الشيخ عبد الجليل البن سعد
مسجد الإمام الحسين ع بالحليلة في الأحساء
Dec 13, 2024 - ١١ جمادى الثاني 1446 هـ
قال الجليل في محكم التنزيل:
بسم الله الرحمن الرحيم
"إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا".
الدين الإسلامي، كما سائر الأديان الإلهية السماوية، يتجه بمن يدين به نحو القيم.
والقيم هي ذلك اللبوس الذي لا يظهر إنسانية الإنسان جمالًا إلا به.
فلا يليق بجسد الإنسانية سوى لبوس القيم.
وإذا تساءلنا عن حكاية القيم:
ما هي حكاية القيم؟
يجب أن ندرك أن حكاية القيم هي حكاية الإنسان نفسه.
فالإنسان، إذا وُجد على وجه الأرض وأصبح له ظهور وتمكن وحرية، فهو يسبح فوق مركب النفس.
ولا شك أن هذا المركب يتموج ويكون عرضة للهزاهز والأمواج في كل بحر يسلكه.
وهكذا مركب النفس يتعرض للتموج والهزاهز العنيفة إذا ما خاض عباب البحر الأخلاقي، أو توسط في البحر الاجتماعي، أو تحرك في بحر الشخصية.
هذه بحور ثلاثة يعبرها الإنسان ويتنقل فيها بمركب النفس.
ولأن هذه البحور متموجة، والتموج طبع فيها، فإن الإنسان يحتاج إلى جزيرة.
أنا قلت حكاية، وأحاول أن أوصل الفكرة بأسلوب قريب من الحكاية، عبر تصاوير وأمثلة، حتى يصل المعنى الذي أريده.
إذا خاض الإنسان في البحر الأخلاقي بمركب النفس، فإن النفس هنا ربما تغفل عن غيرها وتهتم بذاتها، وهذا تعبير عن الهزة.
هنا يبدأ التموج، فيحتاج الإنسان ومركبه النفسي إلى جزيرة يحصل بها الاستقرار والثبات.
إذا أراد الاستقرار والثبات، رسا بمركبه عند هذه الجزيرة.
تلك الجزيرة هي القيم.
في كل بحر من البحور التي لا بد للنفس أن تخوضها، ولا بد للنفس أن تواجه فيها عواصف ناقمة، ستجد جزيرة الأمان يمينًا أو شمالًا.
على النفس أن تحط في جزيرة الأمان، وجزيرة الأمان هي القيم.
فالإنسان، إذا خاض بنفسه وبمركبه النفسي في البحر الأخلاقي، عليه أن يجد دليله إلى الحياء، قيمة الحياء.
الحياء هو الجزيرة.
الجزيرة الوحيدة في البحر الأخلاقي، التي متى ما عصف بك ذلك البحر وأمواجه، عليك أن تعطف بمركبك النفسي إلى هذه الجزيرة، إلى هذه القيمة، وهي الحياء.
لماذا؟
لأنك في هذا البحر، الكائنات التي ستتعامل معها لا يمكن أن تنسجم معها إلا بالعفة.
إن لم يكن الإنسان عفيفًا، أفسد في كائنات هذا البحر.
إن لم يكن الإنسان متفاعلًا مع جمال الطبيعة في هذا البحر، فإنه سيسيء إليها.
البحر، حينما يعطيك جماله، يحسن إليك، وعليك أن تجازي إحسانه بالحسنى.
تلك الكائنات هي تعبير عن جمال وخلافة طبيعية، ويجب أن تقدرها بالإحسان.
الكائنات في هذا البحر تريد منك الاحترام.
الاحترام معيار، وليس قيمة.
الإحسان معيار، وليس قيمة.
العفة معيار، وليست قيمة.
ولكن كل هذه المعايير تجدها في قيمة واحدة، وهي الحياء.
من كان لديه حياء، فالحياء يصنع له العفة.
الحياء يصنع الإحسان.
الحياء يصنع الاحترام.
هذا هو حال النفس الناجية من عواصف البحر الأخلاقي.
أما في البحر الاجتماعي،
فقد جعل الله لك جزيرة أخرى من جزر القيم، وهي التكافل.
وطبعًا أوسع دائرة في مدارات القيم الاجتماعية هي التكافل.
لماذا؟
لأنك، بحراثة التكافل، تحرث أرض البر.
وبحراثة التكافل، أنت تحرث بذرة الحق.
وبحراثة التكافل، أنت تصنع خلة الجذب والجاذبية للآخر.
بحيث إذا مشى الآخر، سواء كان غير فطن أو غافلًا، فإنك تسلك به اتجاه المعروف.
فتكون أنت السبب في أن يسلك طريق المعروف.
وبك يعاكس طريق المنكر.
كيف؟
قد يعكس الآخر سيره عندما يريد أن يسير نحو المنكر، فيجدك أمامه.
يستمع لكلماتك التي تحفز ضميره.
نظراتك تحمل ذبذبات خاصة.
كلماتك لها إيحاء يتجاوز معناها اللفظي.
قسمات وجهك وحركاتك قد يكون لها تأثير كهربائي يجعل الآخر يتأثر بها ويتغير.
فيسير عكس طريق المنكر، والفضل، بعد الله، يعود لك.
هذه القيمة، وهي التكافل،
تنفع في أي بحر، خاصة في البحر الاجتماعي.
البر والحق أيضًا،
أن تؤدي الحق، وأن تتوخى العدل، وأن تبارك وتحيي من يبني مشاريع الحق.
كل هذا يبتني على قيمة واحدة، وهي التكافل.
فالتكافل هو الجزيرة.
جزيرة الأمان في البحر الاجتماعي.
وأيضًا، حتى نعرف كيف أن حكاية القيم هي حكاية الإنسان ذاته، نأتي إلى بحر الشخصية.
أنت في شخصك بحر، حتى لو لم يكن هناك مجتمع، وحتى لو لم يكن هناك من تتفاعل معه بالأخلاق.
أنت في شخصك بحر، وأظنه البحر الأعظم من بين كل البحور.
لذلك، في هذا البحر أنت بحاجة إلى مدينة، وليس إلى جزيرة.
بحاجة إلى بقعة كبيرة شاسعة من القيم.
وهذه البقعة تشمل نواحي متعددة، منها:
من الذي نجح في أداء تكاليفه إلا الصابر على تكاليفه؟
من الذي لا يقدّم أمر نفسه على أمر ربه، لا في حالة وعي ولا في حالة عدم وعي؟
هو الصابر، الذي يجعل أمر الله أولًا، حكم الله أولًا، وقضاء الله ورسوله أولًا.
سواء طابت نفسه أم لم تطب، الصبر هو مفتاح النجاح.
الآن، الناس الذين اتجهوا نحو الشذوذ، أو فرحوا بدعاوى الشذوذ، مشكلتهم الأساسية هي تموج في بحر الشخصية.
عصفت بهم أمواج هذا البحر فانقلب بهم المركب، أو كاد.
هؤلاء كانوا يحتاجون إلى الطريق المؤدي إلى جزيرة السوائية وأرضها وساحلها، لأنها تمنح الحصانة.
الحصانة تدعوك إلى التحصن.
إذا رأيت أن إبليس جاءك في صورة الأمواج، تزوّج، فإن الزواج حصانة.
الصبر على متاعب الزواج، مثل الفقر وغيره، خير من أن تتقهقر إلى الهلكة.
عندما تعيش الفقر وتأكل على هون وتلبس على هون، ولم تملك كل ما تريده، فأنت لم تخسر شيئًا حقيقيًا.
لكن حينما تفتقد الحصانة وتزل القدم، ماذا ستخسر؟
ستخسر ما لا يُعوَّض.
ستخسر ما قد يعاير به أبناؤك وبناتك بعد عشرين سنة.
ستخسر ذاتك وسمعتك.
أنت كإنسان تحتاج إلى برامج التذكير.
هنيئًا لمن يأتي كل جمعة ليستمع إلى الموعظة.
التذكير ضرورة لا يستغني عنها أحد.
حتى المذكر نفسه يستفيد من التذكير كما يستفيد السامع.
"وَإِنَّهَا لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ"
"إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا"
القيم هي أمان نفسك من نفسك.
القيم هي أمان غيرك من نفسك.
العدو الداخلي للقيم:
نفسك التي قد تنقلب ضدك.
أعداء القيم البشريين:
الذين يعملون بخطط جهنمية لتآكل القيم.
يعملون على محو القيم وقلب مفاهيمها وتمزيقها.
هؤلاء لا يخلو منهم الزمن، وهم لا يتركون ناحية اجتماعية إلا ويحاولون هدمها.
أن نكون يقظين.
أن نكون فطنين.
أن نكون مميزين.
وخير ما نختم به الكلام:
الصلاة والسلام على خير الأنام محمد وآله الكرام.
عباد الله، أيها المؤمنون والمؤمنات، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل.
وقد يتساءل المؤمن ليعرف مبلغ علاقته بالتقوى وقوة أو ضعف صلته بها.
فقد يلتبس عليه أمر التقوى، والمؤمن الذي تراه يشكك في كثير من الأمور، فإن حالة التشكيك لديه لا تقف عند هذا الحد.
فما العمل إذا؟
اعلم أنه من الطبيعي أن يشك الإنسان حتى فيما يمتلكه.
يصبح ويمسي على شك:
هل أنا على صفة الإيمان؟
هل أمتلك تلك المعنوية أو لا أمتلكها؟
هل أنا قادر أم أنا عاجز؟
هل أنا قوي أم أنا ضعيف؟
هذا الشك يُعد شكًا إيجابيًّا إذا اعتنى به الإنسان ولم يتجاهله، فإن هذا الشك سرعان ما يتحول إلى فطنة وبصيرة.
لأنك حينما تشك في قدرتك وممتلكاتك المعنوية، فإنك ستتحمس للفحص الذاتي وللاختبار الذاتي لترى إن كان لديك ما تحتاجه من تلك المعنويات أم لا.
واحدة من تلك المعنويات هي التقوى.
فليس عجيبًا أن يشك الإنسان أو أن يتجدد الشك مع الإنسان فيتساءل كل جمعة مثلاً:
هل أنا من المتقين؟
أم أنا خارج المتقين؟
التمييز بين المؤمن والفاسق:
إذا وجدت نفسك لا تميز بين المؤمن والفاسق، تقول للمؤمن "مرحبًا"، وتقول للفاسق "مرحبًا" بنفس الطريقة، فعليك أن تشك في تقواك.
التقي يميز في تعامله بين المؤمن والفاسق، فلا يبش في وجه الفاسق كما يبش في وجه المؤمن.
الانتصاف بين القوي والضعيف:
إذا كنت ممن ينتصف للضعيف من القوي، فهنا تقواك تتحدث عن نفسها وتظهر.
تقواك تجعل الآخرين يحسبون لك حسابًا:
الضعفاء يجدون فيك الأمل.
الأقوياء يجدون فيك مراقبًا يردعهم عن الظلم.
عدم الخلط بين الحلال والحرام:
إذا كنت تميز تمييزًا عمليًّا بين الحلال والحرام، فأنت من أهل التقوى.
التقي:
يفعل الحلال.
يمهد للآخرين طريق الحلال.
ينشر ثقافة الحلال.
يكون إيجابيًّا مع من يفعلون الحلال، وسلبيًّا تجاه من يفعلون الحرام.
أما من يخلط بين الحلال والحرام، ويرى في كل منهما كعكة يتذوق منها، فهذا ليس من أهل التقوى.
وتعسًا لمن كان شديدًا على أهل الحلال، ومتسامحًا ومنافقًا مع أهل الحرام.
إذا أردت أن تعرف إن كنت من أهل التقوى، فراجع نفسك في هذه الموازين:
كيف تميز بين المؤمن والفاسق؟
كيف تتعامل مع القوي والضعيف؟
كيف تفرق بين الحلال والحرام؟
هذه هي موازين التقوى، لمن أراد أن يعرف إن كان من أهل التقوى أم ليس بعد.
الشيخ مرتضى الباشا
إيمان شمس الدين
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطهراني
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشيخ عبد الجليل البن سعد: القيم والتقوى: ركائز الأمان والتمييز في بحور النفس والمجتمع
عبور لنهر هيراقليطس، أمسية لهادي رسول في الخبر
برنامج أسريّ بعنوان: (مودّة ورحمة) في جمعيّة تاروت الخيريّة
المشكلة الإنسانية، جديد الدكتور حسن العبندي
الأسرة الدافئة (2)
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (2)
حبيبة الحبيب
السيدةُ الزهراءُ: دُرّةَ تاجِ الجَلال
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (1)
نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته