من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
عن الكاتب :
الشيخ محمد مهدي شمس الدين، (1936م-2001م) عالم دين ومفكر إسلامي ومحدّث، كان رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان. بدأ نشاطه العلمي والسياسي في مدينة النجف الأشرف ودرس عند السيد محسن الحكيم والسيد الخوئي. عاد عام 1969م إلى لبنان وتولّى رئاسة الاتحاد الخيري الثقافي الذي أسس عام 1966م و باشر بنشاطات ثقافية وفكرية وتبليغية. من مؤلفاته: نظام الحكم والإدارة في الإسلام، مطارحات في الفكر المادّي والفكر الديني، ثورة الحسين في الوجدان الشعبي، بين الجاهلية والإسلام وغير ذلك.

من أنصار الحسين (ع) هاشميّون طالبيّون أم عبّاسيّون؟

لقد فجّر الثورة الهاشميون ما في ذلك شك، ولكن أي الهاشميين فجرها؟

 

إنّ وقودها من بني هاشم كان من الطالبيين: من أبناء علي بن أبي طالب، وجعفر بن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب. أما العباسيون، أبناء العباس بن عبد المطلب، فلم يشترك منهم فيها أحد، ولا يذكر في أحداثها، منذ بدأت إلى نهايتها في كربلاء، أحد من بني العباس، سوى عبد الله بن عباس حين نصح للحسين بأن لا يخرج إلى العراق، ثم كلامه، بعد خروج الحسين، مع عبد الله بن الزبير، هذا الكلام الذي ربما يوحي بأن عبد الله بن عباس كان مغيظًا - لا لأن الحسين خرج إلى مصير مفجع، وإنما لأنه، في مكة، كان بؤرة الاهتمام من المسلمين، فكان وجوده حائلاً دون ظهور سواه في الحجاز، فلما خرج خلا الجو لعبد الله بن الزبير (1).

 

وبعد انتهاء الثورة لا يرد أي ذكر، أو لا يرد ذكر ذو أهمية، لأحد من ولد العباس في التعليق على أحداث الثورة وشجبها. وبعد الثورة قامت ضد النظام الأموي ثورات أشعلت الأرض في العراق والحجاز وإيران قادها الهاشميون، وكانوا دائمًا طالبيين، ولم يكن فيهم عباسي واحد على الإطلاق.

 

كان العباسيون ينعمون بجوائز الخلفاء، وترف العيش، ويحترق الطالبيون بنار الثورات. ومع كثرة ما قام به الطالبيون وغيرهم من ثورات دامية فإنهم لم يفلحوا في أن يستولوا على السلطة الكاملة من الأمويين، وأفلح في ذلك العباسيون، لماذا؟

 

يبدو لنا أن العباسيين قرروا أن يعملوا لحسابهم الخاص في وقت مبكر، ولم تكن علاقتهم بالعلويين منذ البداية إلا علاقة شكلية وانتهازية (2). وقد رفضوا، لذلك، باستمرار منذ ثورة الحسين، أن يساهموا بأي جهد يخدم العلويين في الوصول إلى السلطة، مستفيدين في الوقت نفسه شعبية من كونهم هاشميين مضطهدين من قبل النظام، ومستفيدين من النظام من كونهم هاشميين لم يشاركوا أبناء عمهم في الثورة عليه، موفرين قوتهم ليستخدموها لحسابهم الخاص.

 

وقد أفلح العباسيون أخيرًا في الاستيلاء على السلطة مستغلين عاملين:

 

الأول:

 

أنهم كما ذكرنا استفادوا نفوذًا شعبيًّا من كل الثورات التي قام بها الطالبيون وغيرهم، وحين تحركوا للدعوة إلى أنفسهم لم يفصح دعاتهم عن هوية المدعو إليه، وإنما كانت الدعوة إلى الرضا من آل محمد، وكان الناس يفهمون من هذا التعبير العام أن المدعو إليه رجل علوي لما يتمتع به العلويون من حضور قوي في الذهنية العامة. وكان الدعاة والخواص وحدهم يعرفون الهوية العباسية للمدعو إليه، وحين جاء الوقت المناسب أعلنوا ما يقال من عهد أبي هاشم بن محمد بن علي بن أبي طالب إلى علي بن عبد الله بن عباس، وتحويله حقه في السلطة إلى علي هذا (3).

 

الثاني:

 

إن العباسيين أباحوا لأنفسهم التعاون مع العناصر التي لم يجوز العلويون لأنفسهم التعامل معها وهي عناصر الفرق المنحرفة عن الإسلام، والفرق الإيرانية المشكوك في سلامة إسلامها. لقد كان العلويون يتعاونون غالبًا مع العناصر العربية والإيرانية ذات الإسلام الصافي، وكانت مواقفهم ضد الجماعات المشكوك في سلامة إسلامها صلبة وواضحة ومبدئية، الأمر الذي حمل هذه الجماعات على أن تلتمس حلفاء آخرين، وجدتهم في العباسيين.

 

وهنا يتضح لنا لماذا كان موقف أئمة أهل البيت عليهم السلام منذ الإمام زين العابدين علي بن الحسين موقفًا سلبيًّا غالبًا من الحركات الثورية التي كان يقوم بها الحسنيون والحسينيون. ويتضح لنا لماذا رفض الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق عرض أبي سلمة الخلال كبير الدعاة العباسيين، أن يسلمه السلطة بعد أن نضجت الدعوة ضد الأمويين، وأعلن أبو مسلم الخراساني ثورته في خراسان.

 

لقد كان أئمة أهل البيت يدركون بوضوح تام أن القوى التي يعتمد عليها العلويون قوى منهكة، لا تستطيع أن تقود حركة ثورية، في رقعة جغرافية واسعة النطاق، إلى نهاية مظفرة، ومن ثم فإن حركة ثورية تعتمد على هذه القوى محكوم عليها بالفشل الذي يتعداها ليكون نقمة تنزل بالأمة كلها من قبل النظام الأموي .

 

وكانوا يدركون في مقابل ذلك أن العناصر المؤهلة للقيام بحركة ثورية ناجحة هي عناصر غير إسلامية غالبًا ولذا فلم يجوزوا لأنفسهم التعامل معها، وإن كانوا لم يقفوا في وجه حركتها ذات القيادة العباسية، فقد كان إسقاط النظام الأموي مطلبًا تاريخيًّا وحضاريًّا لا يمكن الوقوف في وجهه، وكانوا يدركون أن الاسلام سيذوب كل الجماعات المشبوهة من حيث عقيدتها، ويدمجها في الأمة الاسلامية، دينًا وحضارة .

 

لقد ثبت أئمة أهل البيت على موقفهم هذا في العهد العباسي، وأمروا شيعتهم بتجنب المساهمة في هذا النشاط. وكانوا ينصحون بني عمهم من العلويين بتجنب القيام بالثورات ذات المصير المحكوم عليه بالفشل، دون أن يؤثروا فيهم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) (... ثم خرج ابن عباس من عنده (الحسين) فمر بعبد الله بن الزبير، فقال: قرت عينك يا ابن الزبير، ثم قال: يا لك من قبرة بمعمر. خلا لك الجو فبيضي واصفري وانقري ما شئت أن تنقري. هذا حسين يخرج إلى العراق، وعليك بالحجاز) الطبري: 5 / 384.

(2) نذكر هنا استيلاء عبد الله بن عباس على بيت مال البصرة حين كان واليًا عليها من قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ونذكر انحياز أخيه عبيد الله بن عباس إلى معسكر معاوية استجابة لإغرائه، وتركه للإمام الحسن بن علي مع أنه كان أحد كبار قادته.

(3) الرواية الشائعة تاريخيًّا هي كما يلي: إن الفرقة الكيسانية كانت تعتقد بإمامة محمد بن الإمام علي بن أبي طالب (المعروف بابن الحنفية) وأن ولاء الكيسانية انتقل، بعد وفاة محمد بن الحنفية، إلى ابنه أبي هاشم عبد الله بن محمد، وأن أبا هاشم كان فصيحًا، يتمتع بقدرة كبيرة على الإقناع، فاستدعاه سليمان بن عبد الملك إلى دمشق (أو أن أبا هاشم وفد عليه) فأكرمه وأحسن إليه، ولكنه عزم على قتله لما أن خافه، فدس إليه من سمه وهو في طريقه إلى إقليم الشراة سنة 18 ه‍.

ولما أحس أبو هاشم بالموت عرج إلى الحميمة (وهي قرية على مقرية على مقربة من العقبة) حيث كان يقيم علي بن عبد الله بن عباس وابنه محمد، فأوصى إلى علي هذا وإلى أولاده بحقه في الإمامة، وكشف لهم اسم داعي الدعاة (رئيس الدعاة) في الكوفة، ومن يليه من الدعاة في سائر الأقطار، وسلمهم كتبًا يقدمونها إلى هؤلاء الدعاة. وقد تم هذا في سنة 99 ه‍.

وبذلك انتقل الحق في الخلافة من العلويين إلى العباسين، وانتقل ولاء الكيسانية إلى هؤلاء أيضًا وقد اضطلح بأعباء الدعوة بعد وفاة علي بن عبد الله ابنه محمد بن علي العباسي الذي توفي سنة 125 - وفى عهده دخل أبو مسلم الخراساني في رجال الدعوة. وقد خلف محمد بن علي بن عبد الله العباسي ابنه إبراهيم المعروف بالإمام وهو الذي جعل أبا مسلم قائدًا للدعوة في خراسان. وقد قبض مروان بن محمد (الحمار) على إبراهيم في الحميمة وسجنه في حران وتوفي سجينًا. وكان قد عهد إلى أخيه - حين علم بمصيره - أبي العباس السفاح بالإمامة وأمره بالرحيل مع أهله إلى الكوفة فذهبوا إليها حيث تلقاهم رئيس الدعاة أبو سلمة الخلال، وأنزلهم في منزل سري، إلى أن أعلنت الدولة العباسية في 12 ربيع الأول سنة 132 ه‍ ببيعة أبي العباس السفاح.

هذه الرواية موضع شك عندنا، فهي تثير أسئله لا يمكن الإجابة عليها، ابتداء بطبيعة العلاقة بين محمد بن الحنفية وابنه أبي هاشم من جهة وبين الفرقة الكيسانية من جهة أخرى، والغريب أن هذه الفرقة تفقد دورها الكبير في سير الأحداث بمجرد انجاز ما يدعى من تنازل أبي هاشم. ولماذا لم يعهد أبو هاشم بأمره إلى أحد من أبناء علي، وما هي الإثباتات التي تجعل دعوى العباسيين لهذا التنازل موضع ثقة؟.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد