعي تنمو وتتكامل مداركها خلال التجربة التي تخوضها عبر الزمن، ولذلك يصبح من المحتوم - بعد أن تستمرّ الإنسانيّة في حياتها الاجتماعيّة، وتواصل تجاربها مع الكون - أن يتفتّح وعيها، وتتّسع مجالاتها الحياتيّة، وتنمو آمالها، وتتعقّد آلامها، وتتكاثر أمامها فرص الاستمتاع بالحياة. وحينما تصل البشريّة إلى ذلك، تبدأ بذور الاختلاف والتناقض والصراع تنمو داخل الإطار الاجتماعي، ويصبح الميل الفطري عند الإنسان الذي يدفعه إلى الاستعانة بأخيه الإنسان غير كافٍ وحده لضمان الاستقرار في الحياة الاجتماعيّة، كما كان كافيًا في بداية تكوّنها، بل يصبح هذا الميل الفطري نفسه دافعًا إلى تمزيق الوحدة الاجتماعيّة، وخلق الصراع في داخلها؛ لأنّ الناس خلال اجتماعهم الفطري سوف يختلفون في تجاربهم وإدراكاتهم ويتفاوتون في مواهبهم وقواهم.
وكلّ ذلك يجعل غريزة حبّ الذات تدفع الإنسان إلى صرف إمكاناته التي يمتاز بها على الأفراد الآخرين، في سبيل مصالحه الخاصّة، وفي النهاية تدفعه إلى استخدام الأفراد الآخرين لتحقيق تلك المصالح. ومن ناحية أخرى، يؤدّي اتّساع فهم أفراد المجتمع للحياة ومجالات الاستمتاع فيها، ووسائل هذا الاستمتاع، إلى محاولة توسيع مصالحه وحاجاته الخاصّة على هذا الأساس، فينشأ ويأخذ كلّ إنسان بالعمل لصالحه الخاصّ، وفقًا لميله الفطري على حساب الآخرين.
ومن هنا تنشأ الضرورة إلى تنظيم للحياة الاجتماعيّة يعالج التناقض، ويحدّد الحقوق ويعيّن الواجبات، ويكفل للحياة الاجتماعيّة الاستقرار على صيغة معيّنة يعرف كلّ فرد ضمنها ما له وما عليه.
وهكذا نجد أنّ التنظيم الاجتماعي شرط ضروري لاستمرار الحياة الاجتماعيّة للبشريّة بعد برهة من تجربتها الاجتماعيّة، ولا يمكن بحال فصل تصوّر المجتمع عن تصوّر التنظيم الاجتماعي بشكل من الأشكال.
كيف يصنع الدماغ العادة أو يكسرها؟
عدنان الحاجي
بين الأمل والاسترسال به (1)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الذّكاء المصنوع كعلم منظور إليه بعين الفلسفة من الفيزياء إلى الميتافيزياء
محمود حيدر
معنى (توب) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
مناجاة الذاكرين (4): بك هامت القلوب الوالهة
الشيخ محمد مصباح يزدي
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ..} لا تدلُّ على تزكية أحد (2)
الشيخ محمد صنقور
العزة والذلة في القرآن الكريم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
ماذا نعرف عن القدرات العظيمة للّغة العربية؟
السيد عباس نور الدين
لا تبذل المجهود!
عبدالعزيز آل زايد
كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
ضحكات المطر
حبيب المعاتيق
السيّدة الزهراء: صلوات سدرة المنتهى
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
(مبادئ الذّكاء الاصطناعيّ) محاضرة في مجلس الزّهراء الثّقافيّ
كيف يصنع الدماغ العادة أو يكسرها؟
بين الأمل والاسترسال به (1)
الذّكاء المصنوع كعلم منظور إليه بعين الفلسفة من الفيزياء إلى الميتافيزياء
معنى (توب) في القرآن الكريم
جلسة حواريّة بعنوان (مرايا القراءة)
مناجاة الذاكرين (4): بك هامت القلوب الوالهة
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ..} لا تدلُّ على تزكية أحد (2)
فريق بحث ينشر اكتشافًا رائدًا لتخليق الميثان
معنى (خشع) في القرآن الكريم