وبالرغم من أنّ جمیع هذه الأمور التي ذکرت فی الآیات السابقة قد جمعت في تعبیر ﴿ ... وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾، إلاّ أنّ توضیح هذه الأمور یعطی للإنسان توجّهاً أکثر فی مجال سعة علم الله.

قال بعض المفسّرين: إنّ الآية نزلت عندما حوصر المسلمون واشتدّ الخوف والفزع بهم في غزوة الأحزاب، فجاءت الآية لتثبّت علی قلوبهم وتعدهم بالنصر.

فرجع لتوّه وآوى إلى خربة كان فيها بعض المسافرين يقول بعضُهم لبعض: لِنرحل الليلة. وقال بعضهم: لِنصبر حتّى يطلع الصبح؛ فإنّ فضيلًا كامن في الطريق وسيُغير علينا. فلمّا سمع الفضيل كلامهم، أخبرهم بتوبته وآمنهم.

القرآن هو الوحي الصادر من الله تعالى إلى الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم الموجّه لجميع أفراد البشر: سواءً الذين كانوا في ذلك الزمان أو الذين جاؤوا من بعدهم وتمّ إبلاغهم به.

يجب الشروع في التبليغ من النفس ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾. ثم ينتقل التبليغ إلى العائلة ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ...﴾ وفي المرحلة الثالثة يرتفع التبليغ ليصل إلى الأقارب ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ وفي النهاية يجب أن يصل التبليغ إلى أهل المدينة ﴿وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾.

في قوله تعالى ﴿..فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ..﴾ دلالةٌ على أنّ للقلوبِ مَرَضاً، فلها لا محالة صحّةٌ، إذ الصّحّة والـمَرض متقابلان لا يتحقّق أحدُهما في محلٍّ إلّا بعد إمكان تلبُّسه بالآخر، كالبَصر والعَمى. ألَا ترى أنّ الجدار مثلاً لا يتّصفُ بأنّه مريضٌ لعدم جواز اتّصافه بالصّحّة والسّلامة.

لقد ظنّ هؤلاء أنّهم قادرون على أن يحقّقوا أهدافهم بما لديهم من إمكانات إنارة محدودة. ولكنّ نارهم سرعان ما انطفأت بسبب عوامل جوية، أو بسبب نفاد الوقود، وظلّوا حائرين لا يهتدون سبيلاً.

والآياتُ المتضمِّنة لهذا المعنى، وإن كانت كثيرةً في القرآن الكريم، غير أنَّ هذه الآية مشتملةٌ على التّعليل العقليّ الكاشف عن أنَّه لو كان هناك عبدٌ، كان من الـمُسَلَّم عند العقل أنَّ لِمولاه أنْ يتصرَّفَ فيه بالعذاب، لأنّه مولاه المالِكُ له.

يخاطبك الله تعالى، أيُّها العزيز، مبيِّناً لك في هذه الآيات منهاجاً عَمَليّاً في ساحة المعركة، لن تقوى على الالتزام به إلَّا إذا كنتَ حريصاً عليه خارج المعركة، دائباً على الدّورات التدريبيّة التي تجعلك من أهل ذكر الله، الـمُطيعين له، الصّابرين على ما أصابهم في السَّرّاء والضَّرّاء.

وقال البعض الآخر: إنّ الحرب بين الإسلام والكفر قائمة حتی ينتصر المسلمون علی الدجال، وهذا القول يستند إلى‌ حديث روي عن الرّسول الأكرم صلی اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «والجهاد ماض مذ بعثني اللّه إلى أن يقاتل آخر أمّتي‌ الدجال»

ربما قيل: إن اختلاف الألوان في أفراد الإنسان وعمدتها البياض كلون أهل النقاط المعتدلة من آسيا وأوربا، والسواد كلون أهل إفريقيا الجنوبية، والصفرة كلون أهل الصين واليابان، والحمرة كلون الهنود الأمريكيين يقضي بانتهاء النسل في كل لون إلى غير ما ينتهي إليه نسل اللون الآخر

ولا ريب أنّ المراد من ذكر اللّه هنا ليس هو الذكر اللفظي فحسب، بل حضور القلب، وذكر علمه تعالی وقدرته غير المحدودة ورحمته الواسعة، فهذا التوجه إلى اللّه يقوّي من عزيمة الجنود المجاهدين، ويشعر الجندي بأنّ سندًا قويًّا لا تستطيع أية قدرة في الوجود أن تتغلب عليه