علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

آليات في الدماغ تميّز بين الواقع والخيال

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

 

اكتُشفت مناطق في الدماغ تساعد على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو خيالي، في دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة كوليدج لندن. الدراسة (1)، التي نُشرت في مجلة نيورون Neuron، وجدت أن منطقة في الدماغ تُعرف باسم التلفيف المغزلي (وتعرف أيضًا باسم التلفيف الصدغي القذالي الوحشي) (2) - والتي تقع خلف الصدغين (منطقة تقع خلف العين وأمام الأذن في كل جانب من الدماغ (3) الواقعين أسفل الفص الصدغي (4) - مسؤولة عن مساعدة الدماغ على تمييز ما إذا كان ما نراه موجودًا بالفعل في المحيط أم من نسج الخيال.

 

يأمل الباحثون أن تُعزز نتائج دراستهم فهم العمليات الإدراكية التي تتخبط عندما يجد المرء صعوبة في التمييز بين ما هو واقعي أو غير واقعي، كما هو الحال في الفصام (الشيزوفرنيا) (5)، وقد تُسهم في نهاية المطاف في تطوير تشخيص وعلاج هذه الحالات.

 

قالت الدكتور نادين ديكسترا Nadine Dijkstra، المؤلف الرئيس للدراسة (قسم التصوير العصبي بجامعة كوليدج لندن): "ضع في مخيلتك تفاحة بأكبر قدر ممكن من الوضوح. أثناء عملية التخيل هذه، نفس مناطق الدماغ تنشط بنفس قوة النّشاط لو رأيت أمامك تفاحة حقيقية. وحتى وقت قريب، لم يكن واضحًا كيف يميز الدماغ بين الرؤية الحقيقية وتلك التي من نسج الخيال".

 

لإجراء الدراسة، طلب الباحثون من 26 مشاركًا توجيه نظرهم إلى أنماط بصرية بسيطة وإلى تخيلها في الوقت نفسه. على وجه التحديد، طُلب من المشاركين البحث عن نمط باهت (غير واضح) معين ضمن ضوضاء الخلفية (ضوضاء الكترونية) على شاشة، ومعرفة ما إذا كان النمط موجودًا بالفعل أم غير موجود. لكن، في الواقع، لم يُعرض نمط حقيقي إلا في نصف الحالات.

 

في الوقت نفسه، طُلب من المشاركين أيضًا تخيّل نمط مماثل أو مختلف عن النمط الذي يبحثون عنه، وتحديد مدى وضوح الصور الذهنية (6). عندما كانت الأنماط المعروضة هي نفس الأنماط، أفاد المشاركون بأن تصورهم (تخيّلهم) لتلك الأنماط كان واضحًا جدًّا، وكانوا أكثر احتمالًا للإفادة بأنهم رأوا نمطًا حقيقيًّا، حتى في التجارب التي لم يُعرض فيها أي نمط. هذا يعني أنهم ظنوا خطأً أن صورهم الذهنية (مخيلتهم) كانت صورًا حقيقية.

 

أثناء أداء المشاركين للمهام، رُصد نشاط أدمغتهم باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). مكّنت هذه التقنية الباحثين من معرفة مناطق الدماغ التي ظهرت فيها أنماط نشاط ساعدت في التمييز بين الصور الواقعية والصورة التي هي من نسج الخيال (الواقع مقابل الخيال).

 

وجد الفريق أن قوة النشاط في منطقة التلفيف المغزلي يمكن أن تتنبأ بما إذا كان الناس يحكمون على التجربة على أنها حقيقية أم متخيلة، بغض النظر عما إذا كانت حقيقية بالفعل. عندما كان النشاط في منطقة التلفيف المغزلي قويًّا، كان المشاركون أكثر احتمالًا للإفادة بأنهم  رأوا النمط موجودًا بالفعل.

 

عادةً ما يكون نشاط التلفيف المغزلي أضعف أثناء عملية التخيل منه أثناء الرؤية الحقيقية، مما يساعد الدماغ على التمييز بين الخيال والواقع. ومع ذلك، أثبتت هذه الدراسة أنه في بعض الأحيان، عندما كان المشاركون يتخيلون شيئًا بمستوى وضوح شديد وكأنهم يرونه حقيقيًّا أمامهم [مايعرف بالأفانتازيا الفائقة (7) hyperphantasia وهي عكس الأفانتازيا aphantasia. الأفانتازيا هي عدم القدرة على تخيل الصور الذهنية أو غياب الصور الذهنية حين يفكر شخص في شيء ما غير موجود أمامه]، كان نشاط التلفيف المغزلي قويًّا جدًّا، مما أدى إلى عدم تمييزهم بين ما هو خيال وما هو واقع.

 

قال البروفيسور ستيف فليمنغ Steve Flemin، الباحث الرئيس (قسم علم النفس وعلوم اللغة بجامعة كوليدج لندن): "تطابق نشاط الدماغ في هذه المنطقة من القشرة البصرية مع توقعات محاكاة حاسوبية بشأن مدى القدرة على تمييز الفرق بين عملية التخيل والرؤية الواقعية". وأضافت الدكتور ديكسترا: "تفيد نتائجنا بأن الدماغ يستخدم قوة الإشارات الحسية (البصرية وغيرها) للتمييز بين ما هو خيال وما هو واقع".

 

أثبتت الدراسة أيضًا أن منطقة التلفيف المغزلي تتعاون مع مناطق دماغية أخرى لمساعدتنا على التمييز بين الواقعي والمتخيل. وتحديدًا، ازداد نشاط الجزيرية الأمامية (8)- وهي منطقة دماغية في القشرة الجبهية الأمامية (الجزء الأمامي من الدماغ التي تعمل كمركز تحكم لمهام مثل اتخاذ القرار وحل المشكلات / المسائل والتخطيط) - بالتوازي مع نشاط منطقة التلفيف المغزلي عندما قال المشاركون إن الشيء الذي رأوه كان حقيقيًّا، حتى لو كان ما رأوا من نسج الخيال بالفعل.

 

قال البروفيسور فليمنغ: "سبق وأن وجدت أن هذه المناطق من قشرة الفص الجبهي مرتبطة بالقدرة على التفكير فيما يدور في أذهاننا. وتفيد نتائجنا بأن هذه المناطق الدماغية نفسها مسؤولة أيضًا في تمييز ما هو حقيقي". تقدم هذه النتائج أفكارًا جديدة عما قد يحدث من خلل في الدماغ حين يصاب بحالات نفسية، مثل حالة الفصام، حيث يصعب على المرضى التمييز بين الخيال والواقع. وقد تفيد هذه النتائج أيضًا في تطوير تقنيات الواقع الافتراضي المستقبلية، وذلك بمعرفة كيف ومتى تظهر الأشياء المتخيلة وكأنها حقيقية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- https://www.cell.com/neuron/fulltext/S0896-6273(25)00362-9

2- https://ar.wikipedia.org/wiki/تلفيف_مغزلي

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/صدغ

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/فص_صدغي

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/فصام

6- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/صورة_ذهنية

7- https://en.wikipedia.org/wiki/Hyperphantasia

8- https://ar.wikipedia.org/wiki/فص_جزيري

المصدر الرئيس

https://www.ucl.ac.uk/news/2025/jun/brain-mechanisms-distinguish-imagination-reality-discovered

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد