السيد عباس نورالدين
إن كنّا نظن أنّ عقيدة مثل قضية المخلّص، الذي سيأتي لينجي البشرية من الظلم والفساد ويملأ الأرض قسطًا وعدلًا، لن تكون عرضة لتلاعب الحكام والملوك ورجال الدين الملاحدة والمتضررين من الدين فنحن في غاية السذاجة.
مثل هذه العقيدة لو استقرت في قلوب الناس لأحدثت ثورات اجتماعية عميقة؛ لذلك سعى الكثيرون وعلى مرّ التاريخ إلى تحريفها والتلاعب بها وتأويلها بما يخدم مصالحهم، وقد حقّقوا إنجازات كبيرة أدت إلى انحرافات هائلة (أي عقيدة محورية سيكون تحريفها عاملًا سلبيًّا كبيرًا).
يجمع أتباع الديانات التوحيدية في العالم على عقيدة المخلّص، وإن اختلفوا في شخصه وخصائصه؛ وقد اتّحدت السلطات التي حكمت المناطق التي تواجد فيها المسلمون والمسيحيون واليهود على سياسة التلاعب بهذه العقيدة، ونجم عن ذلك مذاهب ورؤى وتيارات شديدة التأثير في عالمنا اليوم.
لقد استطاع اليهود تنحية قضية المسيح المخلّص عن متن عقائدهم ليستبدلوها بفكرة أرض المعاد، أرض الحليب والعسل، الجنة المزعومة على الأرض، وذلك كما نلاحظ خدمةً لمؤامرة إيجاد الكيان الغاصب. ولهذا، نجد بعض اليهود يعتبرون أنّ فكرة إسرائيل قبل المسيح غير صحيحة، بل هي مخالفة تمامًا لتلك العقيدة، وسوف تجر على اليهود الكارثة العظمى كما حصل لهم بعد تدمير الهيكل.
لقد ترسّخ لدى اليهود، في عملية التصحيح التي جرت على مدى مئات السنين بعد التشريد العظيم، أنّ العامل الوحيد الذي سينجيهم ويرجعهم إلى عزّهم السليماني والداوودي إنّما يكمن في ظهور المسيح. وقد أصبحت هذه العقيدة محورية إلى الدرجة التي جعلت اليهود يتّخذون أهم قرارات حياتهم بناءً عليها. منها ما شاهدناه من هجرتهم إلى الجزيرة العربية واستقرارهم في أطراف المدينة المنوّرة لأجل التهيّؤ لاستقباله. لقد أجمعت نبوءاتهم على أنّ المخلّص سوف يظهر في هذه المنطقة، وكان اليهود، بل أهل الكتاب عمومًا، يعرفون عنه وعن صفاته ما جعله أكثر إلفة لهم من أبنائهم، كما قال تعالى: {الَّذينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ}.[1]
لليهود بشكل عام تاريخ ممتد وباع طويل في تحريف العقائد وتأويلها وجرّها لخدمة مصالحهم؛ فإذا كانت المنطلقات، التي ينظر من خلالها هذا الشعب إلى المخلّص، ذات طابع مادي أو دنيوي، فما أسهل أن يجري عليهم التحريف ويتقبّلونه.
لم يكن المخلّص يومًا عند اليهود أكثر من منقذ عرق خاص، يحقق لهم الأمجاد كشعب مختار، وينصرهم على الشعوب الأخرى؛ فلم تكن قضية القيم مطروحة، ولم تقم عقيدة المخلّص عندهم على أساس تحقّق الأهداف الإلهية الخالصة؛ لهذا، إذا وجد زعماؤهم وكبراؤهم في المخلّص الواقعي تنافيًا مع مصالحهم أنكروه ورفضوه وسعوا إلى قتله كما فعلوا مع عيسى بن مريم عليهما السلام.
لقد سيطرت الطبقة الدينية الحاكمة عند اليهود على عقيدة المخلّص إلى الدرجة التي تستطيع معها تجييرها في أي اتّجاه تريد. وباختصار، لم تعد هذه العقيدة ذات تأثير إيجابي بنّاء.
رغم أنّ عودة المسيح كمخلّص هي بالنسبة لمعظم المسيحيين من الثوابت، لكنّها لم تصل إلى مستوى العقيدة المحورية التي تبعث على وضع برامج وخطط للإنسان المسيحي سوى عند طائفة خاصة من الإيفانجليكيين [Evanglicals].
إنّ التركيز على الإيمان بالصلب كعنوان للمسيحيي الخالص، أصبح مهيمنًا على العقيدة التي يُفترض أن تكون عنوانًا للتحرك الإيجابي للإنسان المسيحي ـ فالخلاص يمكن أن تنشده كمسيحي من خلال ذوبانك في الصليب، وأنت تتقدّم إذا حملت صليبك على ظهرك. وبمعزل عن العوامل التي أدّت بالكنيسة إلى اعتبار هذه القضية التاريخية في هذا المستوى من المحورية، فلا نلاحظ الحضور الإيماني للعودة الثانية بما يتناسب معها.
وقد جمحت جماعات من المسيحيين البروتستانت في قضية العودة إلى الدرجة التي فاقت حجمها وتعدّت دورها ونطاقها الديني، لتصبح قضية سياسية كبرى. بالنسبة لهؤلاء العودة هدف، والعودة مصير، والعودة هي كل شيء؛ ولكن لماذا العودة والنزول من السماء؟ وما الذي ينبغي أن نفعله من مقدمات لتحققها؟ كل هذا أصبح تحت ظل جناح الحادثة المستقبلية الكبرى؛ وبذلك تغلّبت ثقافة العلامات على المقدمات والشروط، وهذا ما يذكّرنا بواقع تعيشه فئة من الشيعة الموالين لأهل البيت عليهم السلام.
ولأنّ عودة المسيح هي كل شيء بالنسبة لهذه الطائفة الإنجيلية، ولأنّ هذه العودة تأتي بعد حادثة هرمجدن الكبرى، فقد أضحت هرمجدون قضية كبرى عند هذه الطائفة التي تتواجد بشكل رئيسي في أمريكا.
ولأنّ هرمجدون بحسب التفاسير الشائعة للنبوءات ستحدث بعد أن يجتمع اليهود في فلسطين، وجدنا هذه الطائفة شديدة الدفاع عن الكيان الصهيوني حتى عُرف أتباعها بالمسيحيين الصهاينة، يحدوهم على هذا الدفاع إيمان كبير بأنّ الكيان الصهيوني سيتسبب باجتماع جيوش العالم على حرب كبرى تبيد اليهود وغير النصارى، فينزل المسيح من السماء مخلّصًا.
ولأجل ذلك، تسقط كل القيم الإنسانية، التي تدعو إليها المسيحية ولا يبقي أي أهمية للعدل ومنع الظلم، فتُرتكب أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين والشعوب المسلمة من دون أن يهتز لأتباع هذه الطائفة جفن ـ بل يهلل أصحابها فرحين جذلين لأنّهم ساهموا في ذلك كتمهيد لعودة مخلّصهم.
وهكذا تفقد عقيدة الخلاص روحها وأعظم ما فيها من مضامين إلهية وإنسانية وتكون سببًا ـ بعد تحريفها ـ لتكوين الشخصية المجرمة الحقودة التي لا تعرف الرأفة، وهي مستعدة للمضي في إجرامها إلى حد إبادة شعوب بأسرها.
ــــــــــــ
[1]. سورة البقرة، الآية 146.
الشيخ محمد الريشهري
الدكتور محمد حسين علي الصغير
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد جواد البلاغي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الأعلى السبزواري
محمود حيدر
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العقيدة، المعنى والدور
المرتدون في زمن النبي (ص)
طبيعة الفهم الاستشراقي للقرآن (1)
حين تصبح المرأة المثيرة هي القدوة، ما الذي جرى وكيف تُصنع الهوية؟
الحب في اللّه
العرفان الإسلامي
جمعية العطاء تختتم مشروعها (إشارة وتواصل) بعد 9 أسابيع
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (2)
قول الإماميّة بعدم النّقيصة في القرآن
معنى كون اللَّه سميعًا بصيرًا