
امتدَّ زمنُ إمامة الإمام الكاظم (ع) إلى خمسٍ وثلاثين سنة كان يمارس فيه دور التهذيب والتربية للأمّة على اختلاف مشاربها ومذاهبها، فكان وعظه وإرشاداته وحكمه التي كان يُلقيها في مجلسه وفي المسجد النبوي وفي المحافل التي كان يحضرها وفي موسم الحج تجدُ صدىً واسعاً في الحواضر الإسلامية بعد أن يتناقلها الركبان والمسافرون ويبثُّها وكلاؤه وتلامذتُه الذين كان لهم حضورٌ واسع في عموم البلاد الإسلامية.
كما أنَّه احتضن بعد رحيل أبيه (ع) تلامذته الذين كانوا يربون على الأربعة آلاف رجل فكان (ع) يُملي عليهم التفسير والفقه وأصول المعارف الإسلامية، فكانوا يدوِّنون ما يسمعونه منه في الفقه والعقيدة والسيرة والسنن والآداب والتفسير والحكم والمواعظ.
حتى روى ابن طاووس بسنده أنَّ أصحاب الإمام الكاظم (ع) كانوا يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس فإذا نطق بكلمة أو أفتى في نازلة بادروا إلى تسجيل ذلك (1).
ثم إنَّ المرحلة التي اضطلع فيها الإمام (ع) بدور الإمامة تميَّزت بظهور الكثير من المذاهب الفقهية والمذاهب الكلامية. فثمة مدرسة الرأي التي كان لها حضورٌ واسع في العراق ومدرسة الحديث يقودها مالك بن أنس ومدارس أخرى في الفقه وسطاً بين هاتين المدرستين، وكذلك كان للمذاهب الكلامية رواجٌ واسع كمذهب المعتزلة والأشاعرة والمرجئة والقدرية وغيرهم.
وقد تصدَّى الإمام (ع) لتحصين قواعده من آثار هذه المذاهب كما تصدَّى هو وتلامذتُه لمناظرة روَّاد هذه المذاهب في مجلسه تارةً وعلى ملأٍ من الناس أو العلماء تارةً أخرى، وقد كان بعضهم يعترف له بخطئه، ويُحجم الآخرون عن مقارعة حججه وبيِّاناته.
وفي هذه المرحلة ونظرًا للانفتاح على الترجمة ودخول الكثير من الشعوب تحت نفوذ الدولة الإسلامية انتشرت في الوسط الإسلامي الكثير من الشبهات الإلحادية والأفكار والمناوئة للدين الإسلامي فتصدَّى الإمام (ع) وتلامذته لمعالجة هذه الشبهات وتفنيد ما كان يُعدُّ من المعضلات الفكريَّة والعقائديَّة، وقد وصلت لنا العديد من مناظراته وإجاباته وأحاديثه في ذلك.
هذا ما يتَّصل بدوره الفكري والتوعوي والذي استطاع من خلاله التعريف بالرؤية الصحيحة والناصعة للدين الإسلامي والمذهب الحق.
وأمَّا ما يتصل بدوره السياسي فقد اتَّخذ أسلوب القطيعة مع الدولة ليؤصِّل لما بدأ في تأصيله أئمة أهل البيت (ع) الذين سبقوه حيث أنَّ الدولة الأموية وكذلك العباسية بذلتا جهوداً مضنيةً لغرض إقناع الأمة بأنَّ الإسلام مُمثَّلٌ فيهم وأنَّ ما يُروِّجون له وما يمارسونه هو الإسلام الحقيقي إلا أنَّ قطيعة أهل البيت (ع) فوَّت عليهم هذا الغرض، وذلك نظرًا لما يُمثله أهل البيت (ع) في وجدان المجتمع الإسلامي، فقطيعتهم للسلطة يعدُّ تعبيرًا صارخًا في وعي المجتمع الإسلامي عن انحراف هذه السلطة عن الإسلام.
ثم إنَّ الإمام (ع) لم يكن يكتفي بالاعتزال عن السلطة العباسية بل كان يُصرِّح علنًا تارةً وسرًّا تارةً أخرى عن انحرافها عن خطِّ رسول الله (ص) وكان كثيرًا ما يُؤكِّد لأصحابه وشيعته على حرمة التعامل معها حتى في بناء مسجد، وقد ورد عنه أنَّه كان يقول (ع): "لإن أسقط من شاهق فأتقطَّع قطعة قطعة أحبُّ إليَّ من أن أتولَّى لهم عملاً أو أطأ بساط رجلٍ منهم" (2).
هذا مضافاً إلى مقارعته للسلطان في موارد عديدة والجهر له بعدم استحقاقه لهذا المنصب. ثم إنَّ الإمام (ع) كان يحرص على التعريف بالإمامة وموقعها في الإسلام والملكات التي يجب أن يتوفَّر عليها الإمام والشروط التي وضعها الإسلام ونصَّ عليها الرسول (ص) فيمن له أهليَّة اإامامة والريادة للأمة. وكان بذلك يؤصِّل لمفهوم الإمامة الشرعيَّة المستفادة من القرآن الكريم والسنة النبويَّة. وذلك ما أسهم إلى حدٍّ كبير في بلورة مذهب أهل البيت (ع).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - المجتنى من دعاء المجتبى -السيد ابن طاووس- ص 27.
(2) - "لئن أسقط من حالق فأتقطع قطعة أحب إلي من أن أتولى لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم". وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 17 ص 194.
معنى (ودق) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
هل قاتلت الملائكة؟
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
فينومينولوجيا الغيب، بَداؤها عينُ خفائِها (2)
محمود حيدر
مناجاة الذاكرين (7): أستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك
الشيخ محمد مصباح يزدي
ما الذي يهمّ أنت أم أنا؟ يتذكر الأطفال ما هو مهم للآخرين
عدنان الحاجي
بين الأمل والاسترسال به (1)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ..} لا تدلُّ على تزكية أحد (2)
الشيخ محمد صنقور
العزة والذلة في القرآن الكريم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
ماذا نعرف عن القدرات العظيمة للّغة العربية؟
السيد عباس نور الدين
لا تبذل المجهود!
عبدالعزيز آل زايد
الإمام الهادي: غربة على شفير السّمّ
حسين حسن آل جامع
سيّد النّدى والشّعر
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معنى (ودق) في القرآن الكريم
هل قاتلت الملائكة؟
أهمّ عشرة اكتشافات علمية في الفيزياء لعام 2025
تزكية النّفس أوليّة مقدّمة على كلّ شيء
فينومينولوجيا الغيب، بَداؤها عينُ خفائِها (2)
مناجاة الذاكرين (7): أستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك
سياسة المتوكل مع الإمام الهادي (ع) (2)
الإمام الهادي: غربة على شفير السّمّ
معنى (سبل) في القرآن الكريم
فينومينولوجيا الغيب، بَداؤها عينُ خفائِها (1)