الشهيد مرتضى مطهري ..
* شروع الأعمال بـ«اسم الله»
الكلّ يعلم أنّ الآية محلّ البحث متركّبة كلّها من جار ومجرور، وهي ليست جملة تامّة، وقد حُذف متعلّق الجار والمجرور، فيما اختلفت آراء المُفسَّرين حول هذا المتعلَّق المحذوف، فمنهم من يقول «أستعين»، وآخر يقول «أبتدئ»، وثالث يقول «أُسمِّي»، ويبدو أنّ الاحتمال الأخير أقوى من بينهما.
ثمّة دوافع وغايات مختلفة تقف وراء التسمية، فهنالك من يُطلِق على مؤسّسة اسمَ شخصٍ ما راجياً بلوغ هدف مادي، أو مِن الناس مَن يُطلق على الوليد اسم شخص محبوب قد توفّي سابقاً -وهذا مُتعارَف عليه كثيراً- قاصداً من ذلك إحياء اسم الشخص وتخليدَهُ.
بيد أنّ الإنسان أُمِر أن يُزيَّن أعماله باسم الله تعالى أيّاً كانت الدوافع، كي يُضفي عليها صبغة القداسة والعبوديّة والتبرُّك باسمه تعالى، فالإنسان بما منحه الله من فِطرة، وبإيمانه أنّ الحق جلّ وعلا هو القُدّوس وهو مصدر الخيرات، فإنّه عندما يُزيَّن عمله باسم الله فذلك يعني أنّ هذا العمل يحظى بالقداسة والشرف والكرامة في ظلّ هذا الاسم.
وبما أنّ الابتداء باسمٍ ما يعني الإقرار بقُدسيّة ونزاهة صاحب الاسم من العيوب والاعتراف به مصدراً للكمالات، ومن يفعل ذلك إنّما يريد إضفاء البركة على عملِه من خلال الانتساب الى ذلك الاسم، من هنا لا ينبغي التسمية باسم أيّ كان حين الشروع بأيّ عمل حتّى لو كان اسم النبيّ، وهذا مغزى ما ورد من الأمر بتسبيح اسم الله تعالى في مطلع سورة الأعلى.
وتكرّرَ التّعبير بـ «يُسبَّح الله» أو «سَبَّح الله» أو «سُبحان الله» في القرآن، بيد أنّ التسبيح باسم الله ورَدَ مرَّة واحِدة فقط وذلك في سورة الأعلى حيثُ يقول تعالى: ﴿سبَّح اسم ربَّكَ الأعلى﴾، ويبدو أنّ أفضل رأي جاء بهذا الشأن هو رأي صاحب تفسير الميزان إذ يقول:
«هو أمَر بتوحيده تعالى على ما يليق بساحته المُقدّسَة، وتنزيه ذاته المتعالية، من أن يُذكر مع اسمه اسمٌ غيرُه، أو يُسند إلى غيره ما يجب أن يُسند إليه كالخَلق والتدبير والرّزق».
راجَ مؤخَّراً، بين طائفة ممّن يدّعون مقارعة الشرك، فِعلٌ هو في ذاته مَظهَر من مظاهر الشرك، فبدلاً من الشروع في نشاطاتهم وتسميتها باسم الله، فإنّهم يسمّونها باسم الشعب! فإذا كان الإتيان باسم النبيّ إلى جانب الله تعالى يُعدّ شركاً، فالابتداء باسم الشعب هو اختلاق نِدٍّ لله عزّ وجلّ. والحال أنّ القرآن الكريم يأمرنا أن نُسبَّح اسم الله تعالى، وأن تنطلِق أعمال الإنسان باسم الله لا باسم غيره، ومن خلال ذلك تنال أعمالنا القداسة وتحظى بالبركة في ظلّه.
* معنى لفظ الجلالة الله
هو أحد أسماء الله الحسنى. في بعض الأحيان تكون التسميات المُختارة للأشخاص أو الأشياء عبارة عن علامة لها، فيما تكون وصفاً في البعض الآخر. وفي الأولى، بالرغم من أنّ الأسماء لها معانٍ، إلّا أنّ الاهتمام لا ينصبّ على المعاني، بل تكون التسمية من أجل تحديد الهويّة وتشخيصها. من هنا، لا تتعدّى التسمية كونها علامة لا غير، ناهيك عن عدم مطابقة الاسم في هذه الموارد لمواصفات المُسمّى، بل ربّما يناقضها، أمّا في الثانية فالتسمية تُعبَّر عن شأنٍ من شؤون المُسمّى، وصفة من صِفاته.
وليس هناك اسم من أسماء الله تعالى يحمل صبغة العلامة، وإنّما جميع أسمائِه تُفصِح عن حقيقة من حقائق الذات الإلهيّة المُقدّسة، وقد ورد في القرآن ما يُناهِز المائة من أسماء الله تعالى تمثَّل في حقيقتها مائة صفة من صفاته، منها ما يُلاحَظ في هذه السورة [الفاتحة] من أسماء: الرحمان، الرحيم، مالك يوم الدين، إلّا أنّ أيّاً منها لا يتمتّع بالشموليّة التي حازها هذا الاسم: «الله» ،لأنّ كلّاً منها يُجَسَّد واحداً من كمالاته جلّ وعلا. غير أنّ هذا الاسم يصوَّر لنا الذات الجامعة لكلّ الصفات الكماليّة.
و«الله» في الأصل «الإله» وحُذِفت الهمزة لكثرة الاستعمال، وهنالك عدّة آراء حول الأصل اللُّغَوي لكلمة «الله»، فبعضٌ يقول إنّها جاءت من «أِلهَ»، وآخر يقول أنّها مأخوذة من «وَلِهَ».
و«إله» على وزن فِعَال، وهو من المفعوليّة كما في كتاب أيّ مكتوب، فإن اشتُقّت من «أَلِه» فإنّها تعني (عُبِدَ)، وهذا يفيد أنّ كلمة الله تعني الذات الجديرة بالعبادة والكاملة من جميع الجوانب، غير أنّ المخلوق من قِبَل غيره أو الناقص لا يستحقّ العبادة، إذن يصحّ ما قيل أنّ «الإله» تعني الذات التي يجب أن تُعبَد. وهذه الكلمة -الله- تنطوي على معاني الذات الجامعة للصفات الكماليّة كافّة والمُنَزّهة عن النقص.
وإذا كانت مُشتقّة من «وَلِه»، فإنّ الوله يعني الحيرة، والواله تعني الحيران، وهي تعني العاشق، من هنا قيل أنّ العقول تُصاب بالذهول إزاء الذات الإلهيّة المقدّسة، أو أنّها تنجذِب إليها وتعشقها وتلوذ بها، ويعتبر «سيبويه» -وهو من أئِمّة علماء النّحو في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث، ومصنَّفه (الكتاب) في مجال النّحو يُعَدّ مُنافساً لكتاب (المنطق) لأرِسطو، وكتاب (محيطي) في علم الهيئة لبطليموس، وكلامه في اللّغة يُعدّ سنداً- يعتبر أنّ أصل كلمة «الله» هو «ولِه»، وتعني العشق أو الذهول أمام العِظم.
وفي إحدى قصائده يذكّر الشاعر مولوي بسيطرة حالة اللاشعور على الإنسان وحيرته إذا شعر بألمٍ ما، فيتّجه نحو الله تعالى، شأنه في ذلك شأن جميع المخلوقات والموجودات.
وثمّة احتمال قويّ يقول إنّ لكلمتَي «أَلِه» و«وَلِه» أصلاً لغويّاً واحداً، أي أنّها كانت في البداية «وَلِه»، ثمّ استُعمِلت بصيغة «أَلِه»، ولمّا درج استعمالها بهذه الصيغة، اكتسبت صفة العبادة. بناءً على ذلك، فإنّ معنى «الله» يكون: تلك الذات التي ذُهِل الناس جميعهم وَلَهاً إزاءها، وهي الحقيقة الوحيدة التي تستحقّ العبادة.
وبوسعنا القول بعدم وجود ما يرادف كلمة «الله» ويحلّ محلّها في اللغة الفارسيّة، وليس هنالك ما يفيد معناها تماماً، لذا فإن استبدلناها بكلمة «خُدا» لا يؤدّي المعنى المطلوب فهي مخفّفة «خودآي»، وهي تفيد ما يعبّر عنه الفلاسفة بـ «واجب الوجود»، أو أنّها أقرب ما تكون إلى «غنيّ» الواردة في القرآن منها إلى «الله». وإذا استُخدمت كلمة «خداوند»، فإنّها لن تكون كافية لأنّها تعني «صاحب»، ورغم أنّ «خداوند» تُستخدم لترجمة كلمة «الله» إلّا أنّها لا ترادفها، فـ«خداوند» تفيد شأناً من شؤون الله تعالى.
* الرحمان الرحيم
ولا يمكننا العثور أيضاً في اللغة الفارسيّة على ما يُعدّ ترجمة حرفيّة لهاتيْن الكلِمتين، والترجمة المُتوفّرة حاليّاً لا تفي بالمعنى الصحيح، إذ أنّ كلمة «بَخْشَنْدِه وهي ترجمة كلمة الرحمان» تعني الجواد، و«مهربان وهي ترجمة كلمة الرحيم» تعني الرّؤوف، وكلاهما من صفات الله المذكورة في القرآن الكريم. كلمتا الرحمان والرحيم مشتقّتان من الرحمة، وفي الرّحمة ثمّة معنى إضافي [على الجود والرأفة] يأتي توضيحه.
وحينما رأى المتأخِّرون من المترجمين عدم وجود كلمات تفي بالمعنى المنشود للبسملة، اكتفوا بترجمتها على النّحو التالي: «به نام الله رحمن رحيم» [به نام= بسم].
معنى الرحمان الرحيم
لا بُدَّ أوّلاً من بيان أنّ المفردات العربيّة التي تأتي على وزن (فَعْلان) تُفيد الكثرة مثل عطشان، وما كان منها على وزن (فَعْيل) -وهذا ما يُطلَق عليه الصفة المُشبّهة بالفعل- تُفيد الثبات والدوام.
فالرحمان على وزن فعلان، تدلُّ على الكثرة والسعة وأنّ رحمة الله تعالى وسِعَت كلُّ شيء وعمَّت جميع الآفاق، وبالأساس فإنّ وجود الشيء بحدّ ذاته هو رحمة، لأنّ الوجود هو الرّحمة بعينها، كما ورد في الآية 156 من سورة الأعراف: ﴿..ورحمتي وسعت كلّ شيء..﴾، وفي دعاء كُمَيل: «وبرحمتك التي وسعت كلّ شيء».
ولا استثناء في هذا الصنف من الرحمة، فهي لا تختصّ بطائفة من الناس من دون غيرها، أو أنّها تشملُ المؤمنين فقط، بل إنّ المعمورة بأكملها مشمولة برحمة الله. أو بتعبير آخر، كلّ ما في الكون هو عبارة عن رحمة الله.
الدرس الذي بوسعنا أن نستلهمه من «البسملة»، هو أنّ ما يصل الكونَ من الله تعالى لا يكون على وجهين: خير وشرّ، بل كلُّه خير، وهذه الرحمة تشمل الجماد والنبات والحيوان والإنسان على اختلاف مشاربه، لأنّ فاتحة الوجود مقرونة برحمة الله.
أمّا الرحيم -على وزن فعيل- فإنّها تدلُّ على الرحمة الدائمة واللاّمتناهية، وإذ تقدَّم القول أنّ الرحمان تعني الرحمة الواسعة والشاملة لجميع المخلوقات، وهناك مخلوقات في هذا العالم تفنى وترحل عنه إلى عالم الخلود، فإنّ الرحيم تفيد نوعاً من الرحمة الخالدة، ولذا فإنّها تختصّ بأولئك العباد الذين أجهدوا أنفُسَهُم لسلوك الطريق نحو الرحمة الإلهيّة الخاصّة عن طريق العمل الصالح والإيمان.
إذاً، لله تعالى رحمتان: عامّة وخاصّة، وبرحمته العامّة خلق جميع الكائنات ومنها الإنسان، وهو الوحيد من بينها يتميّز بالتكليف ويُمسك بزمام مصيره بيده، فإنْ أدّى ما عليه من مسؤوليّات وواجبات سيحظى حينها بالرحمة الإلهيّة الخاصّة. فـ«الرحمان» إشارة إلى تلك الرحمة الواسعة التي بَسطت أجنحتها على الجميع دون تمييز، فشملت المؤمن والكافر وحتى المخلوقات الأُخرى من جمادات ونباتات وحيوانات، و«الرحيم» إشارة إلى الرحمة الخاصّة التي تختصُّ بالمُطيعين والصالحين.
السيد عبد الأعلى السبزواري
السيد عباس نور الدين
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ علي رضا بناهيان
الفيض الكاشاني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد جواد مغنية
عدنان الحاجي
الشيخ مرتضى الباشا
إيمان شمس الدين
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
البسملة
لماذا لا يقبل الله الأعمال إلا بالولاية؟
أشدّ النّاس خسرانًا
كن أنت!
زكي السالم: كيف تصبح من ملاقيف الفعاليات في دقيقتين؟
قوم يحبهم الله ويحبونه
السبب في اشتمال القرآن على المتشابه
الإسلام حرب على الظلم والفساد
نادي (صوت المجاز) يحتفي بسنويّته الأولى
التصاق كهربائي بين معادن صلبة وخضار وفواكه ولحوم