مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد منير الخباز القطيفي
عن الكاتب :
رجل دين وخطيب مفكر وكاتب، يعد من أبرز علماء القطيف ومن خطبائها، ومن أبرز أساتذة الدراسات العليا (بحث الخارج) في الفقه والأصول في حوزة قم المقدسة، ولد عام 1384هـ (حوالي 1964م)، له العديد من المؤلفات.

خمسة أسباب لـقسوة القلب والإصرار على المعاصي

السبب الأول: ترادف الذنوب من دون توبة

الإنسان عندما يصنع الذنب ويبادر إلى التوبه ﴿ ... تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ... ﴾ عندما يبادر إلى الندم إلى تأنيب النفس وتقريعها، يسهل عليه أن يرجع، ولكن عندما تترادف الذنوب، أكذب وأغتاب، أعقّ والديّ، وأقيم علاقات غير مشروعه، أظلم الناس وآكل الحرام، لا أخرج الحقوق الشرعيه، ذنبٌ على ذنب، خطيئة على خطيئة، ومعصية تليها معصية، عندما تترادف الذنوب ينجم عنها قسوة القلب، ورد عن الإمام الباقر : "إذا أذنب الإنسان خرج في قلبه نُكتةٌ سوداء فإن تاب انمحت وإن عاد عادت حتى تغلبَ على قلبه فلا يُفلح بعدها أبدًا وذلك قوله تعالى ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾". صار القلب مصبوغًا بالرّين وهو الصبغ الأسود، صار قلبي قطعة سوداء لا نور فيها ولا حياة فيها، نتيجة ترادف الذنوب، وأنا أحتاج أن يكون قلبي قطعة مشرقة بيضاء، نتيجة الندم على الذنوب والحسرة عليها.

 

السبب الثاني: التعلق بالملذات

حياتنا كلها حياة ترف وملذات وحياة ماديه ليس فيها روح ولا نبضٌ أخروي، كلّها من قرعها إلى قدمها منغمسة في الحياة المادية، لماذا؟ لأننا مشغولون بأشكالها وبصورها، ومشغول بشكلي بأن أتجمل وأتلطف، وخصوصاً إذا كنتُ شاباً في عنفوان المراهقة، أكون مشغولًا بتحسين مظهري، أو مشغولًا ببطني، بأن أفكر ماذا آكل؟ بدل أن أفكر ماذا أذنبت؟ وماذا أخطأت؟ فأنا أركز على الأكل اللّذيذ، ولا أركز على الذنب والمعصية، وماذا صنعت وماذا فعلت؟ أكون مشغولًا ببطني والسيارة الجميلة والبيت والأثاث الجميل، أركز دائمًا على جمال المظهر والشكل، ولا أركز على جمال الروح، وعلى جمال النفس ﴿ ... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ وورد عن النبي (ص): "لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإن القلوب تموت كما يموت الزرع، إذا كثر عليه الماء" إنكم تركزون على الملذات.

 

السبب الثالث: صديق السوء

هل أسأل نفسي من هم أصدقائي؟ هل أصدقائي يذكرونني بالله ويذكرونني بالآخرة؟ أم أنهم لا يذكرونني إلا بالفيلم الكوميدي ومباراة كرة القدم والأسهم وماذا صار وما لم يصر؟، ما سمعتُ من أصدقائي أنهم يذكرونني بالمسجد، ويقولون هل حضرت صلاة الجماعه؟ هل يذكرونني بالقبر وبالآخرة؟

صديق السوء هو المنغمس في العالم المادي، يغمسُني معه ويجرني معه، فأنا أعيشُ في أجواء مادية كما يعيشها، لذلك ورد عن النبي (ص): "خمس خصال يقسين القلب: الإصرار على الذنب، ومجاراة الأحمق، وكثرة مناقشة النساء، والوحدة، ومجالسة الموتى". قيل يا رسول الله من هم الموتى؟ قال: "كل مترفٍ فهو ميت، وكل من يُصرّ على معصية ربه فهو ميت". مجاراة الأحمق: الأحمق الذي يستفزني ويُثيرني، أنا أجاريه فأغضب وأستفز، والغضبُ جمرة الشيطان توقّد في قلب ابن آدم.

مناقشة النساء: عندما أدخل معها في اللّجاج والشّداد فهي تسيطر عليها عواطفها، المرأة قد تغضب وتنفعل وتحاسب زوجها على الصغيرة والكبيرة بمنطق عاطفي، فأنا بدل أن أدخل معها في مناقشات قد تبحر في العاطفة، أغض النظر عن ذلك.

الوحدة: بأنه لا يبالي بمشورة الآخرين ولا نصحهم. انظر إلى صديقك ورفيقك؟ هل يفكر بالأمور المادية أو يفكر بالمعصةه؟ إذن هو ميت، مجالسة الموتى تقسي القلب.

 

السبب الرابع: عدم اغتنام الفرصة وعدم الاستعداد للآخرة

أمامنا مسيرة طويلة، نحنُ نفكر في الغد، ماذا أفعل؟ وما هو عملي بالوظيفة غدًا؟ دائمًا نظرُنا قصير، نُفكر في اليوم الآتي ماذا نصنع فيه؟ علينا أن نفكر في السفر الطويل، الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر، أمامنا سفرٌ غامض مبهم لا نعرف عن هذا السفر شيئًا، عندما أريد أن أسافر إلى أوروبا أو إيران أو أي دولة أعرف سفري، لكنّ هناك سفرًا لا أعرفُ عنه شيئًا، كيف يبدأ؟ وكيف ينتهي؟ وكيف أكون فيه؟ أمامي مسيرةٌ طويلة، فهل أعددتُ لهذه المسيرة شيئًا؟، هل اغتنمتُ فرصة العمر في التوبة والإنابة؟

النبي (ص) يُخاطبُ أبا ذر: "يا أبا ذر كن على عُمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك". كن بخيلًا على الوقت، واغتنم وقتك في التوبة والإنابة. "يا أبا ذر إنّ كل يومٍ يمر على ابن آدم يخاطبه أنا يومٌ جديد وأنا عليك شهيد فقل فيّ خيًرا، واعمل فيّ خيرًا أشهد لك بذلك يوم القيامة". هذه الدقائق التي تمرّ علينا ونحنُ ساهون لاهون وغارقون في أشياء أخرى، علينا أن نستيقظ من سباتنا ومن نومنا، نستثمر الوقت في التوبة والإنابة لربنا ﴿ ... وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ... ﴾ والتقوى موطنها القلب، إنه لن ينال الله لحومها ولا دماءها ولكن يناله التقوى منكم، والتقوى هي المدار، عدم اغتنام الفرصه يؤدي إلى مرض قساوة القلب والجفاف الروحي.

 

السبب الخامس: الغفلة عن ذكر الله

﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ... ﴾ يسمع الموعظة لكن لا يتأثر، يتأثر ما دام في المسجد فإذا خرج انتهى الأثر كله ﴿ ... وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ 5 الغفلة عن ذكر الله، أنا غافل لا أقرأ قرآن، ولا أحضر صلاة جماعة، ولا أستمع موعظة، بعيد عن مواطن ذكر الله كلها، خمسة دقائق لقراءة القرآن، أبخل على نفسي بها، عشر دقائق أقرأ بها دعاء، أبخل على نفسي بها، صلاة نافله. إذا كنت بعيدًا عن ذكر الله فما الذي يحلّ محل ذكر الله؟ تحلّ محلّه القسوة والجفاف وكذلك الشعور بالمعصية وترادف الذنوب، إذن الغفلة عن ذكر الله سببٌ من أسباب هذا المرض.

 

 

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد