السيد عباس نور الدين
لنتصوّر أنّ أبناءنا تعرّفوا في السنوات الأولى من أعمارهم على أهم الشخصيات الكاملة التي عرفتها البشرية كأهل بيت النبوة وأولي العزم من الرسل وبعض الصحابة الأجلّاء والإمام الخميني والإمام الخامنئي. وقد كانت هذه المعرفة المتاحة مفعمة بالشواهد والتفاصيل التي تبيّن كيفية وصولهم إلى كمالاتهم؛ سواء بالاصطفاء الإلهي وقوّة الجاذبية الربانية أو عبر السلوك والارتياض المعنويّ. فقد كان أبناؤنا يتعرفون إلى هذه الشخصيات عبر المواقف المختلفة التي خاضوها في هذه الحياة والتي تشمل أهم الامتحانات والاختبارات التي يمر بها الإنسان ممّا يسّهل عملية الاعتبار واستنباط العبرة منها. فما الذي نتوقّعه من مثل هذه الدروس والقصص والمشاهد؟
أقل ما يمكن أن يُقال هنا هو أنّ أبناءنا:
سيتعرّفون إلى الكمال الحقيقي الذي يُعدّ غاية الحياة والخلق؛ وبالتالي سيسهل عليهم تحديد كل الغايات الرخيصة والمنحطة والعبثية والسطحية.
سيشتاقون إلى هذا الكمال بحيث يصبح هدف حياتهم. وسينفرون من كل الأمور التي تُعرض عليهم تحت عناوين الأهداف والمآرب والرغبات والتي تتعارض مع ذلك الكمال الواقعيّ.
سيبحثون عن الطريق الموصل إلى الكمال المنشود ويصبح همّهم الأكبر تحديد السبل والوسائل التي تعينهم على بلوغ ذلك الهدف الأسمى.
سيصبحون حسّاسين ويقظين جدًّا تجاه سبل الشيطان وطرقه وخطواته التي يمكن أن تستدرجهم إلى التعاسة الأبدية والشقاء المطلق.
سيهتمون بشغف بكل ما يمت إلى الكمال بصلة، من معارف وهوايات ومهارات، ممّا يزيد من اندفاعهم نحو ممارستها والاهتمام بها تحصيلًا وإتقانًا.
سيحترمون، بل يجلّون كل إنسان أو وسيلة أو مؤسّسة تساهم في تكاملهم وتقوية سيرهم وزيادة سرعتهم نحو الهدف الأعلى. كما أنّهم سيمقتون كل ما من شأنه أن يثبّطهم أو يوهن قوّتهم أو يلهيهم عن ذلك.
وهكذا، سيقبل أبناؤنا على كلّ علم مفيد ونافع، وسيشاركون في كل نشاط ينمّي قدراتهم ويصقل مهاراتهم، ويتمسّكون بالقيم الفاضلة والعادات الطيبة والسلوكيات الجميلة.
فهل نبتغي لأبنائنا غير هذا؟ وهل نحلم بما هو أعظم من ذلك؟
فما هو السرّ وراء هذا كلّه؟
إنّه بكلمة واحدة الفطرة التي أودعها الله في كلّ إنسان. وهي تلك الميول الثابتة الراسخة التي تعشق الكمال المطلق وتنجذب إليه وتطلبه، فتنفر بسبب ذلك من النقص والقبح والشر والباطل. وما ينقص هذه الفطرة هو أن يرى صاحبها مصاديق الكمال المنشود ويؤمن بإمكانية تحقّقها وواقعيتها وهذا بالتحديد ما توفره له تلك القصص والسيَر التي تتحدث عن أشخاص بلغوا أعلى درجات الكمال في هذه الحياة الدنيا.
ومع ذلك، فمناهج مدارسنا تكاد تخلو من هذه التربية وهذه المعارف. وإن وُجد شيء منها، فهو سطحيّ ولا يقدّم المصداق والطريقة والحقيقة المقنعة. فإن جرى الحديث عن نبيّ الله نوح عليه السلام، فلا يمكن لأبنائنا أن يعرفوا ما هو كماله ومقامه وكيف وصل إلى ما وصل إليه. وإنّما هي قصص عن كيفية دعوة قومه وما جرى عليه وكيفية إنقاذ الله له ولمن آمن معه. وتبقى العبرة الكبرى غائبة لا يعرف أبناؤنا منها شيئًا.
وهكذا، أصبحت الشخصيات العظيمة، التي يُفترض أن تكون أسوة وقدوة لنا عاملًا لبعدنا عن الكمال بدل أن تحقّق العكس؛ فهي شخصيات تاريخية لا ترتبط بواقعنا ولا بعمق ما يجري في نفوسنا ولا توقظ فينا ذلك الجدل والتفاعل الأساسيّ مع الكمال ومغزى الحياة وسرّ الوجود. فقد تركنا بعض الهواة وغير الخبراء في التربية يصولون ويجولون في وضع مناهج مدرسية وتعليمية لا تمت إلى التعليم والتربية بأي صلة. وكان لجهلنا نحن الآباء السبب الآخر لبقاء هذه الشعلة خامدة في نفوس الأبناء.
ولهذا كلّه قصّة طويلة محزنة، لكنّها مليئة بالفائدة والعبرة. فحين سطعت شموس الكاملين على حياة البشر منذ آلاف السنين، وحين بدأت نجوم أولياء الله تتجلّى في سماء الحياة الإسلامية، قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة، لم تكن البشرية مهيّئة للتفاعل معهم كما ينبغي؛ فحُرمت من أعظم المواهب والفرص، وكانت الاستفادة محصورة في مجموعة قليلة من الأفراد. وسبب ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى حرمان الأطفال من معرفتهم واللقاء بهم، إلا من شاءت الصدفة له ذلك. فمعظم الأطفال كانوا يتدرّجون في مراحل التربية، بعيدًا عن هؤلاء الكاملين وفي كنف عادات وقيم أقل ما يمكن أن يُقال عنها أنها لا تستقي من المنبع الحقيقيّ للكمال والفضيلة. فما يلبث هؤلاء الأبناء أن يقسو عودهم حيث يصبح التفاعل والتأثّر بالأولياء صعبًا.
لم ينشئ المسلمون، الذين كانوا الأمّة التي يُفترض بها أن تسلك طريق الأنبياء، تلك المعاهد والمدارس والمراكز التي تُعنى بتربية الإنسان منذ طفولته على أساس معرفة الأولياء الكاملين؛ وإنّما اقتصر ذلك على نسبة ضئيلة من أبنائهم؛ وكان معظم أنماط التعليم بعيدًا عن روح التربية المنبثقة من معرفة الإنسان الكامل وطريقه.
وباختصار، لم تنشأ وسط المسلمين ثقافة تربوية تعليمية نابعة من معرفة الإنسان وفطرته وخلقته ومعرفة الهدف التربويّ الحقيقيّ؛ ويعود جزءٌ مهم من ذلك إلى عدم قيام نهضة تربوية تعليمية عامّة في أي مجتمع مسلم منذ تلك القرون إلى أن جاء الاستعمار وفرض علينا التعليم العام وفق مناهجه ورؤيته التربوية، التي لم نكن نملك أي تصور حول مخاطرها وأهدافها وآثارها ومبادئها وأصولها ومنابعها.
حين أبحث في التراث الإسلامي عن دراسات وآراء معمّقة حول الفطرة التي تشكّل أساس كيان الإنسان الأصيل، فمن النادر أن أجد شيئًا يشفي الغليل قبل الإمام الخميني. وحين أتأمّل في مقالات الإمام وأفكاره التي يخبرنا عن أنّه ورثها من أستاذه الشاه آبادي، فيذهلنا حجم الاهتمام بقضية الفطرة على صعيد التربية والتعليم. وينبغي أن نعترف أنّنا وإن سلكنا طريق الإمام، لكنّنا لم نتعرف إلى مدرسته التربوية كما ينبغي، والذين كان لهم شرف هذه المعرفة، فإنّهم لم يتمكّنوا لحدّ الآن من صياغة مناهج التربية على أساسها.
وإنّما ذكرت ذلك، لأنّ المقام هنا لا يتّسع للتفصيل والتعمّق في هذا الموضوع. وقد وفّقني الله تعالى لإعداد دراسة مسهبة حول الفطرة، نُشرت في كتاب تحت عنوان "روح التربية".
الشيخ محمد الريشهري
الدكتور محمد حسين علي الصغير
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد جواد البلاغي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الأعلى السبزواري
محمود حيدر
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العقيدة، المعنى والدور
المرتدون في زمن النبي (ص)
طبيعة الفهم الاستشراقي للقرآن (1)
حين تصبح المرأة المثيرة هي القدوة، ما الذي جرى وكيف تُصنع الهوية؟
الحب في اللّه
العرفان الإسلامي
جمعية العطاء تختتم مشروعها (إشارة وتواصل) بعد 9 أسابيع
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (2)
قول الإماميّة بعدم النّقيصة في القرآن
معنى كون اللَّه سميعًا بصيرًا