إنّ بعض الدّوافع تفسد العبادة فسادًا كاملًا وتبطلها، ولا يكفي أنّها تفرغ هذه العبادة من أيّ أثرٍ إيجابيّ، بل قد تؤدّي أيضًا إلى سقوط الإنسان، ويُعدّ الرّياء أحد أهم موانع تأثير الأعمال العباديّة وأكثرها رواجًا.
والرياء يعني إظهار النفس والتظاهر أمام الآخرين، ويعني القيام بالعمل بدافع أن يراه الآخرون ويثنوا عليه ويمجّدوه وهو يلتذّ بمثل هذا المدح ويفرح ويُعجب به. فكلّ من يقوم بالعبادة بهذه النيّة، فإنّه أثناء عبادته، سيتوجّه بكلّ حواسّه وأفكاره وأذكاره من أجل تحقيق رضا الآخرين، وهو غافلٌ عن كون هذا العمل ممّا يرضي الله أو لا!
ويوجد في القرآن الكريم آيتان بخصوص الريّاء في الصلاة، ففي إحدى السور القرآنيّة قال الله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ﴾[1]. وفي آيةٍ أخرى يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاّ قَلِيلاً﴾[2]. ولا يكفي أنّ هذه الصّلاة لن تكون ذات فائدة لهم، بل إنّها ستزيد من عذابهم[3].
أمّا النقطة المقابلة للرّياء فهي الإخلاص. فالإخلاص عبارةٌ عن قيام الإنسان بالعمل فقط من أجل الالتزام بالأمر الإلهيّ وتحصيل رضا الله، وألّا يكون في قصده ونيّته أيّ شيءٍ آخر سوى هذا. فهو لا يريد أن يظهر نفسه وعمله للآخرين من أجل الحصول على مدحهم وثنائهم، وإنّما ينظر إلى الله فقط.
بالطبع، من الممكن أن يكون عمله في محضر الآخرين، ولكن لا يكون قصده أن يراه هؤلاء. لا بل يمكن أن يكون أداء هذا العمل في محضر الآخرين في بعض الموارد أمرًا مستحبًّا ويُعدّ عبادةً إضافيّة، فيما لو أخلص الإنسان قصده، وأدّى العمل لأجل الله فقط. فنجد أنّ الله تعالى يقول في كتابه العزيز في مورد الإنفاق: ﴿قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً﴾[4].
يوجد روايات عديدة في مورد إخفاء الإنفاق وعدم إطلاع الآخرين على ما ننفقه. وقد جاء في روايةٍ أنّ الله تعالى يحبّ إذا قام عبده بصدقةٍ أو نفقةٍ ألا تعلم يده اليسرى ما تنفقه يده اليُمنى! ومثل هذه الروايات جاءت من أجل التأكيد على كمال الإخفاء في الإنفاق، ولكن مع ذلك، فإنّ الإنفاق العلنيّ يكون مطلوبًا في بعض الأحيان، ولذلك فإنّ القرآن والروايات قد أمرت بالإنفاق السرّيّ الخفيّ، وبالإنفاق العلنيّ الجهريّ. فالإنفاق العلنيّ يكون من أجل الدعوة إلى هذا العمل الحسن والترويج له، أي أنّنا ننفق أمام الآخرين من أجل أن يتأسّوا بنا، ويتشجّعوا على القيام بهذا العمل الخيّر. وبالطبع، يجب على الإنسان في مثل هذه الموارد أن يكون حذرًا جدًّا لئلا يتطرّق إليه الرياء والعجب ويفسد عمله. ويوجد حدٌّ دقيقٌ ضيّقٌ جدًّا بين الإنفاق لتذكير الآخرين والإنفاق لأجل الحصول على مدحهم، وما لم يدقّق الإنسان في ذلك، فإنّ إنفاقه قد يصبح إنفاقًا ريائيًّا.
ومن هنا يجب أن نكون في غاية الحساسيّة اتجاه هذه القضيّة ونراقب كثيرًا وندقّق، لئلا نقضي عمرنا معتقدين بأنّنا أدّينا صلاتنا على نحوٍ جيّد ويكون قلبنا مطمئنٌّ لذلك، أمّا حين يفتحون كتابنا ويصلون إلى الحساب، يقولون لنا: إنّكم قد صلّيتم كل هذه الصلوات لأجل الناس، فاذهبوا وخذوا أجرها منهم! وقد جاء في إحدى الروايات المرتبطة بخفاء الرياء، أنّه قد يكون الرياء خفيًّا وغير محسوسٍ إلى درجة أنّ الملائكة نفسها لا تلتفت إليه، والله تعالى وحده يعلم بأنّه رياء.
إنّ الأعمال التي نقوم بها يجب أن تعبر عدّة محطّات تفتيشٍ قبل وصولها إلى درجة القبول. وقد جاء في هذه الرواية: “أنّ العبد يقوم بالعمل فيرتفع إلى السماء حتّى يصل السماء الأولى، وحين تفتّش ملائكة السماء الأولى المأمورة في فحص هذا العمل لا تجد فيه أيّ مشكلةٍ وتمضيه وتقبله، ثمّ يرتفع هذا العمل إلى السماء الثانية، فلا تجد ملائكة السماء الثانية فيه أي إشكال، فتمضيه وتصدّقه. وهكذا يتدرّج هذا العمل من سماءٍ إلى أخرى حتّى يصل إلى السّماء السّابعة، وبالرغم من أنّه يكون قد تعرّض للتفتيش والفحص سبع مرّات، وفي كلّ مرّة كان الفحص أدق من سابقه، ولم يظهر فيه أي فساد أو خراب وحصل في النهاية على كل علامات القبول، لكنّه حين يصل إلى محضر الله، فإنّ الله تعالى يقول: إنّ هذا العبد لم يؤدّ العمل لي فعليه لعنتي”[5].
وعلى كلّ حال يوجد روايات كثيرة في هذا المجال أخشى أن يؤدي نقلها إلى حصول حالةٍ من اليأس. ولكن أؤكّد مرّة أخرى على أنّه ما لم يظهر الإنسان الحذر والهاجس اللازمين، يُخشى من أن يُبتلى بالرياء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] . سورة الماعون، الآيات 4-6.
[2] . سورة النساء، الآية 142.
[3] . وقد أشار القرآن الكريم إلى الرياء أيضًا في الإنفاق والزكاة، والرياء في الجهاد أيضًا. ففيما يتعلّق بالرياء في الزكاة يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الاْخِرِ﴾، [النساء، الآية 38]؛ وفيما يتعلّق بالرياء في الجهاد: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النّاسِ﴾، [الأنفال، الآية 47]. بناءً عليه، فإنّ الرّياء لا يختصّ بالصلاة. فإنّ كل عبادة يؤدّيها الإنسان من أجل التظاهر وإراءة الناس تكون عبادةً ريائيّة.
[4]. سورة إبراهيم، الآية 31.
[5] . بحار الأنوار، الجزء 70، الباب 54، الرواية 20، الصفحة 247.
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ جعفر السبحاني
السيد محمد حسين الطهراني
محمود حيدر
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ مرتضى الباشا
السيد محمد حسين الطبطبائي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
عدنان الحاجي
الشيخ محمد هادي معرفة
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الغلاة في نظر الإماميّة
الرّياء مفسد للصّلاة
نتائج السير والسلوك والحركة في صراط العبوديّة المطلقة
العواطف والسّلام الدّاخلي محاضرة للموسوي في مركز البصائر
ما بعد الفراغ العجيب
التّجربة والكيان الفلسفي
حذف الياء من بعض الكلمات في القرآن الكريم
في معنى السّكينة
هل الإسلام قادر على إسعاد البشريّة؟
المنهج اللغوي في تفسير القرآن الكريم