موقف الاتجاه الأول والثاني من المشكلة الثانية
أما بالنسبة للمشكلة الثانية وهي إذا كان لـ (ب) سبب فلماذا يكون (أ) هو السبب وليس (ج) أو (هـ)… الخ. فإن الاتجاه الأول والذي يؤكد قدرة الاستقراء على الوصول إلى اليقين، لم يتمكن ومن خلال الطرق العديدة التي وضعها للتأكد من السببية القائمة بين الحادثتين أ و ب على سبيل المثال إلا من التقليل من احتمال الصدفة النسبية ولكنها لا تفسر إمكانية القضاء عليه نهائياً.
إن الاتجاه الثاني يؤكد أن الاستقراء يؤدي إلى رجحان العلاقة بين (أ) و (ب) لكنه لا يقود إلى الجزم بهذه العلاقة. ويوجد ضمن هذا الاتجاه من يؤمن بحاجة الاستقراء إلى مصادرات خارجة عن التجربة حتى يشكل مبرراً منطقياً للاستقراء، كالفيلسوف الإنجليزي (رسل وهناك) والفيلسوف الدكتور زكي نجيب محمود، وهما لا يرون حاجة الاستقراء إلى مبرر منطقي عقلي حتى يجوز الحكم بصحة الاستدلال من حوادث الماضي على حوادث المستقبل. ويرى هؤلاء أن ما حدث في الماضي يكون بنفسه سبباً كافياً للحكم على المستقبل ولكن رجحاناً وليس يقيناً. فهناك فرق بين قضايا العلوم والرياضيات، فقضايا العلوم كلها قائمة على الترجيح لا اليقين ويمكننا ومن خلال نظرية الاحتمالات من الكشف عن احتمال عالي للقضية الاستقرائية.
المذهب الذاتي في المعرفة
هذا هو المذهب الجديد في المعرفة والذي بشّر به السيد محمد باقر الصدر في كتابه الأسس المنطقية للاستقراء. وقبل أن نستعرض الأسس التي يقوم عليها هذا المذهب الجديد، سنقوم بالتمييز بين ثلاثة أنواع من اليقين وهم: اليقين المنطقي والموضوعي والذاتي. إن اليقين المنطقي يختص بالاستدلالات الاستنباطية وأن العلاقات القائمة في هذا النوع من اليقين لا تقبل التفكيك فإذا قادنا الدليل الاستنباطي إلى العلاقة القائمة بين (أ) و (ب) فإننا نستطيع أن نجزم أنه من المستحيل ألا تكون العلاقة غير ذلك.
أما اليقين الذاتي فهي مسألة شخصية وليس لها مقياس موضوعي. أما اليقين الموضوعي فيتعلق بالاستدلالات الاستقرائية ويمكن تحقيق اليقين بالقضية الاستقرائية عن طريق تنمية الاحتمال إلى درجة عالية جدّاً من التصديق بالقضية الاستقرائية. إن هذا المذهب الذي أسماه السيد الصدر بالمذهب الذاتي يؤكد على قدرة الاستقراء للوصول إلى اليقين الموضوعي. وفي هذا الشكل من اليقين نستطيع أن نؤكد العلاقة القائمة بين (أ) و (ب) ولكننا لا نستطيع أن نجزم أنه من المستحيل أن يكون الأمر غير ذلك كما هو الحال في اليقين المنطقي. إن هدف السيد محمد باقر الصدر من نظريته الجديدة في المعرفة هو الوصول بالاستقراء إلى اليقين الموضوعي.
لنعد إلى السؤالين المركزيين في نظرية المعرفة وهما: ما مصادر المعرفة؟ وكيف تنمو؟
إن المذهب الذاتي في المعرفة يتفق مع المذهب العقلي بوجود معارف عقلية قبلية مستقلة عن الحس والتجربة تشكل الأساس أو القاعدة التي يقوم عليها البناء الفوقي للمعرفة. ولكن المذهب الذاتي يختلف عن المذهب العقلي في تفسيره للكيفية التي تنمو بها المعرفة.
إن المذهب العقلي يؤمن بطريقة واحدة لنموّ المعرفة وهي طريقة التوالد الموضوعي، بينما يؤمن السيد محمد باقر الصدر في مذهبه الذاتي بوجود طريقتين لنمو المعرفة وهما طريقة التوالد الموضوعي والذاتي.
والتوالد الموضوعي يعني أن معرفة جديدة تنشأ للتلازم الموضوعي القائم بين الجانب الموضوعي من المعرفة المولدة والجانب الموضوعي من القضية المتولدة. وهذا التوالد الموضوعي هو الأساس الذي يقوم عليه القياس الأرسطي. ومن أمثلة المعارف المتولدة بطريقة التوالد الموضوعي نظريات إقليدس في الهندسة التي تولدت من بديهيات تلك الهندسة.
أما التوالد الذاتي فيقصد به أنه بالإمكان أن تتولد معرفة جديدة بدون أن يستلزم ذلك تلازماً موضوعياً بين القضيتين المولدة والمتولدة. بل إن المبرر لنشوء معرفة من معرفة أخرى هو التلازم بين الجانبين الذاتيين للمعرفة. ويعبر عن هذا النوع من التوالد في الاستدلال الأرسطي خطأً لأن الإستدلال الأرسطي يستهدف النتيجة التي تفضي إلى اليقين المنطقي التي تعبر عن شكل من العلاقة لا تقبل التفكيك.
ومن أمثلة المعارف المتولدة بطريقة التوالد الذاتي هو جميع القضايا المستنتجة من التعميمات الاستقرائية إذ لا يوجد أي تلازم موضوعي بين مجموعة الأمثلة والشواهد التي تم إختبارها وبين تلك التعميمات. فالعلم بالتعميم ينشأ عن طريق العلم بهذه الأمثلة والشواهد دون أن يكون هناك تلازم موضوعي بينهما بل على طريقة التوالد الذاتي. وبالتالي فإن جميع الحقائق العلمية هي حقائق مستنتجة بطريقة التوالد الذاتي، بل إن معظم المعرفة البشرية قد استنتجت بهذه الطريقة.
إن الدليل الاستقرائي من وجهة نظر هذا المذهب الجديد يمر بمرحلتين:
الأولى: مرحلة التوالد الموضوعي، وهي المرحلة التي يتم تطبيق نظرية الاحتمالات بالتعريف الجديد الذي تبناه السيد محمد باقر الصدر وهو تعريف الاحتمال على أنه علم إجمالي على الأمثلة والشواهد التي تم استقراؤها. وكلما زاد عدد الشواهد زاد الاحتمال بالقضية الاستقرائية. ونستطيع أن نرفع من سقف الاحتمال بالقضية الاستقرائية إلى أقصى حد ممكن ولكن دون أن نصل في هذه المرحلة إلى اليقين بها. وفي هذه المرحلة من الاستدلال لا نحتاج إلى الإيمان العقلي القبلي بالسببية بل نحتاج فقط إلى عدم رفضها، بعدها يمكن أن نبرهن على السببية القائمة بين قضيتين باستخدام نظرية الاحتمالات. ولا نحتاج في هذه المرحلة إلا إلى التسليم بالمصادرة العقلية وهي عدم اجتماع النقيضين.
الثانية: مرحلة التوالد الذاتي، وفي هذه المرحلة استطاع السيد أن يبرهن على هذا الاحتمال العالي وتحويله إلى يقين موضوعي بالقضية الاستقرائية. ولكي يتسنى للدليل الاستقرائي القفز درجة من الجزم والوثوقية بالعلاقة القائمة بين قضيتين يفترض السيد محمد باقر الصدر مسلمة عقلية مفادها أن الذهن البشري مجهز على إلغاء أو إهمال هذا الكسر الضئيل من بعد أن وصل الاحتمال بالاستقراء إلى درجة عالية جداً. بمعنى أن العقل البشري العملي مصمم بحيث يتعامل مع الحقائق المستنتجة بطريقة الاستقراء على أنها حقائق قطعية. من هنا فإن الجانب الذاتي من المعرفة التي أفادته هذه المسلمة العقلية تلعب دوراً كبيراً في تصديق القضايا والتعامل معها على أساس من الجزم واليقين.
هذا بشكل مختصر للملامح العامة للمذهب الذاتي في المعرفة الذي أسسه السيد محمد باقر الصدر وأنا أعتقد أن العلوم الحديثه مدينة له بهذا الإنجاز لأنه خلّصها من مشكله خطيره للغاية كانت تلازمها من بداية تاريخ البشريه.
الشيخ محمد صنقور
السيد علي عباس الموسوي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد جعفر مرتضى
عدنان الحاجي
د. سيد جاسم العلوي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشهيد مرتضى مطهري
حيدر حب الله
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
امتناع الرؤية البصريَّة وقوله تعالى:{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
بمَ ينتصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
(بحيرة القنادس) المجموعة القصصيّة التّاسعة للكاتب جواد المرهون
اختتام حملة التّبرّع بالدّم (ومن أحياها 23)
دقائق في القرآن هي روائع في التعبير (4)
سياسة القتال (1)
المواد الكيميائية في أدمغتنا وتأثيرها في سلوكنا (2)
المشكلة الاستقرائية على ضوء المذهب التجريبي والمذهب الذاتي في المعرفة (2)
ما هي حقيقة لقاء الله؟
علم التفسير وطبقات المفسرين