مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

عيد الغدير عيد العلم والمعرفة

اليوم هو يوم عيد الغدير؛ وهو عيد أسنى من نور الشمس. وقد ورد عندنا في الروايات بأنّه يفوق عيدي الفطر والأضحى فضلاً. فمن تصدّق في هذا اليوم بدرهم واحد كمن أنفق جبل أبي قبيس في سبيل الله.

 

والعبادة، الصلاة، الصوم في هذا اليوم أفضُل منها في سائر الأيّام من جميع الجهات؛ فالصوم في هذا اليوم يعدل صوم الدهر، وهذا أمر مسلّم، لماذا كان الأمر كذلك؟

 

لأنّه عيد الغدير... وماذا يعني عيد الغدير؟! إنّه يعني عيد المحبّة، عيد الولاية، عيد الصدق، عيد الصفاء، عيد اتصال العبد بالله، عيد لقاء الله، عيد الجذبات الربّانيّة، عيد الوصول، عيد الإيصال، عيد المعرفة، ذلك هو عيد الغدير إذن!

 

وفي شهر رمضان المبارك، أدّى الناس الصيام وقاموا بالعبادة؛ ولهذا يُستحبّ لهم عندما يحين آخر الشهر أن يشتغلوا بالعبادة في الليل إلى أن يحلّ الصباح، وأن يحتفلوا كذلك بالعيد في يوم عيد الفطر. لماذا كلّ ذلك؟

 

لأنّهم تقرّبوا إلى الله طيلة شهر واحد، فصاروا أكثر خفّة، ووضعوا عن كاهلهم عبء الذنوب، واشتغلوا بالعبادة، فمن الطبيعي أن يخفّف عنهم ذلك من الذنوب.. (الذي جَعلتَه لِلمُسلمينَ عيداً) .

 

عيد الأضحى هو كذلك عيد. فلأنّ الناس قد حجّوا، وقفوا بعرفات، وقفوا بالمشعر، ذبحوا الأضاحي وحلقوا الرؤوس، فمن اللازم عليهم أن يحتفلوا بالعيد.. بذلك العيد.

 

وأمّا عيد الغدير، فهو عيد مختلف تماماً؛ إذ أنّه ليس عيداً للعبادة والنسك والعمل، بل هو أعلى من ذلك؛ فكأنّ حقيقته أرقى وروحه أعلى، وإذا صنّفنا الأعياد وفق درجاتها، فإنّ عيد الغدير سيتقدّم عليها بدرجات وسيمتلك بالمقارنة إليها حظّاً وافراً.

 

هذا العيد هو عيد العلم؛ لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام [صاحب هذا اليوم] هو اسم الله الأعظم والتجلّي الأعظم للّه والمتحقّق بعوالم القدس والطهارة، وهو اسم الله الحميد وحامل لواء الحمد والشفاعة الكبرى يوم القيامة. فكلّ هذه الأمور هي صادرة عن مقام علم أمير المؤمنين، وكلّ الأشياء قد ترشّحت من ذلك العلم؛ ولذلك فإنّ هذا العيد هو عيد الولاية؛ أي عيد الاطّلاع على الحقيقة وعيد المعرفة.

 

وإذا حصل الإنسان على المعرفة، سيكون حجُّه صحيحاً، وصيامه لشهر رمضان صحيحاً. وإذا لم يحصل عليها، فلن تكون تلك الأمور صحيحة أيضاً؛ لأنّ الله تعالى الذي أوجب علينا هذه التكاليف لا حاجة له بصورتها، بل يُريد تلك الروح والحقيقة المتضمَّنة في ذلك الهيكل والتي لا تتحقّق إلاّ بالولاية.

 

ولهذا السبب، توجد لدينا أخبار صحيحة رواها كلّ من الشيعة والسنّة مفادها أنّه:

 

لو أنّ عبداً قام الليل طوال عمره ما بين الركن والمقام، وكان صائماً في النهار أيضاً، واستشهد في سبيل الله في نفس ذلك المكان، وكان عمره بنفس عمر آدم إلى يوم القيامة، لكنّه كان خالي الوفاض من ولايتنا، لم ينفعه ذلك شيئاً.

 

لماذا؟ لأنّ الولاية تعني حقيقة المعرفة. فإن لم يكن الإنسان مالكاً للمعرفة، فإنّ الحائط كبير جدّاً، وجبل أبي قبيس كذلك، وجبال الهيمالايا بدورها كبيرة جدّاً، كما أنّ في هذا العالم حيوانات أقوى منّا، أجسادها أضخم، قدرتها أعظم، عمرها أطول (حتى يقال أنّ النسر والغراب يعمّران ألف سنة)، تتمتّع بصحّة بدنيّة أفضل، تعيش براحة أكبر، ومع كلّ ذلك فهي لا تمتلك أدنى قيمة. فلماذا يمتلك الإنسان هذه القيمة والمنزلة؟ سبب ذلك هو معرفته بالطبع.

 

وعليه، فإنّ أفراد الإنسان يتوفّرون على درجات وأجر أعلى عند الله تعالى بحسب علوّ درجاتهم في المعرفة. فهذا العيد يعني عيد التعريف بالحقّ، لأنّ أمير المؤمنين استطاع أن يُعرّف الناس على الله والرسول والقرآن. [وهناك] رواية صحيحة... ينقلها كلّ من الشيعة والسنّة وكذلك السيّد المرتضى، وهي تتضمّن أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم قال ما مفاده:

 

يا علي! أنت الذي تُسمع صوتي للعالمين وتوصل ندائي إلى أسماعم وأفئدتهم، وتُنجز عداتي، وأنت الذي يُمكنه أن يُؤدّي عنّي دَيني ويُبلّغ رسالتي! ما معنى هذا؟ يعني أنّه إذا لم تكن أنت، فأنا أيضاً لست بشيء! فحينما جئتُ ووضعت الحجر الأساس للنبوّة وهداية الناس، فإنّ ذلك سيظلّ عقيماً لو لم تكن أنت؛ ولهذا فإنّ وجودك ضروريّ من أجل إيصاله وتبليغه.

 

وعليه، لا مجال للتردّد عند الشيعة والسنّة في هذه الرواية التي قال فيها الرسول: أنا قاتلت الناس على تنزيل القرآن، وأنت يا عليّ تقاتلهم على تأويله! أي أنّك أنت المكلّف بتبليغ حقيقة القرآن، تفسير القرآن، معنى القرآن، مآل ومرجع الآيات القرآنيّة..

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد