قرآنيات

سورة المسد


السيد موسى الصدر ..
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ / مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ / سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ / وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ / فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾ صدق الله العلي العظيم.
إنّ هذه السورة المباركة التي تذكر نفياً لرجل اسمه "أبو لهب"، أو كنيته "أبو لهب"، واسمه "عبد العزّى". هذا الإنسان الذي هو قريب من رسول الله يختص بالعتاب والتهجم في القرآن الكريم، لأنه منحرف، تأكيداً بأنّ العنصرية والقبلية والقرابة لا علاقة لها في الإسلام، فهو يرفض الكافر ولو كان عم النبي (عليه الصلاة والسلام).
والسورة نزلت في أبي لهب، وفي زوجته، التي يسميها القرآن الكريم بـ ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾، واسم هذه الإمرأة "أم جميل بنت صخر". وكانت تنقل أحاديث الرسول إلى الكفار، وتشوش بين الناس، وتقوم بالنميمة بينهم هنا وهناك. كما أنها كانت تضع الحطب والشوك في طريق رسول الله عندما كان يمر، والشوارع آنذاك كانت ضيقة، وكان الرسول يتعذب من ذلك.
وقد نزلت السورة بعد أن دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جميع أهله وأقربائه، بناء على الأمر الإلهي ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ (1)، دعاهم وبشّرهم بالإسلام، ودعاهم وقال لهم: "أرأيتكم إن أخبرتكم أنّ العدو مصبحكم وممسيكم، ما كنتم تصدقونني؟". قالوا: "بلى". قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". عند ذلك قال أبو لهب: "تباً لك، ألهذا دعوتنا جميعاً؟". فنزلت الآية: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾.
في تكنيته بأبي لهب تحقيراً له، وربطاً بينه وبين النار، انحراف أبي لهب يؤدي إلى إبعاده، وسوف لا يغني عنه ماله وما كسب، وما اكتسب من مجد وعلاقة وصلة مع جميع الناس، كل ذلك لا يحول دون أنه سيصلى بالنار ذات اللهب في دنياه وفي أخراه، كما نقول: العذاب عذابان: عذاب عاجل في الدنيا، وقد عُذّب بذلك وقُتل واحتُقر، وعذاب أخزى يوم القيامة.
أما امرأته "أم جميل" فقد سمّاها القرآن الكريم بـ ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾، وهذا شعار إعلامي رائع، عندما لفظ به رسول الله أصبحت الكلمة كنية لهذه المرأة، التي كانت تراها سيدة مجتمعها، ولكنها كانت تتصرف تصرف الصغار في سلوكها. قال الرسول عنها "حمالة الحطب"، فأصبح لها شعاراً. ثم يضيف القرآن الكريم أنه في ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾، كأنّ القرآن يرسمها في الآخرة عندما تحمل في جيدها حبلاً لنقل الحطب من مكان إلى مكان لتعذيب الرسول أو نقل الحطب للنار لإشعال الفتنة بين الناس، من أجل خلق الفتن بين المجتمع.
والواقع أنّ كل مَن ينمّ وكل مَن ينقل الفتنة وينقل المشكلة والأخبار بين الناس وبين الأخوة وبين أبناء المجتمع يسمى في مصطلح القرآن تابعاً لحمالة الحطب.
فكأنّ الإنسان الذي ينقل الحديث من مجلس إلى مجلس لأجل الفتنة كأنه ينقل وسائل الإشعال، أو كأنه يحمل الحطب على ظهر لسانه لافتتان الناس، ولإشعال النار بين الناس، وهكذا يرفض الرسول أفعال هذا الرجل وزوجته، ويدينهما لأجل إبعاد الأمة من متابعة سلوكهما، أبعدنا الله عنهما وعن سلوكهما، وجعلنا نتفق ونتمسك بالحق دون الالتزام بالقرابة والانجراف في الشهادة للمصلحة.

1- الشعراء:214.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد