واحدة من المسائل المدروسة والجديرة بالدراسة أكثر، هي نوع العلاقة بين الدين ومفاهيمه وقوانينه وأحكامه وأخلاقيّاته و… من جهة، وبين الواقع والطبيعة والتكوين والفطرة و… من جهةٍ أخرى، فقد قرأ بعض الباحثين الدينيّين في القرن الأخير هذا الموضوع بصورةٍ يمكن التعبير عنها بأنها إثباتية؛ أي أنّهم عالجوا موضوع الرابطة بين الدين والعلم أو بين الفهم الديني والمعطيات العلمية.
فمثلاً أخذوا يفكّرون في إمكانية أن يقدّم العلم معطى معينًا فيما يرفض النص الديني هذا المعطى العلمي، فهل هذا الأمر ممكن؟ وإذا ما واجهنا أنموذجاً من هذا القبيل فما هي الطريقة التي ينبغي علينا اتباعها حتى لا يبدو هذا التناقض أو هذا الاختلاف بين العلم والدين؟ هل نقوم بتأويل النصّ الديني وما معنى التأويل؟ أم أنّنا نرفض المعطيات العلميّة التي نجد أنّ النصوص الدينية من الكتاب والسنّة تعارضها وتنافيها؟
لقد حاز هذا الموضوع على اهتمام العلماء منذ القرون الإسلامية الأولى ولو ضمن أشكال مختلفة، ففي البداية كان السؤال يطرح على أساس العلاقة بين العقل والنقل، وهو ما بلور فيما بعد قصةً طويلةً من الخلاف الذي أحاط موضوع علم الفلسفة، حيث اختلف العلماء في الموقف من هذا العلم، سيما وأنّ بعض نتائجه كانوا يرونها معارضةً لنصوص القرآن الكريم.
ولكن للموضوع بعدٌ آخر أعمق وأسبق مرحلةً من هذه المرحلة، ألا وهو البعد الثبوتي والواقعي، فنحن نسأل: هل أنّ واقع الدين يعارض أو يعاكس واقع العالم والتكوين بما في ذلك التكوين البشري بقطع النظر عما استطاع العلم أو البحث الديني التوصّل إليه؟
لقد طرح العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي فكرةً في غاية الأهمية في مواضع عديدة من كتاباته، وتتلخّص هذه الفكرة في أن الشريعة الإسلامية وكذلك الأخلاق وغيرها ليست سوى استجابة للتكوين الذي أودعه الله في الإنسان والطبيعة، فعندما نقول بأن على الإنسان أن يتّسم بصفات معينة فإننا نعني بذلك أن الوضع الطبيعي الوجودي له يستدعي ذلك، تماماً كما نقول بأن على الإنسان أن يمارس الحركة في حياته اليومية، لأن ممارسة الحركة وعدم الخمول يعنيان ضرورةً واستدعاءً تكوينيّاً، فلو لم يمارس الإنسان الحركة، فهذا يعني أنه يخالف مقتضى الطبيعة التي خُلق جسده عليها.
وهذا معناه ـ بشكل أكثر دقةً ـ أنّ التعاليم الدينية ليست أمراً إضافيّاً على المسار الوجودي والطبيعي للكون والعالم، بل هي كشفٌ عن هذا المسار حتّى لا يتصرّف الإنسان تصرّفاً يعارض فيه مقتضى الطبيعة والخلقة، ونتيجة هذا الكلام أنّ التشريعات الإسلامية لا تعارض التكوين البشري ببعديه المادي والمعنوي، ولا تتناغم وتنسجم معه فحسب، بل إنّها تكمل هذا التكوين وتتداخل معه، فعندما نقول بأنّ شرب الخمرة حرام، فهذا معناه أنّ الجسد والروح الإنسانيّين يتطلّبان في نمط وجودهما عدم تناول هذا النوع من المشروب، لا أن الطبيعة الإنسانية لا مانع لديها من هذا المشروب، فيما الإسلام ـ وزيادةً على الحالة الطبيعيّة ـ أراد أن ينظّم حياة الإنسان، إنّ الأمر ليس كذلك بنظر العلامة الطباطبائي، وهذا معناه أن الإسلام يتوافق والفطرة كما يتوافق والطبيعة والخلقة ويحترم هذا الواقع كلّه، ومن هنا يمكن عدّ ما ذكره العلامة الطباطبائي بمثابة فلسفة لما يتعارف في الوسط الديني من فطريّة الدين والتديّن، وكذلك تعميقاً لـه وتوسيعاً لدائرته.
ومن موقع تأثير العلامة الطباطبائي، جاءت الفكرة التي أثارها الشهيد مرتضى مطهّري (1979م) في دراسته لموضوعة المرأة في الاسلام، والتي أصّل على أساسها ـ كما وفسّر ـ العديد من المفاهيم الدينية المرتبطة بالمرأة، وهي فكرة التناسب بين القانون والقيمة من جهة والطبيعة والتكوين من جهةٍ أخرى، أي أنّ القانون الناجح والقابل للإجراء والتنفيذ هو ذاك القانون الذي يمكنه مماهاة الواقع التكويني وإقامة جسورٍ من التناغم والاتّساق والانسجام والمحاكاة معه، وإلا فإنّ ما سينجم عن هذا القانون ـ على أقلّ تقدير ـ هو فشله وإخفاقه في حركة الممارسة اليوميّة.
الحبّ وسيكولوجيا المراهَقة
ليس البحث السيكولوجي من اختصاص الكاتب، لكن ـ ومن باب الإشارة إلى كلام المختصّين في هذا المجال، كما والإشارة إلى واقعٍ يوميٍّ إنسانيٍّ ـ يمكننا القول بأن الفطرة الإنسانية أو دعونا نعبّر: التركيبة النفسية الإنسانية تنـزع دائماً نحو الحبّ والعشق، أي أنّ الحب بالنسبة للذات الإنسانية يعبّر عن ظاهرةٍ استدعائيّةٍ للنفس البشريّة، فعندما نقول: «نفس بشرية» فإنّ هذا المفهوم يرشدنا ـ في وعينا وإدراكنا له ــ إلى ظاهرةٍ نسمّيها نحن الحب، وليست هذه الظاهرة خصيصة إنسانيّة، بمعنى أنها لا تختصّ بالإنسان فقط، بل هي ضاربةٌ بجذورها في البعد الحيواني أيضاً، فهي تلاحظ في الحيوانات أيضاً في علاقة الأم بأطفالها وهكذا…
أي نحن فعلاً ـ وبلغةٍ مبسّطةٍ ـ نعترف بأن واقعيّة الحب بالنسبة للإنسان بوصفه كائناً حيّاً هي واقعيةٌ لصيقة، وبالتالي ـ وفق شهادات التجربة اليومية والإحساسات الذاتية والدراسات النفسية والقراءات التاريخية ـ لا يمكننا فصل هذه الظاهرة عن الإنسان نفسه.
هذا الكلام هو من الوضوح بمكانٍ فيما يُظن؛ فالتجربة الدينية نفسها في العلاقة مع الله وأئمة الدين، والنـزعات العرفانيّة في شرق الأرض وغربها، وكذلك الثورات العاشقة للأوطان والقيم.. كلّها تحكي عن ذلك وتؤيّده.
بيد أن المشكلة في عملية ترشيد الظاهرة، فالكثير من القيم غير مطلق، ولذا فهو قابلٌ للترشيد والإنضاج السليمين، ولعلّ النقطة التي تعني الدين بشكلٍ أساسيّ في جدليّة الحبّ والإيمان في عصرنا الراهن تكمن في تثوير المراهَقة لهذه الظاهرة في أعماق النفس البشريّة، أي أنّ الإنسان المراهق ـ شابّاً كان أو فتاةً ـ ينـزع بفعل ثورة المراهقة للتعبير عن الحبّ في إطارٍ ثنائيٍّ إنسانيٍّ؛ أي في إطار رابطةٍ بين شاب وفتاة عادةً، فهو ـ أي المراهق ـ يعيش باستمرارٍ حالةً من الحراك العاطفي الثائر، أمّا العشق الإلهي أو العشق المعرفي أو عشق القيم فهي أمورٌ قد تتأخّر قليلاً، أو قد لا تكون بنفس العمق أو بنفس الحضور على السطح، دون أن نتجاهل الظروف البيئيّة المحيطة التي قد تضاعف أو تقلّص من هذا أو ذاك.
وليس هذا الحراك العاطفي بين الشاب والفتاة ظاهرةً اصطنعتها الحضارة الغربيّة الجديدة، فالنصوص الأدبية (وغير الأدبية) القديمة لمختلف الديانات والحضارات والثقافات كلّها تحكي عن نزوعٍ عميقٍ جدّاً لطرفي المكوّن البشري هذا، وبالتالي ليس من الصحيح ربط هذا النوع من العلاقات ـ وبصورةٍ متسرّعةٍ ـ بالظاهرة الغربية المحدثة، بل أساس هذه الروابط إنساني وبشري، بمعنى أنه ليس محصوراً بواقعٍ معيّن أو في ظلّ مؤثّرات خاصّة، حتى لو ابتعدنا به عن التفسير الفرويدي للأمور كما سنلاحظ.
إيمان شمس الدين
حيدر حب الله
الشيخ باقر القرشي
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ محمد صنقور
محمود حيدر
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
لماذا يأخذ المفسرون بكلام بعضهم؟
التسارع والتباطؤ وإنتاج المعارف (3)
أزمة الحبّ والإيمان (2)
الإمام الرضا (ع) والمواقف من النظام (1)
الإمام الرضا (ع) وحركة الواقفة
من بحوث الإمام الرّضا (ع) العقائديّة (1)
صور من بلاغة القرآن الكريم
من آداب طلب العلم
أزمة الحبّ والإيمان (1)
التسارع والتباطؤ وإنتاج المعارف (2)