الشيخ محمد صنقور ..
لماذا استشكل بعض الفقهاء بما يسمى بالتفاؤل بالقرآن, وهل توجد طريقة تسمى (بالاستفتاح) بالقران؟
النهي عن التفأّل بالقرآن:
المنشأ هو ما ورد في كتاب الكافي للكليني عن الإمام الصادق (ع) قال (لا تتفأل بالقرآن)(1).
معنى التفأل المنهي عنه:
والمراد من النهي عن التفأل بالقرآن كما أفاد العلماء رضوان الله عليهم هو استشراف الغيب بواسطة الملاحظة لآيات القرآن، بأن يفتح أحدهم القرآن فيستنبط منه أنَّ زيدًا المريض سوف يُشفى من مرضه أو أنه سيموت أو أنَّ غائبًا سيعود من سفره أو أنَّ من سرق الدار كان طويلاً أو أنَّ السارق لها صبي أو امرأة أو يستنبط منه أنَّه سوف يربح في تجارته أو أنَّ رزقًا واسعًا سوف يجنيه أو أن شرًا عظيمًا سوف يقع عليه أو أنه سُيكفي غائلته وهكذا.
فالتفأل بالقرآن يعني استخبار آيات القرآن للوقوف على المغيَّبات سواءً ما وقع منها أو ما سيقع في مستقبل الزمان، وهذا المعنى هو المنهي عنه ظاهرًا من الرواية الواردة عن الإمام الصادق (ع).
وثمة احتمال آخر لمعنى الرواية أفاده العلامة المجلسي صاحب البحار(2) حاصله أنَّ المراد من النهي عن التفأل بالقرآن هو اتخاذ آيات القرآن وسيلة للتفاؤل أو التطيُّر والتشاؤم، وذلك بأنْ إذا سمع أو قرأ آيةً من القرآن اتفاقًا وكان فيها وعد بخير استبشر وحدَّث نفسه بأن خيرًا سوف يناله، وإذا سمع أو قرأ آيةً من القرآن اتفاقًا وكان فيها وعيد أو ذكْرٌ لبعض أسماء الظالمين كفرعون وقارون أو ذكرٌ لأسماء بعض الحيوانات كالحمار أو الكلب تشاءم وتتطيَّر وحدَّث نفسه أنَّ شرًا سوف يناله.
كما كان يفعل العرب فهم مثلاً إذا اتفق لأحدهم أن صادف في أول النهار غرابًا تشاءم وإذا صادف المريض رجلاً وكان اسمه سالمًا تفاءل به وحدَّث نفسه أنه سوف يُشفى من مرضه.
وكذلك إذا صادف أحدهم رجلاً قبيح المنظر أو صادف رجلاً حسن الوجه.
فالنهي عن التفأل بالقرآن بناءً على هذا الاحتمال معناه النهي عن اتخاذ آيات القرآن وسيلة لاستشعار السعد أو النحوسة.
ولا يبعد أنَّ كلا المعنيين مراد من النهي الوارد عن الإمام الصادق (ع).
ولعل منشأ النهي عن التفأل بالقرآن الكريم هو أنَّ ذلك قد يُفضي إلى سوء الظن بالقرآن الكريم، إذ أنَّ المُستنبِط للمغيَّبات من آياته أو المتفائل بالخير من سماع آيةٍ من آياته لو وقع خلاف من استنبطه أو تفاءل به فإنَّه قد يتهم القرآن فيهلك لذلك، فالتفأل بالخير بالمعنى الثاني وهو الاستبشار وتحديث النفس بالصالح من الأمور وإنْ كان مباحًا في نفسه إلا أنَّه ينبغي أن لا يكون بالقرآن حتى لا يكون القرآن في معرض الاتهام وإساءة الظن، وأما المعنى الأول فهو من الرجم بالغيب.
الفرق بين التفأّل والاستخارة:
والتفأل مختلف عن الاستخارة، وذلك لأنَّ الاستخارة ليس شيئًا آخر غير الدعاء بطلب الخير والتوفيق لما فيه الصلاح، وهي لا تقع إلا على الأمور المباحة بأن يتخيَّر الإنسان أحد فعلين مباحين أو أكثر فيسأل الله تعالى أن يوفِّقه لاختيار أصلحهما إليه، فقد يستجيب الله دعاءه، وقد تقتضي حكمته أن لا يجيب دعاءه، وإذا استجاب لدعائه فوفَّقه لاختيار ما فيه صلاحه فإنَّه ليس من الضروري أن يكون صلاحه فيما يرغب فقد يوفِّقه لاختيار أمرٍ عاقبته غير مرغوبة للإنسان ولكن صلاحه يكون في ذلك الأمر.
فحينما يقع الإنسان في غير ما يرغب وكان ذلك نتيجة اختياره لما وقعت عليه الخيرة فإنَّه ينبغي أن لا يُسيء الظن بربِّه فلعلَّ صلاحه كان فيما وقع عليه من الأمر غير المرغوب أو لعلَّ ذلك نشأ عن عدم استجابةِ اللهِ تعالى لدعائه.
والمتحصَّل أنَّ المنهيَّ عنه هو التفأل بالقرآن بالمعنى الذي ذكرناه، وأما الاستخارة فهي غير مشمولة ظاهرًا للنهي الوارد عن الإمام الصادق (ع).
لا دليل على رجحان التفأّل:
هذا وقد أورد السيد ابن طاووس في كتابه فتح الأبواب ما قد يُتوهم منه رجحان التفأل بالقرآن، فقد نقل عن الخطيب المستغفري أنَّه إذا أردت أن تتفأل بالقرآن فاقرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات ثم صلِّ على النبي (ص) ثلاثًا ثم قل (اللهم إنِّي تفألتُ بكتابك وتوكلتُ عليك فأرني من كتابك ما هو المكتوم من سرِّك المكنون في غيبك ثم افتح الكتاب وخذ الفال من الخط الأول في الجانب الأول. ثم أفاد أنَّ ذلك وارد عن النبي (ص)(3).
إلا أنَّ هذا الذي نقله السيد ابن طاووس رحمه الله مضافًا إلى ضعفه السندي فإنَّه غير مذكور في شيء من أصولنا الروائية أو الفقهية على أنَّ من الممكن حمله على إرادة الاستخارة، فلا ظهور له في إرادة التفأل بالقرآن بالمعنى الذي ذكرناه.
____________________________________
1- الكافي- الشيخ الكليني- ج2 ص629، وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج6 ص233 باب 38 من أبواب قراءة القرآن ح1.
2- بحار الأنوار-العلامة المجلسي- ج88 ص244.
3- فتح الأبواب- السيد ابن طاووس- ص156.
الشيخ محمد جواد مغنية
محمود حيدر
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
السيد عبد الأعلى السبزواري
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ علي رضا بناهيان
الفيض الكاشاني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
ماهية الميتايزيقا البَعدية وهويتها*
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (1)
انتظار المخلّص بين الحقيقة والخرافة
تلازم بين المشروبات المحلّاة صناعيًّا أو بالسّكّر وبين خطر الإصابة بمرض الكلى المزمن
أسرار الحبّ للشّومري في برّ سنابس
الميثاق الأخلاقي للأسرة، محاضرة لآل إبراهيم في مجلس الزّهراء الثّقافيّ
الشيخ عبد الكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (9)
البسملة
لماذا لا يقبل الله الأعمال إلا بالولاية؟