علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

علماء الأعصاب يكتشفون دور السيروتونين في المرونة النفسية

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

 

تصرف بسيط متمثل في مراقبة الآخرين وهم يتعرضون إلى تجربة مؤلمة قد يزيد من قدرتنا على المرونة النفسية [قدرة الفرد على التأقلم مع مصاعب الحياة في ظل ظروف اجتماعية صعبة (1)] ويمنع الحالات المرضية التي يمكن أن تنجم عنها، ولا سيما الاكتئاب. لقد أثبت علماء الأعصاب في جامعة لوزان UNIL وجود هذه "العدوى العاطفية [شكل من أشكال العدوى الاجتماعية التي تنطوي على الانتشار التلقائي للعواطف والسلوكيات ذات الصلة. (2)]" في الفئران، ونجحوا في فك رموز آليتها.

تبين أن الناقل العصبي السيروتونين، الذي يفرز في بنية دماغية تسمى بالعنان [بنية دماغية تشبه لجام الفرس] (3)، وهي بنية مهمة للمرونة النفسية. يعيد هذا الاكتشاف، الذي نُشر في مجلة العلوم (4) Science، النظر في دور السيروتونين ويفتح آفاقًا جديدة، لا سيما في فهم الاكتئاب وعلاجه.

 

لدى البشر قدرة على التعايش مع التجارب المنفّرة (المؤلمة) والاستمرار في العيش حياة طبيعية. تُعرف هذه القدرة بالمرونة النفسية (1) بيد أن بعض الناس أكثر حساسية في سرعة التأثر سلبًا بالأحداث الصادمة نفسيًّا. هؤلاء يفقدون الحافزية والدافع، وهي من السّمات المميزة للاكتئاب.

تعزيز المرونة لدى هؤلاء الناس القابلين للتأثر سريعًا بالأحداث الصادمة نفسيًّا، يمكن أن يقاوم قابليتهم لهذا لتأثر السريع، ويكون بمثابة ممارسة وقائية ضد إمكانية ظهور حالة مرضيّة. ولكن لا يزال هناك الكثير من المجاهيل عن المرونة النفسية، بحيث لا يمكن استخدامها كممارسة وقائيّة.

"هناك نقص في الأدوات والوسائل السريريّة أو الآليات الأساسية لتعزيز هذا النوع من الإشراط [نوع من التعلم الترابطي (5)] القادر على تدعيم المرونة النفسية كما هو الحال لدى الأشخاص الأصحاء". كما قال مانويل ماميلي Manuel Mameli، الأستاذ المشارك في قسم علوم الأعصاب الأساسية في كلية البيولوجيا والطب بجامعة لوزان (UNIL). ولتحقيق ذلك، نحتاج إلى فهم وظيفة الدماغ وراء الشدائد - وهي المصاعب التي نجح فريق ماميلي في مواجهتها.

 

المراقبة للحفاظ على الصحة البدنية والعاطفية (6)

لاستكشاف آليات الدماغ الأساسية، صمم باحثو علم الأعصاب في جامعة لوزان أولاً نموذجًا تجريبيًّا قادرًا على تعزيز المرونة وقياس تبعاتها على ظهور الأعراض المرضية (مثل الاكتئاب أو الانسحاب الاجتماعي أو العدوانية ضد الغير (7)] بعد الصدمة.

يوضح ماميلي: "لقد بدأنا من الحقيقة المعترف بها، وهي أن مجرد مراقبة التجارب العاطفية لآخرين، يساعدنا على التعلم منها. هذه الظاهرة تعرف باسم العدوى العاطفية، وهي تستخدم المرونة النفسية كوسيلة".

 

ولتحقيق ذلك، وضع فأر "مراقِب" بالقرب من فأر يتعرض لصدمات كهربائية بسيطة في مخلبه. هذه المهمة البسيطة حمت غالبية الفئران المراقِبة من الإصابة بحالات الاكتئاب المرضية عندما تعرضت لاحقًا لهذه التجربة المؤلمة.

ولم يكن هذا هو الحال بالنسبة للفئران التي لم تشهد تجارب مؤلمة تعرض لها رفاقها. وخلص الباحثون إلى أن العمل البسيط المتمثل في مراقبة آخرين يتعرضون إلى تجربة مؤلمة يزيد من قدرة الفرد المراقِب على المرونة النفسية ويساعده على الوقاية من التبعات المرضية المحتملة.

 

السيروتونين، هرمون المرونة النفسية

وبعد اكتشاف هذا المبدأ السلوكي، نجح باحثو علم الأعصاب في تحديد آلية الدماغ التي تتواسط هذا المبدأ. ركزوا على منطقة العنان، وهو بنيوية دماغية صغيرة تقع في مركز الدماغ، معروفة بمشاركتها في المعالجة العاطفية والحسية [قدرة الدماغ على إدراك وتفسير وتنظيم المثيرات الحسية (من الحواس الخمس) وترجمتها برد فعل ظاهري أو غير ظاهري] وتنظيم النواقل العصبية المرتبطة بالاكتئاب، لا سيما السيروتونين منها.

ولتحقيق ذلك، قام الباحثون بتطوير أدوات تصوير بخاصة لتتبع جزيء السيروتونين هذا في الفئران.

ويضيف ماميلي: "من الصعب جدًّا قياس تباين مستويات السيروتونين في الدماغ. وبفضل جهاز الاستشعار البيولوجي الذي طوره يولونغ لي Yulong Li المؤلف المشارك للدراسة من جامعة بكين، تمكنّا من التعرف على الآلية الرئيسة".

كشفت التسجيلات التي تم إجراؤها خلال التجارب السلوكية، أن العدوى العاطفية تزامنت مع تغير دائم في عمل الخلايا العصبية في العنان، إلى جانب زيادة في إفراز السيروتونين في هذه المنطقة.

 

وبشكل أكثر تحديدًا، وفقًا لسارة موندولوني Sarah Mondoloni، زميل ما بعد الدكتوراه في مختبر ماميلي بجامعة لوزان والباحث الأول في الدراسة، "إن ديناميكيات السيروتونين هي التي تتغير خلال هذه المهمة، وهذه هي النتيجة الرئيسة لدراستنا".

وبتغيير ديناميكيات مستويات السيروتونين بشكل اصطناعي، تمكّن فريق البحث من إثبات أن عدم زيادة مستوى الهرمون لا يضعف تغير نشاط الخلايا العصبية طويل الأمد في العنان فحسب، بل يضعف أيضًا قدرة الفئران على تعزيز المرونة النفسية بعد مواجهة الأحداث المؤلمة.

 

استكشاف آليات الاكتئاب مرة أخرى

القاسم المشترك بين آلية المرونة بعد الشدائد المكتشفة في هذه الدراسة وآلية الاكتئاب هو السيروتونين. الكثير من مضادات الاكتئاب تستهدف السيروتونين لزيادة تركيزه في الدماغ. هنا، يوضح باحثو علم الأعصاب أن الزيادة الموضعية العابرة للهرمون في منطقة العنان يمكن أن تمنع ظهور سلوك اللامبالاة (8) بعد التعرض لحدث مؤلم نفسيًّا.

 

"خاصية نظام إفراز هرمون السيروتونين هذه تعدّ معلومات مثيرة لباحثي علم الأعصاب. لكن اكتشافنا يمكن أن يمهد الطريق أيضًا لتطبيقات علاجية جديدة متعلقة بالاكتئاب، على سبيل المثال، باختبار منشطات السيروتونين الدوائية الموجودة، بما في ذلك العلاجات المخدرة (9) التي تحفز نظام إفراز السيروتونين ويمكن استخدامها، ويخلص ماميلي إلى أنه "يجب تحسينها لتحقيق أساليب علاجية أفضل".

ــــــــــــــــــــــــــ

1- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/مرونة_(علم_نفس)

2- https://ar.wikipedia.org/wiki/عدوى_المشاعر

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/عنان_(تشريح)

4- https://www.science.org/doi/10.1126/science.adp3897

5- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/إشراط_كلاسيكي

6- https://www.betterup.com/blog/self-preservation-skills

7- https://www.psychologytoday.com/us/blog/psychiatry-for-the-people/202011/7-core-pathological-personality-traits

8- https://ar.wikipedia.org/wiki/لا_مبالاة

9- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/علاج_مخدر

 

المصدر الرئيس

https://medicalxpress.com/news/2024-09-neuroscientists-uncover-serotonin-role-resilience.html?utm_source

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد