لم تكن مسألة انتزاع (فدك) من الزهراء (عليها السلام) مسألةً عادية، لا تحمل إلاّ الجانب المادي فحسب، بل إنّ جانبها الاقتصادي قد انصبَّ في قالب المسائل السياسية، التي حكمت المجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله)، وفي الحقيقة لا يمكن فصل مسألة (فدك) عن سائر أحداث ذلك العصر، وإنّما هي حلقة من سلسلة كبيرة، وظاهرة من وقائع شاملة وواسعة!
إنَّ لهذا الغصب التاريخي الكبير عوامل نوردها في النقاط التالية:
1- يعتبر وجود (فدك) في حيازة آل بيت النبوة (عليه الصلاة والسلام) ميزةً كبيرة لهم، وهذا بحد ذاته دليل على علوِّ مقامهم عند الله، وقربهم الشديد من الرسول (صلّى الله عليه وآله)، خصوصاً ما نقلته كتب الشيعة والسنّة في الروايات من أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) استدعى فاطمة (عليها السلام) بعد نزول الآية (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى)، وأعطاها فدكاً.
من الواضح أنّ وجود (فدك) في حيازة آل بيت محمّد (صلّى الله عليه وآله) منذ البداية، يكون مدعاةً لالتفاف الناس حولهم، والبحث عن سائر آثار النبيّ الكريم (صلّى الله عليه وآله) في هذه العائلة خصوصاً مسألة الخلاقة، وهذا الأمر لم يكن ليتحمله مؤيدو انتقال الخلافة إلى الآخرين.
2- كانت هذه المسألة مهمة في بعدها الاقتصادي، كما هو أثره الفعّال في بعدها السياسي؛ لأنّ وقوع أمير المؤمنين (عليه السلام) وآله في مضيقة اقتصادية، يؤدي إلى تدهور وضعهم السياسي بنفس النسبة، بعبارة أخرى فإنَّ حيازتهم على فدك يوفّر لهم امتيازات، تكون بمثابة المتكأ الذي تستند عليه مسألة الولاية، كما فعلت أموال خديجة (عليها السلام) في انتشار الإسلام في بدء دعوة نبي الإسلام (صلّى الله عليه وآله).
من المتعارف عليه في جميع أنحاء العالم أنّه إذا أريد طمس شخصية كبيرة، أو تقييد دولة ما لتعيش حالة الانزواء، فإنّه يُعمل على محاصرتها اقتصادياً، وقد نصَّ تاريخ الإسلام في قصة (شِعب أبي طالب)، عندما حوصر المسلمون من قِبل المشركين حصاراً اقتصادياً شديداً.
في تفسير سورة المنافقين، وفي ذيل الآية (لَئِنْ رَجَعْنا إلى الَمدينةِ لَيُخرجَنَّ الأَعَزُّ مِنْها الأَذَلَّ) (1) أُشير إلى مؤامرة شبيهة بهذه المؤامرة قد حاكها المنافقون، لكنَّ اللطف الإلهي أخمد نارها، وهي في المهد؛ لذا فليس من العجب في شيء أن يسعى المخالفون، إلى انتزاع هذه الثروة من آل بيت النبي الكريم (صلّى الله عليه وآله)، وإخلاء أيديهم ودفعهم بعيداً عن الساحة.
3- وإن هم وافقوا على أنّ فدكاً ميراث النبي (صلّى الله عليه وآله)، أو هديته لابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وبالتالي تسليمها إليها، فإنّ ذلك سيفتح الطريق لها في المطالبة بمسألة الخلافة، هذه النقطة يطرحها العالم السُني المشهور (ابن أبي الحديد المعتزلي) في شرح (نهج البلاغة) بصورة ظريفة حيث يقول: (سألت علي بن الفارقي مدرّس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة صادقةً؟ قال: نعم، قلت: فلِمَ لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسّم، ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلّة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجاءت إليه غداً وادعت لزوجها الخلافة، وزحزحته عن مقامه، ولم يكن يمكنه الاعتذار والمدافعة بشيء؛ لأنّه يكون قد سجّل على نفسه أنّها صادقة فيما تدعيه كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيِّنة ولا شهود)، وبعدها يضيف (ابن أبي الحديد) قائلاً: (وهذا كلام صحيح، وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل) (2).
إنَّ هذا الاعتراف الصريح الذي أدلى به اثنان من علماء أهل السنة، لشاهد حي على أنّ لقصة فدك جانباً سياسياً هاماً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). سورة المنافقين، آية 1.
(2). شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد، ج 4، ص 78.
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ جعفر السبحاني
حيدر حب الله
الشيخ علي المشكيني
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان