مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ علي رضا بناهيان
عن الكاتب :
ولد في عام 1965م. في مدينة طهران وكان والده من العلماء والمبلغين الناجحين في طهران. بدأ بدراسة الدروس الحوزوية منذ السنة الدراسية الأولى من مرحلة المتوسطة (1977م.) ثم استمرّ بالدراسة في الحوزة العلمية في قم المقدسة في عام 1983م. وبعد إكمال دروس السطح، حضر لمدّة إثنتي عشرة سنة في دروس بحث الخارج لآيات الله العظام وحيد الخراساني وجوادي آملي والسيد محمد كاظم الحائري وكذلك سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي. يمارس التبليغ والتدريس في الحوزة والجامعة وكذلك التحقيق والتأليف في العلوم الإسلامية.

أنت أيضًا تعيش هذا النّمط الخطير من الحياة!

لحظات حرجة هل جرّبتها؟

 

أجرّبت إلى الآن أن تقف إلى جوار مَن يلفظ أنفاسه الأخيرة على فراش الموت؟ يكون جوّ المكان مشحونًا، وانتباه الجميع مركّزًا على الشّخص الملقى على فراش الموت، فإن أشار بيده هبّ الجميع لتلبية حاجته، وإن أراد النّطق بكلمة سكت الكلّ وأرهفوا آذانهم ليصغوا لرغبة عزيزهم الأخيرة في هذه اللّحظات الحسّاسة، فإن لم يسمعوا اجتهدوا في فكّ رموز نجواه من حركات شفاهه، لأنّ هذه اللّحظات لحظات حرجة، يُنطق فيها بأهمّ كلام.

 

رحلة في نفق الزّمان

 

ماذا قال الإمام عليّ (ع) في آخر لحظات عمره؟!

 

دعونا نذهب إلى اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، في العام أربعين للهجرة، وحال إمامنا أمير المؤمنين (ع) في مثل تلك اللّحظات، فتح ثغرة في آخر لحظات عمره الشّريف ليقول، وهو أمير الكلام، آخر نصيحة لأبنائه الأحبّة على قلبه، الكلّ ينتظر على أحرّ من الجمر ما الوصيّة التي يريد أبوهم إيصاءهم بها في مثل هذه اللّحظات؟! قال (ع): أوصيكما "أيّها الحسن والحسين" وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم.

 

ألم تكن تتوقّع ذلك؟!

 

أهميّة التّقوى والتّكليف بها واضح لنا تمامًا، لكن ما هو الأهمّ منها؟ بالإضافة إلى التّقوى أوصى عليه السّلام بوصيّة أخرى، لعلّها غريبة بالنّسبة إلينا. "نظم أمركم".

 

نمط حياة خطر للغاية

 

غالبيّتنا العظمى تعيش حياة سيّئة لأنّنا لا نفقه أهميّة النّظم والمنهجة في الحياة، أو لم نكسب هذه المهارة، كأن تكون حياتنا بأسلوب "إنجاز المشاريع"! وهو أسلوب يمارسه مَن لا قدرة له على المنهجة والبرمجة في حياته، وهو أن يركّز مدّة من الزّمن على موضوع ما، ثمّ يتركه ويتحوّل إلى موضوع آخر.

 

فحين يعمل ينسى عائلته، وإذا اهتمّ بعائلته يتأخّر عن الدّراسة، فإذا أكبّ على التّحصيل الدّراسيّ نسي الله والرّوحانيّات، وإن انشغل بالتّرفيه عن نفسه لم يعد أيّ شي مهمًّا بالنّسة إليه!

 

لماذا النّظم والبرمجة هما بهذا القدر من الأهميّة؟

 

تعالوا نناقش هذا الأمر من النّاحية الطّبّيّة، إنّ من لا يضع جدولاً لأعماله اليوميّة يتضرّر روحيًّا وبدنيًّا، فلقد ثبت في الطّبّ الحديث أنّه حين ينجز الشّخص عملاً بشكل منظّم وفي وقت معيّن من ساعات اليوم، يصدر الدّماغ إيعازًا بإفراز موادّ أشبه ما تكون بالنّيكوتين الطّبيعيّ تنتشر في الجسم لتمنحه السّكينة والطّمأنينة.

 

فالأشخاص المنظّمون يتمتّعون بتنسيق بدني ونفسي أكبر وهدوء أعلى، وقد جاءنا عن رسول الله (ص) في هذا الصّدد حديث شريف يقول فيه: "الأمور مرهونة بأوقاتها" أي إنّ لكلّ عمل وقته الخاصّ.

 

عمليّة المنهجة نفسها مهمّة، لا تفاصيلها!

 

إن أحببنا عدم التّورّط في نمط حياة قائم على أسلوب المشاريع، فإنّ الحلّ هو التّخطيط والمنهجة، لكن كيف يجب أن تكون منهجتنا؟

 

النّقطة الجوهريّة في عمليّة المنهجة هي أن تتمكّن من إنجاز أعمال خاصّة في أوقات معيّنة، والقضيّة الأساسيّة هنا هي القدرة على ضبط النّفس والتّحكّم بها، أمّا طبيعة العمل الذي عليك إنجازه في تلك الأوقات فتأتي في المرتبة الثّانية من الأهمّيّة.

 

المهمّ هو أن تنجز العمل المطلوب في وقته الخاصّ به، وأن تلتزم بهذا النّظم، فإن قلت: عليّ ممارسة الرّياضة من السّاعة السّابعة إلى السّاعة الثّامنة صباحًا، فلا ينبغي أن تلهو وتنسى الرّياضة في هذا الوقت، اللّهمّ إلّا في ظروف قاهرة ولأمر ضروريّ.

 

هكذا ستتخلّص من شرّ المعاصي!

 

السّؤال الذي ربّما جال في خاطرك إلى الآن هو: هل النّظم يفيدنا في حياتنا الدّنيا فقط؟ أم أنّ له تأثيرًا أيضًا على تكاملنا المعنويّ وروحانيّتنا؟

 

الواقع هو أنّ أهمّ أساليب مخالفة الهوى هو التّنظيم! لأنّ النّظم في الواقع يقول لك: لا تفعل كلّ ما يحلو لك في أيّ وقت تشاء! فإنّ لكلّ عمل وقته الخاصّ.

 

البعض يحاول أن يجتنب المعصية لحظة تغريه نفسه لفعلها، لكنّه يقول: لا أستطيع ذلك! حسن، لماذا لا تستطيع؟ لأنّك لست شخصًا منظّمًا، فلو كنت منظّمًا لكنت أقوى! إنّ من يقوم بأيّ فعل متى ما نازعته نفسه إليه فهو – في الحقيقة – أسير نفسه ضعيف أمام رغباتها.

 

النّظم والمنهجة ليسا مجرّد عملين جيّدين وجميلين، بل هما عنصران حيويّان لنمط حياة سليم، ولا يليق بنا نحن الذين إمامنا عليّ بن أبي طالب (ع) أن لا نأخذ آخر وصيّة أوصانا بها بجدّيّة.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد