مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد مغنية
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد مغنية، ولد عام 1322ﻫ في قرية طير دبّا، إحدى قرى جبل عامل في لبنان، درس أوّلاً في مسقط رأسه ثمّ غادر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وحين عاد إلى وطنه، عُيّن قاضيًا شرعيًّا في بيروت، ثمّ مستشارًا للمحكمة الشرعيّة العليا، فرئيسًا لها بالوكالة. من مؤلّفاته: التفسير الكاشف، فقه الإمام الصادق(ع)، في ظلال نهج البلاغة، الفقه على المذاهب الخمسة، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، الإسلام والعقل، معالم الفلسفة الإسلامية، صفحات لوقت الفراغ، في ظلال الصحيفة السجادية، وسوى ذلك الكثير. تُوفّي في التاسع عشر من المحرّم 1400ﻫ في بيروت، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن في حجرة 17 بالصحن الحيدري.

الحب في اللّه

الحب في اللّه علاقة نشأت بين اثنين أو أكثر في كنف الطاعة والإخلاص للّه، وكل صلة دونها هي صلة شخصية، أما صلة الحب فيه تعالى فإنها مبدأية لا شائبة فيها للذات والأنانية. إنها انجذاب إيمان إلى إيمان، وإخلاص إلى إخلاص، لا انجذاب تاجر إلى تاجر، وبائع إلى مستهلك... ولأنها تستمد وجودها وقوتها من اللّه كانت أثبت الصِّلاة وأرساها إطلاقا، لا يزيلها شيء، ولا يزعزها شيء إلا إذا زال الإيمان.

 

قال أمير المؤمنين علي (ع): «لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما بغضني، ولو صببت الدنيا بجماتها - أي بكاملها - على المنافق على أن يحبني ما أحبني». وقال حفيده الإمام زين العابدين (ع): «اللهم البس قلبي الوحشة من شرار خلقك، وهب لي الأنس بك، وبأوليائك وأهل طاعتك». وقال الإمام محمد الباقر (ع): «وإذا أردت أن تعلم أن فيك خيرًا، فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة اللّه، ويبغض أهل معصيته ففيك خير، واللّه يحبك وإذا كان يبغض أهل طاعة اللّه، ويحب أهل معصيته فلا خير فيك، واللّه يبغضك، والمرء مع من أحب».

 

وبهذا يتبين أن من يكرم أهل الدنيا، ويتجاهل أهل الإيمان فليس من اللّه في شيء، ولا أحد أجرأ عليه منه. وقال من شايع وتابع: نحن نتألف أبناء الدنيا لنرفع عن طريقهم مظلمة عن مظلوم، ونحقق مصلحة للعموم. وجوابنا على ذلك:

 

أولًا: إنّا نعرف أكثر من واحد من المتزلمين للظالم بدون قيد أو شرط، ومع ذلك لم يجلب خير الإنسان، أو يدفع ضرًّا عن إنسان، ولم يصلح شيئًا فاسدًا من مفسد، أو يقوم اعوجاجًا من منحرف، بل ازداد سيده الطاغية فسادًا يومًا بعد يوم من صحبته، بل نعرف رجلًا بشخصه واسمه يتخذ من صحبة الزعماء وسيلة للدسّ عن الأبرياء، ويحرض الأشرار على التنكيل بالأخيار، ويوغر عليهم الصدور بالكذب والافتراء، لا لشيء إلا لأنهم أرادوه للدين لا للدنيا، وللخير لا للشهوات، أرادوه عنوانًا صالـحًا للسلف الصالح، وأبى إلا أن يكون للطمع والجشع.

 

ثانيًا: إن صاحب الدنيا لا يحتفل بصاحب دين إلا إذا اتخذ منه ومن دينه وسيلة لدعم كيانه، ومحال أن يتقبل النصح، حتى من الأنبياء إذا صادم هواه... وقد دلتنا التجارب أن المخلصين من أهل العلم والدين لا وقع لهم في هذا الزمان عند السياسيين والمتزعمين، وأنهم لا يقربون أي معمم إلا إذا انسلخ عن دينه وصار من شرطتهم وجنودهم... وقديـمًا قيل: «من داخل أهل الدنيا دخل معهم». هذا إذا داخلهم بقصد الصلاح والإصلاح، فكيف بمن تابعهم طمعًا في الحطام، ورغبة في المديح والثناء من العوام.

 

إن من يؤمن باللّه، ويتوكل عليه حقًّا لا يسأل أحدًا غيره، ولا يقبل على مخلوق مثله. قال الإمام زين العابدين (ع): «اللهم ولي إليك حاجة قد قصر عنها جهدي، وتقطعت دونها حيلي، وسوّلت لي نفسي رفعها إلى من يرفع حوائجه إليك، ولا يستغني في طلباته عنك، وهي زلة من الخاطئين وعثرة من عثرات المذنبين، ثم انتبهت بتذكيرك لي من غفلتي... وقلت: سبحان ربي كيف يسأل محتاج محتاجًا؟ وأنى يرغب معدم إلى معدم؟ فقصدتك يا إلهي بالرغبة، وأفدت عليك رجائي بالثقة بك، وعلمت أن كثير ما أسألك يسير في وجدك... وأن كرمك لا يضيق عن سؤال أحد، وأن يدك بالعطايا أعلى من كل يد».

 

يقول الإمام: كيف تخضع وتستعطف من هو مثلك في العدم والاحتياج إلى اللّه سبحانه؟  كيف تقف على باب من إذا نزلت به نازلة التجأ إلى باب اللّه؟ ألا تنزه وجهك عن عبد لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وتلوذ بخالق الأرض والسماوات، وقاضي الحاجات، وكافي المهمات؟

 

أما قول الإمام: «وقد سولت لي نفسي رفعها إلى من يرفع حوائجه إليك» فقد أراد به أن يكشف عن أخطائنا، كي لا تكرر، ولا نرجو أحدًا إلا من يقدر على كل شيء، ولا يفوته شيء، ولا يعوزه شيء... وكي يؤكد هذه الحقيقة سلك نفس الطريق الذي سلكه إبراهيم الخليل (ع) مع قومه الذين كانوا يعبدون الكواكب، حيث ألزمهم الحجة حين أفل معبودهم وقال: (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ... يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

 

وبعد، فإن للناس كل الناس همومًا وحاجات، تختلف مظهرًا، وتتحد جوهرًا، لذا قال قائل: إني أخلصك من جميع همومك، على شريطة أن تأخذ بدلًا عنها هموم شخص آخر، قال هذا ليقينه بأنه لا يوجد إنسان بلا هموم.

 

واحفظ هذا الحديث الشريف، لعل اللّه تعالى ينفعك به: (إذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه، وإن استطعت أن تعمل للّه بالصّدق في اليقين فافعل، وإن لم تستطع ذلك فإنّ في الصّبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، واعلم أنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج بعد الكرب، وأنّ مع العسر يسرًا).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد