د.خديجة عبد الهادي المحميد
لقد اجتهدت الحوراء زينب لتنمية ذاتها ومجتمعها في آن واحد وفي اتجاهات متعددة، فأنجزت أدورًا رسالية شعت بنورها على عقول ونفوس الإنسانية إلى يومنا هذا، من أبرز هذه الأدوار مايلي:
الاجتهاد في تحصيل العلوم الدينية
دأبت على نيل العلوم الإسلامية من جدها وأبيها وأمها وأخويها الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين، فكانت حركتها الرسالية نابعة من العلم بالرسالة الإسلامية وعميق الإيمان بها.
حفظت وجودها في محضر الله سبحانه بذكره في كل حال عشقت ربها تبارك وتقدس بكل وجودها، بعد أن انكشفت عن قلبها الحجب التي تحول عن معرفته جل وعلا حق المعرفة، فعكفت على عبادته وذكره في جميع أحوالها وحراكها الحياتي الشخصي والجهادي الرسالي حتى لقبت بـ "عابدة آل علي". لم تترك صلاة الليل في أحلك الساعات، فقد أقامتها ليلة الحادي عشر من المحرم وهي في أشد حال من رزايا كربلاء، ولم تترك النوافل الليلية طوال الطريق من الكوفة إلى الشام رغم المصائب والمحن. هذا التعلق العرفاني الذي عاشته زينب عليها السلام بالله سبحانه قد شرح صدرها للعلوم اللدنيّة والمعارف الربانية العالية التي يحتاجها مبلغو الرسالات الإلهية وأنصارهم.
وقد تجلّت معارفها اللدنيّة في عدة مواقف منها:
- تصبيرها لزين العابدين وتسليته وهو كاد أن يجود بنفسه لما رأى مصرع أهله كالأضاحي مجزّرين على أرض كربلاء، وبينهم أبوه ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت له: "ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي، فو الله إن هذا لعهد من الله لجدك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطعة، والجسوم المضرّجة، فيوارونها، وينصبون بهذا الطف علمًا لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يُدرس أثره، ولا يمحى رسمه، على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر، وأشياع الضلال في محوه وتطميسه، فلا يزداد إلا علوًّا"، فتحقق كل ما قالته عليها السلام، وهو من الأمور الغيبية التي لا يطلع عليها أحد إلا من كان ملهمًا من الله سبحانه.
- وقولها ليزيد بن معاوية في مجلسه الذي استقبل فيه أسرى آل محمد صلى الله عليه وآله ورؤوس شهداء آل الرسول: "فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد.." وقد كان ما قالت عليها السلام، فقد هلك يزيد وغرب سلطان بني أمية، ولم يمت ذكر آل البيت عليهم السلام، بل تعاظم مع مرور السنوات والقرون.
التصدي لتبليغ الرسالة
لقد تصدت العالمة زينب عليها السلام لتبلغ نساء عصرها أحكام الإسلام وتفسر لهن القرآن الكريم ، فكان لها مجلس في زمن أبيها أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة أيام خلافته الظاهرية، تقيمه في بيتها ويحضره نساء الكوفة.
جهادها الإعلامي في استثمار واقعة الطف
لقد استغرب المعاصرون لأخذ الإمام الحسين عليه السلام معه الأطفال والنساء تتقدمهم زينب عليها السلام إلى مكة ومنها إلى كربلاء، تاركًا المدينة بعد أن هدده واليها إما أن يبايع يزيد بن معاوية أو يُهدر دمه، فمثل الحسين عليه السلام لا يبايع مثل يزيد ليسلمه رقاب المسلمين وهو الذي افتقد كل شروط الولاية بافتقاده العلم والاستقامة.. وحينما سئل أبو عبد الله الحسين عليه السلام عن اصطحابه النساء والأطفال معه إلى كربلاء، كانت إجابته الموجزة جدًّا: "شاء الله أن يراهن سبايا"، فكل ما يرتبط بالمشيئة الإلهية فهو غاية في السداد والإحكام.
وقد كشفت الأحداث فيما بعد عن عمق وعظمة الدور الزينبي في كربلاء وما بعدها بخدمة رسالة الدماء الطاهرة إلى ضمير الأمة الإسلامية، تلك الرسالة التي تحتاج من المرسل أن يكون مطّلعًا عليها، ليس فقط إطّلاعًا معرفيًّا نظريًّا، وإنما شهودي بلون الدماء السائلات، وبكاء اليتامى وأنين الثاكلات، ومشهد أجساد الشهداء المبضعة ورؤوسهم المفصولة عنها على الرماح مشالات. كل ذلك كانت معرفته الحضورية تتطلب من زينب صبر أولي العزم الذي يتحلى به أولياء الله والصديقيون. لقد رافقت العقيلة أخاها الحسين المظلوم إلى كربلاء، وتحملت تلقي الرسالة المؤلمة جدًّا ليس بصبر فقط، وإنما أيضًا برضى لله سبحانه يرى الجلال والجمال في المشيئة الإلهية بمظهر الآلام والدماء التي سيحرر اللطيف الخبير بها وجدان أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبهذه الحقيقة قد أجابت ابن زياد حينما سألها في الكوفة: كيف رأيت فعل الله بأخيك وأهل بيتك، فمما أجابته: ما رأيت إلا جميلاً...، وهي التي وضعت يديها تحت جسد سيد الشهداء مناجية ربها "اللهم تقبل منا هذا القربان".
ولولا وجود زينب عليها السلام في المشهد الكربلائي لأوصل بنو أمية بتزييفهم الإعلامي للناس خبر موت الحسين عليه السلام بوقائع مخالفة للأهداف الحسينية والحقائق الواقعية. ولقد أجادت عليها السلام توظيف الأحداث والآلام والحقائق ومفردات الكلام بمهارات فائقة لا يتوفق إلى أدائها إلا من كان يتمتع إلى جانب العلم بالرسالة ومعرفة الواقع بالسكينة واطمئنان النفس بدرجة عاليه. أي خطيب يؤثر في الناس بشكل فعال يحتاج إلى:
- معرفة جمهوره الذي يخاطبه في واقعه وحاجاته واهتماماته وآماله ومستوى وعيه وإيمانه بالقضية المطروحه.
- الثقة العميقة والإيمان الراسخ بقضية وموضوع خطابه.
- نظم الخطاب افتتاحًا وموضوعًا وختامًا نظمًا يوصل الرسالة إلى وجدان الملتقي بفعالية كبيرة.
- البلاغة وتوظيف الألفاظ لخدمة إيصال الهدف من الرسالة.
- لغة الجسد والحال المتناسقة مع الأفكار والأهداف.
- نبرات الصوت في تنوعها مع حقائق الخطبة وجملها.
- تقديم الأدلة والشواهد.
- مهارات الإقناع.
- إلهام الجمهور المتلقي بواجباته تجاه ما يلقى عليه من حقائق.
وحيث أن جمهور الكوفة يختلف عن جمهور الشام، اختلف خطاب العقيلة في كل منهما عن الآخر. مجتمع الكوفة يعرف مقام السيدة الأولى في الكوفة عاصمة حكم أمير المؤمنين عليه السلام، السيدة زينب عليها السلام التي كان لها دور فعال في هذا المجتمع في خدمته وتوعيته، وأهل الكوفة هم الذين دعوا الحسين عليه السلام بآلاف الكتب والرسائل ليقدم إليهم ويخلصهم من حكم بني أمية الجائر، ثم تراجعوا عن نصرته وخذلوه خوفًا من بطش يزيد بن معاوية، وطمعًا في عطاياه.
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
عدنان الحاجي
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد جعفر مرتضى
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الأدوار الزينبية
الإمام الصادق (ع) والتصدي لتيار الغلاة
في رثاء الصّادق عليه السّلام
الصادق (ع) في آراء العلماء (1)
عقيلة الوحي
المراد من العلم النافع
ما هي حقيقة الذكاء؟ وكيف نزيده قوّة؟
التنظير في أفقه العربي والإسلامي
محتوى الكلمات ينشط العمليات الدماغية في اللاوعي
زكي السالم: في المسابقات الشّعرية: موقفك من التّصويت بين الوجوب والتّفويت