قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد مغنية
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد مغنية، ولد عام 1322ﻫ في قرية طير دبّا، إحدى قرى جبل عامل في لبنان، درس أوّلاً في مسقط رأسه ثمّ غادر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وحين عاد إلى وطنه، عُيّن قاضيًا شرعيًّا في بيروت، ثمّ مستشارًا للمحكمة الشرعيّة العليا، فرئيسًا لها بالوكالة. من مؤلّفاته: التفسير الكاشف، فقه الإمام الصادق(ع)، في ظلال نهج البلاغة، الفقه على المذاهب الخمسة، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، الإسلام والعقل، معالم الفلسفة الإسلامية، صفحات لوقت الفراغ، في ظلال الصحيفة السجادية، وسوى ذلك الكثير. تُوفّي في التاسع عشر من المحرّم 1400ﻫ في بيروت، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن في حجرة 17 بالصحن الحيدري.

وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ

وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ ولا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً ولا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ ولَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10) هذا هُدىً والَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ولِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ومَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) (الجاثية 7 – 15)

 

اللغة:

 

أفاك كثير الكذب. وأثيم كثير الإثم. ويطلق الرجز على معان، منها القذر والانحراف عن الحق إلى الباطل ومنها شدة العذاب وهذا المعنى هو المراد من الرجز في الآية، أي عذاب من النوع الشديد الأليم. وتطلق أيام اللَّه على أيام نعمته ونقمته.

 

الإعراب:

 

مستكبرًا حال من ضمير يصرّ. كأن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي كأنه.

 

وأليم بالرفع صفة لعذاب. وجميعًا حال مما في السماوات وما في الأرض. وضمير منه يعود على اللَّه سبحانه والمجرور متعلق بمحذوف صفة للجميع. ويغفروا مجزوم بجواب أمر محذوف أي قل لهم: اغفروا يغفروا. فلنفسه متعلق بمحذوف خبرًا لمبتدأ محذوف أي فنفع صلاحه عائد لنفسه. فعليها أيضًا خبر لمبتدأ محذوف أي فضرر إساءته عائد عليها.

 

المعنى:

 

(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً). بعد أن وضع سبحانه أمام العقل الدلائل الحسية المفيدة للجزم واليقين بوجوده تعالى، وقال: من لم يؤمن بها فلن يؤمن بأي دليل غيرها - بعد هذا هدد وتوعد من لا يتدبر هذه الدلائل، وينتفع بها، وأسماه بالأفاك الأثيم، وتوعده بالعذاب الأليم، ووصفه بمعاندة الحق وتجاهله تعاليًا وتعاظمًا، وأنه لم يكتف بذلك حتى سخر منه واستهزأ به... ولا فرق في يوم الحساب بين هذا الكافر الساخر من الحق وأهله، وبين من آمن به قولاً لا فعلاً، وبالنظر لا بالعمل، قال تعالى: «ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وهُمْ لا يَسْمَعُونَ» - (21 الأنفال) أي لا يقبلون ولا يعملون.

 

وقال الإمام علي (ع): البصير من سمع فتفكر، ونظر فأبصر، وانتفع بالعبر.

 

(أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ ولا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً ولا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ ولَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ). أولئك إشارة إلى كل أفاك أثيم، والمراد بما كسبوا، أموالهم وأولادهم وجاههم. وبما اتخذوا، أصنامهم وأوثانهم، والمعنى أن الذين استكبروا على الحق وسخروا منه مصيرهم إلى جهنم يصلونها وبئس المهاد، ولا ينجيهم من عذابها صنم ولا ولد ولا جاه ولا مال.

 

(هذا هُدىً). هذا إشارة إلى القرآن، وما من شك أنه هدى لمن ائتم به، وقوة لمن اعتمد عليه (والَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ). المراد بالآيات هنا الدلائل الكونية على وجود اللَّه وعظمته، والعذاب والرجز والأليم كلمات مترادفة أو متقاربة المعنى، والغرض من التكرار تأكيد العذاب اللائق بالأفاك الأثيم الذي يستعلي على الحق ويسخر منه.

 

(اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ولِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). إن فضل اللَّه تعالى في البر والبحر والجو، ومن نعمه تعالى في البحر اللحم والملح والأحجار الكريمة والمواصلات والنزهة والرياضة وغير ذلك...

 

(وسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). في هذا العالم الواسع منافع وطاقات لا يبلغها الإحصاء، وبالرغم من تقدم العلم في عصرنا فإن ما خفي عنه أكثر مما استبان له من تلك الطاقات، ولكن اللَّه سبحانه زود الإنسان بالاستعداد التام لاكتشاف كل ما في الكون من قوى وإمكانات والاستفادة بها لو اتجه اتجاهًا علميًّا إنسانيًّا، لا تجاريًّا، وبذل جهدًا أكثر وأطول... وتجدر الإشارة إلى أن كلمة «جَمِيعاً» تومئ إلى أن في الإنسان من المؤهلات ما يستطيع معها الوصول إلى القمر وغيره من الكواكب.

 

(قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ). المراد بأيام اللَّه هنا أيام نقمته وعذابه، والذين لا يرجونها هم مشركو العرب. وقد أمر سبحانه نبيه الكريم أن يدعو المؤمنين إلى الصفح عمن أساء إليهم، ويدفعوه بالتي هي أحسن، واللَّه سبحانه يتولى حساب المسيء وجزاءه (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ومَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ). المعنى واضح.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد