الشيخ محمد جواد مغنية
رأى بعض الغيورين على الدين إعراض الشباب عنه وعن أهله، وإقبالهم على كل جديد مفيد وغير مفيد، فحاول أن يرغبهم في الدين و يقنعهم بأن جديدهم هذا غير جديد، لأن الدين بزعمه قد تحدث عن كل شيء تصريحاً أو تلويحاً، وأشار إلى ما كان ويكون من الآلات والمخترعات الحديثة، ثم أورد هذا الغيور الشواهد على دعواه من آيات قرآنية وأحاديث نبوية حملها على غير محملها، وفسرها بغير حقيقتها، فسر قول القرآن الكريم ﴿ ... وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ 1 بالطيارة و السيارة، وفسر ﴿ ... يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴾ 2 بالغازات السامة، وفسر ﴿ ... الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ 3 بالتسجيل الهوائي للأصوات، إذن يصح لنا أن نقول بناء على هذا القياس: أن قول القرآن الحكيم : ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ 4 إشارة إلى تحطيم الذرة، وأن الفقرة الأولى تشير إلى استخدام الذرة في الأغراض السلمية النافعة، والفقرة الثانية تشير إلى استعمالها في الحرب المهلكة المدمرة .
إن هذا التفسير، وإن دل على طيب السريرة وسلامة القصد، فإنه لا يقل ضرراً عن الرجعية والجمود. إن الخير كل الخير أن نقف بالدين عند واقعه وحقيقته، وحسب الدين فضيلة أنه أمر بكل شيء نافع، ونهى عن كل ما فيه شائبة الضرر، حسبه فضيلة أنه حارب الجهل والفقر كما حارب الظلم والكفر.
إن القرآن لم يشر إلى وجود هذه الآلات والمخترعات، ولا إلى وجود أديسون وآنشتين، وإلى وجود هتلر وموسيليني ولكنه أعرب بلسان عربي فصيح أن ﴿ ... مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ... ﴾ 5 وقتل النفس يكون بالسيف ويكون بالجهل والبطالة وخنق الحريات وما إلى ذلك من الوقوف في طريق الحياة والنبوغ، كما أن إحياءها يكون بالعلم وإفساح المجال للعمل وحرية الفكر وظهور النبوغ والعبقريات، وبالنتيجة يكون هتلر وأمثاله من الذين قتلوا الناس جميعاً، وأديسون وآنشتين من الذين أحيوهم جميعاً، أجل إن اللّه علم الإنسان ما لم يعلم، حيث وهبه العقل والإدراك، ورفع عنه الحجر والوصاية، ولكنه في نفس الوقت نهاه أن يبخس الناس أشياءهم، ويعيث في الأرض فساداً.
إن العلم قد يكون سلاحاً فتاكاً، وقوة هدامة تدمر الحضارة، وتعود بالإنسانية إلى ظلمة التوحش والبربرية، ووسيلة تخيف الناس على أرواحهم وأموالهم، وتجعلهم في جزع مستمر، و قد يكون العالم قوة منتجة، وأداة لتطور الحياة وتقدمها.
والإسلام يحدد موقف العلم، أو قل يحدد مسؤولية من في أيديهم قوة العلم ووسائله، ويوجب عليهم أن يستخدموه للحياة لا للممات، إن الإسلام يحث على العلم ويرفع من شأن العاملين به، وهم المعنيون بقوله سبحانه : ﴿ ... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ... ﴾ 6 ـ وقوله ـ ﴿ ... يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ... ﴾ 7 وقال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : "العلم دين يدان به". أي أن العلم حق، وعلى كل إنسان أن يدين بالحق، ويعمل به، وإنما يكون العلم حقاً وديناً مقدساً إذا خلقنا خلقاً جديداً ينهض بنا إلى حياة أفضل، كما خلق الإسلام مجتمعاً جديداً في التفكير والمعيشة والسلوك، أما العلم الذي ينتهي بنا إلى سوء المصير فقد تعوذ منه الأنبياء والمصلحون، كما تعوذوا من الشيطان الرجيم، بل تعوذوا من علم لا ضرر فيه ولا نفع، قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): أعوذ باللّه من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، فما قولكم بالعلم يتخذ آلة للصوصية! أما القلب الذي لا يخشع فهو الذي لا يشعر صاحبه بالمسؤولية، ولا يكترث بالدين والوجدان، والنفس التي لا تشبع هي التي تحرص على الاحتكار واحتياز الثروات، وتعمى عن سوء العاقبة والمصير .
ـــــــــــــــ
• 1. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 8 ، الصفحة : 268 .
• 2. القران الكريم : سورة الدخان ( 44 ) ، الآية : 10 ، الصفحة : 496 .
• 3. القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 1 ، الصفحة : 235 .
• 4. القران الكريم : سورة الزلزلة ( 99 ) ، الآية : 7 و 8 ، الصفحة : 599 .
• 5. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 32 ، الصفحة : 113 .
• 6. القران الكريم : سورة الزمر ( 39 ) ، الآية : 9 ، الصفحة : 459 .
• 7. القران الكريم : سورة المجادلة ( 58 ) ، الآية : 11 ، الصفحة : 543 .
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد باقر الصدر
السيد محمد باقر الحكيم
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
عدنان الحاجي
الشيخ محمد الريشهري
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان