مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

علاقة الجوار

وضع البيئة العربية كان يقتضي أن يكون الجوار مهماً، بعدما كان الوضع العام ليس مضموناً من قبل القانون، فكان الغزو والسلب بل السبي، سيد الموقف، احتاج العرب إلى وضع قوانين غير مكتوبة تحث على رعاية حق الجار، الذي يحفظ غيبة جاره، ( مالًا وعرضًا ).

 

ولذا فقد تفنن الشعراء في مدح هذه الصفة وصوروها بصور مختلفة، فقال قائلهم:

ناري ونار الجار واحدة

وإليه قبلي ينزل القدر

ما ضر جاري إذ أجاوره

أن لا يكون لبيته ستر

أعمى إذا ما جارتي خرجت

حتى يواري جارتي الخدر

ويصم عمّا كان بينهما

سمعي وما بي غيره وقر

 

وربما يكون للحالة الاجتماعية لدى العرب أثر في تعظيم أمر الجار، والاعتماد عليه، وذلك لما كان عليه العرب من الحروب وإغارة القبائل بعضها على بعض فجأة، فكان وجود النساء في جوار من يحميهن، ويحفظ غيبة رجالهن، وهكذا من يحفظ أمواله وإبله، أمراً في غاية الأهمية.

 

وجاء الإسلام بتشريعاته فأكد على حرمة الجار وحقوقه، ولزوم رعايتها، ضمن إطارين أخلاقي وشرعي، فالأول مما ينبغي رعايته والقيام به، والثاني مما يلزم.

 

فقد جاء التأكيد على الإحسان إلى الجار القريب (مكانًا أو نسبًا) والبعيد كذلك، في سياق الحديث عن أصول عقدية، من عبادة الله وعدم الشرك به، والإحسان إلى الوالدين والقرابة واليتامى.. كما في قول الله عز وجل: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شيئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إحساناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً).[1]

 

وجاءت الأحاديث عن المعصومين عليهم السلام في هذا المجال كثيرة ، ففي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليحسن إلى جاره) واعتبر من لا يأمن جاره مكائده وبوائقه فليس مؤمنًا، فقد نقل أنه قال «واللّه لا يؤمن! واللّه لا يؤمن! واللّه لا يؤمن! فقيل: يا رسول اللّه.. من؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه»، ولقد بعث رجلاً في حاجة له فابطأ عليه فلما مثُل عنده قال له: ما أبطأك؟ فقال: العري يا رسول الله! فقال النبي: أما كان لك جار له ثوبان يعيرك أحدهما؟ قال: بلى يا رسول اللّه! فقال: ما هذا لك بأخ!

 

ويعدد رسول الله صلى الله عليه وآله الحقوق الأخلاقية للجار، وإن لم تكن ملزمة شرعاً على نحو الوجوب، فيقول: إن استغاثك أغثته، وإن استقرضك أقرضته، وإن افتقر عدت عليه، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإن أصابه خير هنأته، وإن مرض عدته، وإن مات اتبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فأهد له، فإن لم تفعل فأدخلها سراً، ولا تخرج بها ولدك تغيظ بها ولده، ولا تؤذه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها [2].

 

وفي وصية أمير المؤمنين علي عليه السلام في آخر أيام حياته أنه قال لبنيه: (الله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصينا بهم حتى ظننا أنه سيورثهم).

 

وفي الخبر الذي ينقله الشيخ الصدوق بسنده عن الحسين بن علي، عن أخيه الحسن قال: رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه، لم لا تدعون لنفسك كما تدعون لغيرك؟ فقالت يا بني، الجار ثم الدار[3].

 

ورغّب في حسن الجوار لما يخلفه من آثار حياتية واجتماعية على المتجاورين، فقد روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام أنّه قال: (حسن الجوار يعمر الدّيار ويزيد في الأعمار». ونفى عن أهل البيت وأتباعه، من لم يكن حسن المجاورة لجيرانه، فقال: ليس منا من لم يحسن مجاروة من جاوره).

 

وفي رسالة الحقوق المعروفة للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام (وأما حق جارك فحفظه غائبًا وإكرامه شاهدًا ونصرته إذا كان مظلومًا ولا تتبع له عورة فإن علمت عليه شيء سوء سترته عليه وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه ولا تسلمه عند شديدة وتقيل عثرته وتغفر ذنبه وتعاشره معاشرةٍ كريمة).

 

وفي المقابل فقد حذر الإسلام من إيذاء الجار واعتبر ذلك سببًا من أسباب دخول النار وإن كان الفاعل لذلك مصليًا ومزكيًا، كما يظهر من قول رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد قيل للنبي إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل الخيرات وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا خير فيها هي من أهل النار!

 

ويظهر أن الغاية من هذه التوجيهات، بناء المجتمع المتواصل والمتعاضد والقوي، فإن قسمًا من الناس قد تربطهم علاقة القرابة، أو المصاهرة وتشكل تلك العلاقة مصدر تماسك في عوائلهم وأسرهم، غير أنها علاقة محدودة، وغير اختيارية ـ في جهة القرابة ـ.

 

بينما علاقة الجوار علاقة اختيارية، حيث بإمكان الإنسان أن يختار المنطقة التي يريد السكن فيها غالبًا، كما أنها علاقة واسعة وشاملة... ولا تتقيد تعاليم حسن الجوار بكون الجار مسلمًا، فالإسلام ـ كالقرابة ـ وإن أضاف جهات تأكيد في حسن الجوار، إلا أنه ليس شرطًا في حسن الجوار بمعنى أنه إن كان غير مسلم فلا ينبغي حفظ حقوقه كجار .. كلا! فإن نفس عنوان (الجار) يوجب له حقًّا لا بد من القيام به..

 

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: الجيران ثلاثة: فمنهم من له ثلاثة حقوق: حق الإسلام، وحق الجوار وحق القرابة، ومنهم من له حقان: حق الإسلام، وحق الجوار، ومنهم من له حق: واحد الكافر له حق الجوار[4] .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء:36

(2) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - ص 488

(3) وسائل الشيعة ج 7 - ص 113

(4) مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج 8 - ص 424

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد