مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد جعفر مرتضى
عن الكاتب :
عالم ومؤرخ شيعي .. مدير المركز الإسلامي للدراسات

التفكّر والتّدبّر

لقد حث القرآن الكريم على التفكّر والتدبر في آيات الله، وفي عجائب خلقه وصنعه، في موارد كثيرة، ومنها قوله تعالى: {..كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * في الدنيا والآخرة}..[1]. وقال: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً}[2]. وقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[3].

 

ووردت روايات تحث على التفكر والتدبر أيضاً، منها: ما رواه الكليني رحمه الله، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «نبِّه بالفكر قلبك، وجاف عن الليل جنبك، واتق الله ربك»..[4]. وعنه (عليه السلام): «التفكر يدعو إلى البر والعمل به»..[5]. وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «كان أكثر عبادة أبي ذر التفكر والاعتبار»..[6]. وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة، إنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله»..[7]. والروايات في ذلك كثيرة جدّاً [8]، غير أنه لا بد من لفت النظر إلى أمرين:

 

أحدهما: أن التفكر يفرض تزويد الفكر بأدوات ووسائل ومواد يتصرف فيها، ويرتِّبها وفق معايير وضوابط، ليصل من خلالها إلى نتائج جديدة، لم يكن ليحصل عليها، لولا هذا التصرف فيما توفر لديه من معلومات..

 

ثم ينتقل من هذه المرحلة إلى مرحلة الاعتبار، الذي يتمثل في إفساح المجال لما حصل عليه من معارف من خلال ذلك التفكر والتدبر، ليدخل إلى آفاق النفس، ويثير فيها حالة من الانفعال الإيجابي، المؤثر في إيجاد الحوافز للمبادرة إلى التحرز مما تفرض الحكمة التحرز منه، والاندفاع لتهيئة الوسائل والأدوات التي تصله وتوصله إلى ما يتحتم عليه الاتصال به، والوصول إليه..

 

ولا شك في أن الحصول على رضا الله سبحانه يأتي في المقام الأول في هذا السياق، ولعل هذا هو ما يقصده المحقق الطوسي حين قال: «التفكر سير الباطن من المبادي إلى المقاصد»..

 

وهذا معناه.. أنه لا بد من تغذية الفكر بالمعارف الحقة، والصحيحة، بالاعتماد على هدي القرآن، والاستفادة من مضامين الأحاديث الشريفة، الواردة عن أهل بيت العصمة بما في ذلك مضامين الأدعية والزيارات المرسومة، وخطب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وغير ذلك..

 

ولا يكون التفكر مجرد حالة صمت، وإيحاء للنفس بالخوف والرهبة، بل مبدأ التفكر هو التدبر في آيات الله، والاطلاع على حقائق التكوين، وأسرار التشريع، وروائع الحِكَم التي زخرت بها المجاميع الحديثية عن أهل البيت عليهم السلام..

 

الثاني: قد ورد عنهم عليهم السلام النهي عن التفكر في ذات الباري جل وعلا. وقد عقد العلامة المجلسي في بحار الأنوار باباً لبيان هذا الأمر..[9]. وقد روي أن رجلاً قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): هل تصف ربنا، نزداد له حباً، وبه معرفة؟ فغضب، وخطب الناس، فقال فيما قال: «عليك يا عبد الله بما دلك عليه القرآن من صفته، وتقدسك فيه الرسول من معرفته، فائتم به، واستضئ بنور هدايته، فإنما هي نعمة وحكمة أوتيتها، فخذ ما أوتيت، وكن من الشاكرين. وما كلفك الشيطان علمه مما ليس عليك في الكتاب فرضه، ولا في سنة الرسول، وأئمة الهداة أثره، فكل علمه إلى الله. ولا تقدر عليه عظمة الله على قدر عقلك، فتكون من الهالكين» [10].

 

فأمير المؤمنين (عليه السلام) يأمرنا بأن نأخذ بما ورد في القرآن، وعن الرسول صلى الله عليه وآله، والأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وذلك يفرض علينا المبادرة إلى تعلم ذلك، وفهمه.. وأن لا نجعل للشيطان علينا سبيلاً، بالدخول في مداخل قد نضيع فيها، حيث لا يكون لدينا نور هداية، أو سبيل نجاة، من أعلام الهدى، وسفن وسُبُل النجاة..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الآيتان 219 و220 من سورة البقرة.

[2] الآية 191 من سورة آل عمران.

[3] الآية 21 من سورة الروم.

[4] وسائل الشيعة ط (الإسلامية) ج11 ص153 ومعدن الجواهر ص32.

[5] سفينة البحار ج7 ص144.

[6] البحار ج22 ص431 عن الخصال.

[7] البحار ج75 ص373، وج68 ص325.

[8] راجع: البحار ج68 ص318 ـ 328 وغير ذلك.

[9] راجع: البحار ج3 ص257 ـ 267.

[10] تفسير العياشي ج1 ص163.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد