من التاريخ

الصادق (ع) في آراء العلماء (2)

الشيخ محمد حسن المظفر

 

إليك ما يقوله الحافظ أبو نعيم (1) في حلية الأولياء (3 : 192): "ومنهم الإمام الناطق والزمام السابق، أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونهى (2) عن الرياسة والجموع" ثم روى عن عمرو بن أبي المقدام كلامه السابق، وروى عن الهياج بن بسطام (3) قوله: "وكان جعفر بن محمّد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء".

 

ويقول ابن الصبّاغ المالكي (4) في الفصول المهمّة: "كان من بين إخوته خليفة أبيه ووصيّه، والقائم بالإمامة من بعده برز على جماعته بالفضل وكان أنبههم ذكراً، وأجلّهم قدراً، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان"، وقال في أخريات كلامه: "مناقب أبي عبد اللّه جعفر الصادق فاضلة، وصفاته في الشرف كاملة، وشرفه على جهات الأيام سائلة، وأندية المجد والعزّ بمفاخره ومآثره آهلة".

 

وهذا السويدي (5) في سبائك الذهب ص 72 يقول: "كان من بين إخوته خليفة أبيه ووصيّه، نقل عنه من العلوم ما لم ينقل عن غيره، وكان إِماماً في الحديث" وقال: "ومناقبه كثيرة".

 

وفي عمدة الطالب (6) ص 184: "ويقال له عمود الشرف، ومناقبه متواترة بين الأنام، مشهورة بين الخاصّ والعامّ، وقصده المنصور الدوانيقي بالقتل مراراً فعصمه اللّه منه".

 

والشهرستاني (7) في المِلل والنِّحل: "وهو ذو علم غزير في الدين والأدب، كامل في الحكمة، وزهد بالغ وورع تامّ في الشهوات، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين أسرار العلوم، ثم دخل العراق وأقام بها مدّة ما تعرَّض للإمامة قط (8) ولا نازع أحداً في الخلافة، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط، وقيل من آنس باللّه توحّش عن الناس، ومن استأنس بغير اللّه نهبه الوسواس".

 

واليافعي (9) في مرآن الجنان (1 : 304) فيمن توفي عام 148، يقول: "وفيها توفي الإمام السيد الجليل سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة، أبو عبد اللّه جعفر الصادق، ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمّد الباقر، وجدّه زين العابدين وعمّ جده الحسن بن علي رضوان اللّه عليهم أجمعين، وأكرم بذلك القبر وما جمع من الأشراف الكرام أولي المناقب، وإِنما لقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله وهي خمسمائة رسالة".

 

والصدوق طاب ثراه (10) يروي في أماليه المجلس ال‍ 42 عن سليمان بن داود المنقري (11) عن حفص بن غياث (12) أنه كان إِذا حدّثنا عن جعفر بن محمّد عليه السلام قال: "حدّثني خير الجعافرة".

 

وروى الصدوق أيضاً فيه مسنداً عن علي بن غراب (13) انه كان إِذا حدّثنا عن جعفر بن محمّد قال: "حدّثنا الصادق عن اللّه، جعفر بن محمّد...".

 

وروى أيضاً في ال‍ 32 مسنداً عن محمّد بن زياد الأزدي (14) قال: سمعت مالك بن أنس يقول: أدخل إلى الصادق جعفر بن محمّد عليه السّلام فيقدّم لي مخدّة، ويعرف لي قدراً، وكان لا يخلو من إِحدى ثلاث خصال إمّا صائماً وإِما قائماً وإِما ذاكراً، وكان من عظماء العبّاد وأكابر الزهّاد، الذين يخشون اللّه عزّ وجل وكان كثير الحديث، طيّب المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله اخضرَّ مرَّة، واصفرَّ أخرى، حتّى ينكره مَن يعرفه، ولقد حججت معه سنة فلمّا استوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما همَّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخرّ عن راحلته، فقلت: يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ولا بدّ لك من أن تقول، فقال: يا ابن عامر كيف أجسر أن أقول لبّيك اللّهمّ لبّيك، وأخشى أن يقول عزّ وجل: لا لبّيك ولا سعديك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أحمد بن عبد اللّه الأصبهاني المتوفى عام 430.

(2) هكذا في الأصل وفي كشف الغمّة عن الحلية "ولها " وكلّ منهما يناسب المقام.

(3) التميمي الحنظلي الهروي رحل إلى العراق وسمع علماء عصره ودخل بغداد وحدّث بها، مات عام 177، ترجم له الخطيب البغدادي: 14 / 80.

(4) نور الدين علي بن محمّد بن الصبّاغ المالكي المولود عام 784 والمتوفى عام 855، ترجم له السخاوي في الضوء اللامع: 5 / 283 وذكر مشايخه وكتابه الفصول المهمّة في معرفة الأئمة وهم اثنا عشر.

(5) محمّد أمين البغدادي، وآل السويدي من البيوتات الرفيعة في بغداد حتّى اليوم وهو من رجال القرن الماضي، وفرغ من كتابه في شوّال عام 1229.

(6) للنسّابة الشهير جمال الدين أحمد بن علي الداودي الحسني المتوفى عام 828.

(7) أبو الفتح محمّد بن أبي القاسم كان فقيهاً متكلّماً على مذهب الأشعري، دخل بغداد عام 510 وأقام بها ثلاث سنين وكانت ولادته بشهرستان وبها توفي عام 548، ترجم له في الوفيّات ومعجم الأدباء وطبقات السبكي وروضات الجنّات ومفتاح السعادة وغيرها.

(8) يراد من الإمامة هنا الإمامة التي يعقدها الناس، وإِلا فهو إِمام اجتمع عليه الناس أو تفرّقوا، تعرّض للأمر أو صفح.

(9) أبو محمّد عبد اللّه بن سعد بن علي بن سليمان عفيف الدين اليافعي اليماني نزيل الحرمين المتوفى عام 768.

(10) محمّد بن علي بن بابويه القميّ المحدّث الجليل صاحب التآليف القيمّة الكثيرة البالغة نحواً من 300 مؤلّف، وقد ورد بغداد عام 352 وسمع منه شيوخ الطائفة على حداثة سنّه، ومات بالري عام 381.

(11) المعروف بابن الشاذكوني وهو ممن روى عن الصادق عليه السلام وعن رواته وكان من ثقات الرواة.

(12) الكوفي القاضي، والظاهر أنه من أهل السنّة.

(13) ابن عبد العزيز وهو ممّن روى عن الصادق عليه السلام واستظهر بعض الرجاليين أنه من أهل السنّة إلا أن ابن النديم في الفهرست عدّه من مشايخ الشيعة الذين رووا الفقه عن الأئمة عليهم السلام.

(14) هو المعروف بابن أبي عمير وقد لقي الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام، حبسه الرشيد ليلي القضاء، وقيل ليدلّه على مواضع الشيعة وأصحاب الكاظم عليه السّلام، وقيل ضرب أسواطاً ونالت منه فلم يقر، وقد رويت عنه كتب مائة رجل من أصحاب الصادق عليه السلام، وله مصنّفات كثيرة، وهو ممّن لا يروي إلا عن ثقة، وقد أجمع العصابة على قبول مراسيله، وهو من العصابة الذين أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم، وقد اتفق الفريقان على وثاقته وعلوّ منزلته، وقيل: إِنما قبلوا مراسيله لأنه دفن كتبه يوم حبس فتلفت فروى ما علق منها في ذهنه، فمن ثمّ قد ينسى الراوي وإِن حفظ الرواية، مات عام 217.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد