
في أجواء العلم كانت عالمةً عظيمة. تلك الخطبة الّتي ألقتها فاطمة الزهراء عليها السلام في مسجد المدينة بعد رحيل النبيّ، هي خطبة، بحسب كلام العلامة المجلسيّ، يجب على فطاحل الفصحاء والبلغاء والعلماء أن يجلسوا ويفسّروا معاني كلماتها وعباراتها؛ فهي من العمق بحيث إنّها بلحاظ جمالية الفن كأجمل وأعلى كلمات نهج البلاغة.
فاطمة الزهراء عليها السلام تذهب إلى مسجد المدينة وتقف مقابل الناس وترتجل ولعلّها تتحدّث لمدّة ساعة بأعذب وأجمل العبارات وأكثرها بلاغةً..
نحن الّذين نُعدّ من أهل الخطابة والكلام الارتجاليّ نفهم كم أنّ هذه الخطبة عظيمة. فتاة ابنة 18 أو 20 سنة وفي الحدّ الأكثر 24 سنة - بحسب الاختلاف في تاريخ ولادتها - ومع كلّ تلك المصائب والصعاب أتت إلى المسجد وخاطبت الجمع الغفير من وراء الحجاب(الستار)، وكلّ كلمة من هذه الخطبة بقيت في التاريخ.
العرب معروفون بقوّة حافظتهم. فيأتي شخصٌ وينشد قصيدة من 80 بيتاً وبعد أن ينتهي يقوم 10 أشخاص ويكتبون هذه القصيدة، وهذه القصائد الّتي بقيت إلى يومنا هذا، في الأغلب هكذا حُفظت. فالأشعار في الأندية - أي تلك المراكز الاجتماعية - كانت تُتلى وتُحفظ، وهذه الخطب وهذه الأحاديث كانت تحفظ غالباً بهذه الطريقة. لقد جلسوا وكتبوا وحفظوا وبقيت هذه الخطب إلى يومنا هذا. والكلمات الجوفاء لا تبقى في التاريخ، فليس كلّ كلام يُحفظ، فلقد قيل الكثير الكثير، وألقي الكثير من الخطب والكثير من الأشعار ولكن لم تبقَ كلّها، ولم يعتنِ أحدٌ بها. كلّما نظر الإنسان إلى ذاك الشيء الّذي حفظه التاريخ في قلبه، وبعد مرور 1400 سنة، يشعر بالخضوع، وهذا إنّما يدلّ على هذه العظمة. برأيي إنّ هذا يُعدّ بالنسبة للفتاة الشابّة قدوة.
إنّ حياة فاطمة الزهراء عليها السلام في جميع الأبعاد كانت مليئة بالعمل والسعي والتكامل والسموّ الروحيّ للإنسان. وكان زوجها الشاب في الجبهة وميادين الحرب دائماً، وكانت مشاكل المحيط والحياة قد جعلت فاطمة الزهراء عليها السلام مركزاً لمراجعات الناس والمسلمين. إنّها ابنة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المفرّجة للهموم، وقد صارت في حياتها في تلك الظروف بمنتهى العزّة والسموّ، وقامت بتربية أولادها الحسن والحسين وزينب، وإعانة زوجها عليّ عليه السلام، وكسب رضا أب كالنبيّ. وعندما بدأت مرحلة الفتوحات والغنائم لم تأخذ بنت النبيّ ذرّة من لذائذ الدنيا وزخرفها ومظاهر الزينة والأمور الّتي تميل لها قلوب الشابات والنساء.
وكانت عبادة فاطمة الزهراء عليها السلام عبادة نموذجية. يقول الحسن البصريّ: الّذي كان أحد العبّاد والزهّاد المشهورين في العالم الإسلاميّ، حول فاطمة الزهراء عليها السلام إنّ بنت النبيّ عبدت الله ووقفت في محراب العبادة حتى "تورّمت قدماها"1. ويقول الإمام الحسن المجتبى عليه السلام إنّ أمّه وقفت تعبد الله في إحدى الليالي - ليلة الجمعة -"حتى انفجر عمود الصبح". ويقول الإمام الحسن عليه السلام إنّه سمعها تدعو دائماً للمؤمنين والمؤمنات، وتدعو للناس ولقضايا المسلمين العامة، وعند الصباح قال لها: "يا أمّاه أما تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثمّ الدار"2. هذه هي الروحية العظيمة. إنّ جهاد تلك المكرّمة في الميادين المختلفة هو جهاد نموذجيّ، في الدفاع عن الإسلام، وفي الدفاع عن الإمامة والولاية، وفي الدفاع عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وفي حفظ أكبر القادة الإسلاميين وهو أمير المؤمنين عليه السلام زوجها. وقد قال عليه السلام مرّة بشأن فاطمة الزهراء عليها السلام : "ما أغضبتني ولا عصت لي أمراً"3. ومع تلك العظمة والجلالة، فإنّها كانت زوجة في بيتها، وامرأة كما يقول الإسلام.
هكذا كانت عبادتها وفصاحتها وبلاغتها وحكمتها وعلمها ومعرفتها وجهادها وسلوكها كابنة وزوجة وأمّ، وإحسانها إلى الفقراء. مرّة أرسل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً عجوزاً فقيراً إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام وقال له أن يطلب حاجته منهم، فأعطته فاطمة الزهراء عليها السلام جلداً كان ينام عليه الحسن والحسين عليهما السلام حيث لم يكن عندها شيء غيره، وقالت له أن يأخذه ويبيعه ويستفيد من نقوده. هذه هي الشخصية الجامعة لفاطمة الزهراء عليها السلام . إنّها أسوة للمرأة المسلمة.
إنّ على المرأة المسلمة أن تسعى في طريق الحكمة والعلم وفي طريق بناء الذات معنويّا وأخلاقيّاً وأن تكون في الطليعة في ميدان الجهاد والكفاح، وأن لا تهتمّ بزخارف الدنيا ومظاهرها الرخيصة، وأن تكون عفّتها وعصمتها وطهارتها بحيث تدفع بذاتها عين ونظرة الأجنبيّ المريبة تلقائياً، وفي البيت سكينة للزوج والأولاد وراحة للحياة الزوجية، وتربّي في حضنها الحنون والرؤوف وبكلماتها اللطيفة والحنونة أولاداً مهذّبين بلا عُقد، وذوي روحية حسنة وسليمة، وتربّي رجال المجتمع ونساءه وشخصياته. إنّ الأم أفضل من يبني، فقد يصنع أكبر العلماء آلة إلكترونية معقّدة جداً مثلاً، أو يصنعون أجهزة للصعود إلى الفضاء، أو صواريخ عابرة للقارّات، ولكن كلّ هذا لا يعادل أهمية بناء إنسان سامٍ، وهو عمل لا يتمكّن منه إلا الأم، وهذه هي أسوة المرأة المسلمة.
* كتاب إنسان بعمر 250 سنة.
________________________________________
1- المناقب، ج3،ص 341.
2- بحار الأنوار، ج43، ص81-82.
3- بحار الأنوار، ج43، ص 134.
معنى (ودق) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
هل قاتلت الملائكة؟
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
فينومينولوجيا الغيب، بَداؤها عينُ خفائِها (2)
محمود حيدر
مناجاة الذاكرين (7): أستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك
الشيخ محمد مصباح يزدي
ما الذي يهمّ أنت أم أنا؟ يتذكر الأطفال ما هو مهم للآخرين
عدنان الحاجي
بين الأمل والاسترسال به (1)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ..} لا تدلُّ على تزكية أحد (2)
الشيخ محمد صنقور
العزة والذلة في القرآن الكريم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
ماذا نعرف عن القدرات العظيمة للّغة العربية؟
السيد عباس نور الدين
لا تبذل المجهود!
عبدالعزيز آل زايد
الإمام الهادي: غربة على شفير السّمّ
حسين حسن آل جامع
سيّد النّدى والشّعر
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معنى (ودق) في القرآن الكريم
هل قاتلت الملائكة؟
أهمّ عشرة اكتشافات علمية في الفيزياء لعام 2025
تزكية النّفس أوليّة مقدّمة على كلّ شيء
فينومينولوجيا الغيب، بَداؤها عينُ خفائِها (2)
مناجاة الذاكرين (7): أستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك
سياسة المتوكل مع الإمام الهادي (ع) (2)
الإمام الهادي: غربة على شفير السّمّ
معنى (سبل) في القرآن الكريم
فينومينولوجيا الغيب، بَداؤها عينُ خفائِها (1)