السيد رياض الحكيم ..
1 - موقف القرآن من العلم.
دعا القرآن في كثير من الآيات إلى التزود بالعلم وأثنى على العلماء وذمّ الجهل والجاهلين، وهذا لاشك فيه لمن يلقي نظرةً - ولو سطحية - على الآيات القرآنية.
لكن يبقى هناك تساؤل عن طبيعة العلم أو العلوم التي دعا إليها القرآن ومدح أصحابها وأثنى عليهم، فهل حث القرآن على كل العلوم، المادية وغيرها أو كان نظر القرآن إلى خصوص بعض العلوم دون البعض الآخر؟
فبينما نجد بعض المفسرين والباحثين يحاولون إثبات دعوة القرآن إلى تعلّم كل العلوم النافعة، نرى آخرين يصرّون على أن نظر القرآن إلى خصوص العلوم الإنسانية وما يرتبط بسعادة الإنسان في الدار الآخرة، مثل العقائد والفقه والتربية ونحوها...
ولأجل أن يتضح الموقف القرآني من العلوم نقول: إنّ ملاحظة الآيات التي تتحدث عن العلم والجهل وما يحكي عنهما من المفردات تشهد أنّها تصب في اتّجاه استقامة الإنسان وهدايته ووعيه لطبيعة الحياة الدنيا، فهي لا تعدو هذه الأمور ونحوها مما يرتبط ارتباطاً مباشراً بالعلوم والمعارف الدينية والتربوية، دون العلوم المادية ونحوها مما يحتاجها الإنسان في حياته اليومية. فمن هذه الآيات قوله تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾(1).
﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾(2).
﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا * وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾(3).
وغيرها كثير من الآيات.. حيث نلاحظ أن هذه الآيات القرآنية الكريمة بعيدة عن إرادة العلوم المادية وما يشبهها مما هو ضمن اهتمام الإنسان ومرتبط بجهده واحتياجاته، وأمّا تفسير العلم في هذه الآيات بما يشمل كل العلوم النافعة فهو تفسير متكلّف فيه.
نعم يكمن اهتمام القرآن بمختلف العلوم النافعة من خلال ما يلي:
أ: اهتمام القرآن بعزة الإسلام والمسلمين، فتدخل ضمن هذه الزاوية كل العلوم التي تساهم في تقدم المجتمع واستقراره ورخائه الاقتصادي وكل ما يُنأى بالمسلمين عن الذل والدونية في مقابل الأُمم الأخرى.
ب: دعوة القرآن لإحياء الأرض، أو استثمارها - باعتبارها قد جُعلت وأبيحت للإنسان - والذي قد يفهم منه الكناية عن الحث على استكشاف أسرار وخزائن هذا الكون الذي يتوقف على نموّ العلوم المادية وتطورها. ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾(4).
ج: دعوة القرآن المسلمين للدفاع عن أنفسهم وعن دينهم والاستعداد التام لمواجهة خطط الأعداء وكيدهم.. فإنه يستبطن الدعوة للتزود بكل العلوم المساهمة في الوصول إلى هذه الحالة بكل جوانبها العسكرية والاقتصادية وغيرهما.. ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾(5).
2 - العلوم التي كان القرآن عاملاً في ظهورها.
هذه العلوم على صنفين.
الصنف الأول: هي العلوم التي تضمنها القرآن الكريم سواء تلك التي كان هو مصدرها الأساس أم التي ساهم القرآن الكريم في تطويرها، مثل مباحث التوحيد والنبوة والمعاد والفقه والتربية الإسلامية والأخلاق ونحوها.
الصنف الثاني: العلوم التي ساهم القرآن في تطوّرها واستمرارها من دون أن يتضمنها، مثل علوم النحو والبلاغة واللغة وفقه اللغة، حيث عكف المسلمون على دراسة اللغة العربية وأسرارها وأحكامها ليحافظوا على القرآن الكريم ويفهموا معانيه، فكان للقرآن الفضل في نشوء هذه العلوم وتطوّرها واهتمام المسلمين بها.
بالإضافة إلى دوره في حفظ اللغة العربية من الذوبان والتهجين.
3 - العلوم الخاصة بالقرآن والباحثة عنه
وهي مجموعة علوم القرآن التي ندرسها تحت عنوان "علوم القرآن" مثل مباحث علم التفسير، ونزول الآيات، والوحي، وإعجاز القرآن، وغيرها من العلوم الباحثة عن القرآن الكريم نفسه، وخصائصه.
4 - العلوم الضرورية لفهم القرآن الكريم
يحتاج الدارس للقرآن الكريم - بالإضافة لفهم اللغة العربية والإحاطة بها - إلى مجموعة من العلوم التي تساهم في فهم الكتاب العزيز، وهي..
أ) علوم العربية المختلفة، مثل علم اللغة وفقه اللغة، وعلوم النحو والصرف والبلاغة.
ب) العلوم العقلية المختلفة مثل المنطق والعقائد وبعض البحوث الفلسفية وغيرها.
ج) مجموعة علوم القرآن مثل نزول الآيات وتاريخه ليمكنه تفسير آية بأخرى، وتمييز المدني من المكي مثلاً وأسباب النزول وغير ذلك.
د) التزود بالعلوم التي تتحدث عنها بعض الآيات مباشرة مثل الفقه والعقائد وقصص الأنبياء وبعض أحداث التاريخ الإسلامي وغيرها.
هـ) علما الدراية والرجال، لتمييز النصوص التفسيرية الصحيحة عن غيرها، وتقديم المتعارضات ونحو ذلك.
هذا إذا كان هدف المفسّر التفسير المحيط والجامع لكل القرآن، أمّا إذا اقتصر على جوانب معيّنة منه أو آيات أو سور خاصّة منه فقد لا يحتاج إلى بعض هذه العلوم المتقدمة. ويختلف ذلك بحسب طبيعة الجانب الذي يتناوله المفسّر ومتطلباته.
ونضيف - إلى جانب التزودّ بالعلوم المتقدمة - شرطين رئيسيين يفترض توفرهما في المفسّر للقرآن الكريم وهما:
الأول: أن يعي المفسّر تعاليم الإسلام من مصادرها الأصلية ولا يبتعد عن الذهنية الاسلامية الأصيلة، إذ لا يمكن التفكيك بين فهم الإسلام وفهم كتابه. ومن هنا نعرف عاملاً رئيسياً في أخطاء المستشرقين وغيرهم البعيدين عن فهم روح الإسلام الأصيل عند دراستهم وتفسيرهم للقرآن الكريم.
الثاني: أن يكون المفسّر مسترشداً بالقرآن الكريم وتابعاً له من دون أن يجعل من نفسه متبوعاً وموجّها للنص القرآني، فيجتنب تفسيره على ضوء قناعته المسبقة وتوجهاته الذاتية البعيدة عن القرآن وباقيَ المصادر الإسلامية التي يفسّر بعضها البعض الآخر، ولذا نلاحظ أخطاء فظيعة وقع فيها أصحاب العقائد والنظريات المنحرفة والباطلة عندما صاروا يحمّلون القرآن أفكارهم الخاطئة محاولةً منهم في تفسير آياته بما ينسجم معها.
1- سورة الجمعة: 2.
2- سورة النحل: 27.
3- سورة طه: 114 - 115.
4- سورة الملك: 15.
5- سورة الأنفال: 60.
الشيخ مرتضى الباشا
إيمان شمس الدين
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطهراني
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشيخ عبد الجليل البن سعد: الانتماء الصادق
الشيخ عبد الجليل البن سعد: القيم والتقوى: ركائز الأمان والتمييز في بحور النفس والمجتمع
عبور لنهر هيراقليطس، أمسية لهادي رسول في الخبر
برنامج أسريّ بعنوان: (مودّة ورحمة) في جمعيّة تاروت الخيريّة
المشكلة الإنسانية، جديد الدكتور حسن العبندي
الأسرة الدافئة (2)
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (2)
حبيبة الحبيب
السيدةُ الزهراءُ: دُرّةَ تاجِ الجَلال
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (1)