
والذي لا ينبغي الذهول عنه هو: أنّ السلام الجدّيّ إنّما يتمشّى في اللقاء الجديد، فمن كان مصاحبًا لشخص ويكون مشغول الذكر به لا يسلَّم عليه، بخلاف من كان غائبًا ثمّ حضر فإنّه يتمشّى منه التسليم، وحيث إنّ المصلَّي قد أسري وعرج به، وكان مناجيًا ربّه، غائبا عن الأرض وأهلها، بل عن ما سوى اللَّه، فإذا أتمّ النجوى وأذن له الهبوط إلى الأرض والحشر مع أهلها فهو حينذاك جديد الورود، وحديث اللقاء، فيتمشّى منه التسليم، وأمّا المصلَّي الذي كان ساهيًا عن صلاته، مشغول السرّ بالأرض وأهلها فلم يكن غائبًا عنهم حتّى يحدث له اللقاء، ويصحّ منه التسليم، فلذا قال بعض الحافّين حول المعرفة ما معناه: كيف لا يستحي المصلَّي الذي له الويل لسهوه عن صلاته في التسليم، ولفظه:
واعلم: أنّ السلام لا يصحّ من المصلَّي إلَّا أن يكون مناجيًا ربّه، غائبًا عن كلّ ما سوى اللَّه، فإذا أراد الانتقال من تلك الحالة إلى حالة مشاهدة الأكوان والجماعة سلَّم عليهم سلام القادم؛ لغيبته عنهم في صلاته عند ربّه، فإن كان المصلَّي لم يزل مع الأكوان والجماعة فكيف يسلَّم عليهم؟ فهلَّا استحيى هذا المصلَّي حيث يري بسلامه أنّه كان عند اللَّه! فسلام العارف من الصلاة؛ لانتقاله من حال إلى حال، فيسلَّم تسليمتين: تسليمة على من ينتقل عنه، وتسليمة على من قدم عليه، إلَّا أن يكون عند اللَّه في صلاته فلا يسلَّم على من انتقل عنه؛ لأنّ اللَّه هو السلام، فلا يسلَّم عليه «1».
فتبيّن في هذه الصلة أمور:
الأوّل: أنّ النظام التكوينيّ يدور مدار الهداية البحتة، بخلاف التشريعيّ منه؛ لتطرّق الضلالة فيه؛ لتمرّد بعض الناس عمّا هداه اللَّه إليه.
الثاني: أنّ القنوت ممثّل لما عليه التكوين من الذلَّة والضراعة للَّه سبحانه، وأنّ القانت غير خائب؛ لأنّ المسؤول جواد لا يخيّب سائله.
الثالث: أنّ رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله – كان يقنت في صلواته كلَّها، وأنّ الصلاة الفاقدة للقنوت غير كاملة.
الرابع: أنّ التشهّد قد تمثّل أصله في المعراج، وألهم الرسول – صلَّى اللَّه عليه وآله – بما قاله فيه.
الخامس: أنّ تأويل التشهّد هو: تجديد الإيمان والإقرار بالبعث بعد الموت، وتأويل التحيّات هو: تعظيم الربّ عمّا نعته الملحدون.
السادس: أنّ سرّ التورّك وتأويله هو: إقامة الحقّ وإماتة الباطل.
السابع: أنّ المؤمن كلتا يديه يمين، وكلتا رجليه يمنى؛ لأنّه مظهر للَّه الذي ورد في وصفه أنّ كلتا يديه يمين.
الثامن: أنّ ولاية أهل البيت – عليهم السّلام – هي العلَّة الوسطى لأصل الفيض ودوامه وإن كانت العلَّيّة الحقيقية منحصرة في اللَّه تعالى، وأنّ الصلاة الفاقدة للصلاة عليهم – عليهم السّلام – غير مقبولة.
التاسع: أنّ للقيام من السجدة الأخيرة أدبًا، وله ذكر وسرّ. وأنّ الجلوس قبل النهوض إلى القيام توقير للصلاة، وتركه جفاء لها.
العاشر: أنّ الجبر والتفويض تفريط وإفراط، وأنّ المنزلة الوسطى بينهما هو اللبن الخالص المصون عن دم الإفراط وروث التفريط.
الحادي عشر: أنّ قعود العبد كقيامه باللَّه، وأنّه لولا حول اللَّه تعالى وقوّته لما قدر العبد على القعود، كما لم يقدر على القيام.
الثاني عشر: أنّ الحوقلة الطاردة لطرفي الإفراط والتفريط جارية في جميع الشّؤون بلا اختصاص لها بالصلاة.
الثالث عشر: أنّ أمير المؤمنين – عليه السّلام – كان يبرأ بالحوقلة في كلّ ركعة من القدريّة.
الرابع عشر: أنّ سرّ الحوقلة يظهر يوم تبلى فيه السرائر والأسرار، وهو يوم قيام الحقّ بساقه.
الخامس عشر: أنّ التسليم قد تمثّل أصله في المعراج، وألهم الرسول – صلَّى اللَّه عليه وآله – بما يقول فيه.
السادس عشر: أنّ تأويل السلام هو الترحّم والأمان، وأنّ الدخول في الصلاة كان بتحريم الكلام الآدميّ، والخروج منها بتحليله.
السابع عشر: أنّ علَّة اختصاص التسليم باليمين هو: التوجّه إلى كاتب الحسنات، وسبب التعبير فيه بالجمع هو: شموله لمن في اليسار من الملك، وأنّ في سلامة الصلاة سلامة سائر الأعمال.
الثامن عشر: أنّ عادة العرب قد استقرّت على إحساس الأمن بالتسليم، وأنّ السلام أمن للصلاة من الفساد.
التاسع عشر: أنّ السلام من الأسماء الفعليّة للَّه، وأنّ الإنسان الكامل مظهر له، وأنّ الملائكة يسلَّمون على المؤمن التقيّ النقيّ، وأنّ السلام العالميّ إنّما اختصّ في القرآن بنوح عليه السّلام، وأنّ الرسول – صلَّى اللَّه عليه وآله – مأمور بالتسليم على من يجيئه لتعلَّم المعارف.
العشرون: أنّ المصلَّي المناجي ربّه، الغائب عمّا سواه يتمشّى منه التسليم، وأنّ المصلَّي الساهي الذي له الويل لم يكن غائبًا عمّا سواه حتّى يقدم عليهم، فكيف يتمشّى منه التسليم؟ إلَّا أنّه كان مرائيًا، حيث إنّه بسلامه يرى أنّه كان مناجيًا ربّه، غائبًا عمّن عداه فقدم فسلَّم، والذي يراه المرائي ويريه أنّه يعبد الحقّ هو: السراب الذي يحسبه الظمآن ماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«1» الفتوحات المكّيّة : ج 1 ص 432.
مناجاة الذاكرين (4): بك هامت القلوب الوالهة
الشيخ محمد مصباح يزدي
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ..} لا تدلُّ على تزكية أحد (2)
الشيخ محمد صنقور
معنى (خشع) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
القلب يفكر مع العقل
عدنان الحاجي
العزة والذلة في القرآن الكريم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
ماذا نعرف عن القدرات العظيمة للّغة العربية؟
السيد عباس نور الدين
لا تبذل المجهود!
عبدالعزيز آل زايد
كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
الفيض الكاشاني
كيف تعامل أمير المؤمنين (ع) مع التاريخ في مجال تعليمه السياسي؟ (3)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
ضحكات المطر
حبيب المعاتيق
السيّدة الزهراء: صلوات سدرة المنتهى
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
مناجاة الذاكرين (4): بك هامت القلوب الوالهة
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ..} لا تدلُّ على تزكية أحد (2)
فريق بحث ينشر اكتشافًا رائدًا لتخليق الميثان
معنى (خشع) في القرآن الكريم
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ..} لا تدلُّ على تزكية أحد (1)
التواصل الاجتماعي في حياتنا المعاصرة
القلب يفكر مع العقل
مناجاة الذاكرين (3): آنسنا بالذّكر الخفيّ
اختتام النّسخة الخامسة والعشرين من حملة التّبرّع بالدّم (ومن أحياها) بسيهات
كتاب جديد يوثّق تكريم الدّكتور علي الدّرورة في القطيف