المترجم: عدنان أحمد الحاجي
س: المحطة التالية في رحلتنا عن المواد الكيميائية في الدماغ وكيف تؤثر في كل جانب من جوانب حياتنا، الانجذاب والحب الرومانسي.
أولًا، هناك تحذير بسيط بشأن جميع الأبحاث التي أُجريت في هذا المجال، وحقيقة أن معظمها يُركز على العلاقات بين الجنسين. هل هذا صحيح؟
ج: نعم، إنه كذلك. أُجريت بعض الدراسات على الأزواج الشباب والمكتفين بزوجة واحدة ومتعددي الزوجات.
بعد ملاحظة ذلك، ما الذي يحدث في الدماغ، على حد علمنا، عندما نشعر بالانجذاب والحب الرومانسي؟
نعرف القليل عما يحدث في دماغ الناس عندما ينظرون، على سبيل المثال، إلى صور الذين ينجذبون إليهم. أجريت بعض الدراسات التي أجرت تصوير للدماغ، وبحثت في هذا النوع من الأمور. ونعتقد أن هناك بعض المواد الكيميائية المختلفة الداخلة في عملية الانجذاب.
نعتقد أن هناك على الأرجح بعض الدوبامين، الذي قد يدفعك نحو الشخص الذي تعجب به. ثم هناك ما نسميه بمواد المتعة الكيميائية، والتي تُفرز في هذه المناطق الصغيرة المعينة في دماغنا عندما نقوم بعمل جيد من أجل البقاء على قيد الحياة. وهي مواد كيميائية مثل المواد الأفيونية، وهي لها علاقة بالأفيون، مثل الهيروين والمورفين، وهي نسخ منها لكنها تنتج طبيعياً في الدماغ.
قد تعمل هذه المواد الأفيونية المنتجة طبيعيًّا في الدماغ كمسكنات ألم، لكنها قد تضفي أيضًا علينا شعورًا بالمتعة. وكذلك الكانابينويدات (1)، وهي مواد كيميائية طبيعية لها علاقة بالمكون الفعال أو النشط في الماريجوانا. لذا نعتقد أن هناك احتمالًا لإفرازها في الدماغ.
ولكن مجددًا، الأمر معقد جدًّا. قرأتُ دراسة وجدتْ أن إفراز هذه المواد الكيميائية الممتعة يبدأ عند النظر إلى صور شخصٍ يبدو لهذا الناظر جذابًا، ولكن فقط لو بدت أن تلك الصورة وكأنها تتواصل معك بصريّا (العين تنظر في العين).
صحيح.
في الواقع، إذا بدا الشخص الذي يبدو جذابًا بالنسبة لك أنه لا يتواصل معك بصريًّا، بل يشيح بوجهه عنك، فستفرز كمية أقل من هذه المواد الكيميائية مقارنةً بـما لو كان الشخص لا يبدو جذابًا لك.
يا له من أمر غريب.
لذا، الأمر معقد بعض الشيء. لكن مجددًا، يبدو الأمر منطقيًّا نوعًا ما، لأنه إذا بدا شخص في الطرف الآخر من المطعم أنه جذابًا بالنسبة لك، ولكن حين نظرت إليه، بادلك النظرة، فربما كان هناك إعجاب متبادل. أما إذا نظرت إليه وأشاح مباشرةً بنظره عنك، فقد تكون هذه أمارة على عدم إعجابه أو اهتمامه بك.
لذا أعتقد أن دماغك يحاول تحليل هذه الأمور ويدفعك نحو الشخص الذي قد يبادلك الإعجاب والانجذاب.
س: ما دور الرائحة إذن في الجذب، وكيف تتفاعل مع المواد الكيميائية في أدمغتنا؟
ج؛ "إذن، الروائح مثيرة للاهتمام جدًّا، نظرًا للضجة الكبيرة التي أحاطت بفكرة الفيرومونات في الجذب. ونحن نعلم أنها مهمة جدًّا لمختلف الحيوانات. الفيرومونات مادة كيميائية تُفرزها أنواع معينة من الحيوانات وتُسبب ردّ فعل معينًا لدى فرد آخر من نفس النوع.
لذا، لها وظائف مختلفة ومتنوعة. هناك فيرومونات للجذب، والعديد من الحيوانات، على سبيل المثال، تُفرز الإناث فيرومونًا عندما تكون في فترة الخصوبة، فتنشره على شجرة أو على أي مكان، ثم يشمه الذكر منها ويقتفي الرائحة ويجد الأنثى الخصبة المستعدة للتزاوج. ليس لدينا أي دليل علمي مقنع حتى الآن على أن لدى البشر قدرة على إنتاج الفيرومونات أو شمها.
لذا، فإن معظم الحيوانات التي تستخدم الفيرومونات لديها عضو حسّي (شمي) خاص مسؤول حصريًّا عن الفيرومونات. يُسمى العضو الميكعي الأنفي (2)، وهو منفصل عن جهاز استشعار الروائح. لا يبدو أن البشر يمتلكون هذا العضو.
"لقد وُجد في بعض الحالات، ولكنه يبدو أشبه بنوع من الأشياء المتخلفة من الناحية التطورية من بعض الحالات السابقة. لكن الدراسة التي ادّعت اكتشافها، فيها الكثير من المشكلات. على سبيل المثال، كانت هناك دراسة شهيرة جدًّا. تُعرف هذه الدراسة باسم دراسة القمصان ذات الرائحة الكريهة. وما فعله الباحثون حينئذ هو أنهم كلفوا مجموعة من الطلاب الجامعيين بارتداء قمصان لبضعة أيام دون استخدام أي مزيل عرق أو أي شيء آخر. ثم أعطوها للنساء لشمها، وكان على النساء اختيار الأكثر جاذبية من هؤلاء الذكور.
حسنًا، أبدت النساء تفضيلاتهن، لكن هذا لا يعني في الواقع أن ذلك له علاقة بالفيرومونات. لأنه إذا كان أحد هؤلاء الرجال يُفرز فيرومونًا، فمن المفترض أن تُفضّل جميع النساء قميصه.
س: صحيح.
تذكروا، يجب أن يكون للفيرومونات نفس التأثير على كل فرد، حسنًا، في هذه الحالة، سيكون الجنس الآخر. لذا، في الواقع، ما نراه هنا هو أن لكل إنسان تفضيلاته الخاصة حين يتعلق الأمر برائحة إنسان آخر. هذا ليس فيرومونًا، بل هو تفضيل لرائحة معينة.
س: ولا أستطيع إنهاء حديثنا عن الحب دون ذكر الأوكسيتوسين، وهو مادة كيميائية أو هرمون يربطه معظم الناس بالحب. هل يمكنكِ التحدث عن ماهيته ودوره؟
ج: نعم، لقد غطينا نوعًا ما المرحلة الأولية من الانجذاب. ولكن عندما يتعلق الأمر بالحب طويل الأمد، لا بد من وجود هذا الترابط طويل الأمد. وهنا يأتي دور الأوكسيتوسين الكيميائي (3)، بالإضافة إلى مادة كيميائية وثيقة الصلة تُسمى الفازوبريسين [وعلاقته بـ الأوكسيتوسين] (4).
والسبب الذي يجعلنا نعرف هذه المواد الكيميائية يأتي في الواقع من حادثة مثيرة للاهتمام.
كان بعض الباحثين يُجرون أبحاثًا حول القوارض التي تعيش بالقرب من جامعتهم. لذلك كانوا يصطادون القوارض، ويُصنفونها، ثم يُطلقونها مرة أخرى لمعرفة ماذا تفعل في الجوار. ولاحظوا أن هذا النوع من فأر الحقل، المسمى فأر البراري، كان دائمًا ما يتواجد في أزواج من الذكور والإناث [أي ذكر مع أنثى - يقتصر على زوجة واحدة].
لذلك في كل مرة كانوا يصطادون فيها فأرًا، يجدونه مع شريك حياة واحد. لذلك أصبحوا مهتمين جدًّا بهذه الظاهرة، وبدأوا يحاولون تحليل ما يحدث. وعرفوا أن فئران البراري هي أحادية الأزواج [أي يقتصر الذكر على زوجة واحدة].
وهذا أمرٌ غير مألوف لدى الثدييات، ويكاد يكون نادرًا لدى القوارض. لذا بدأ الباحثون تحليل ما يحدث.
وقارنوا فئران البراري بحيوانٍ قريبٍ منها يُسمى فأر الجبل، وهو، متعدد الزوجات. وقد سمح لهم ذلك بفهم الاختلاف بين أدمغة هذين النوعين من الفئران. وأرجعوا السبب إلى هاتين المادتين الكيميائيتين، الأوكسيتوسين والفازوبريسين.
ففكروا، حسنًا، رائع، لنختبر نظريتنا. لنُعطِ فأرًا جبليًّا جرعة أوكسيتوسين ونرى إن كان ذلك سيجعله يقتصر على زوجة واحدة. لكن ذلك لم يحدث، وهو ما أثار دهشتهم في البداية.
لكن هذا يُعيدنا إلى فكرة أن المادة الكيميائية لا تُحدث أي أثر بمفردها. لذا، اتضح أن المشكلة تكمن في أن فأر البراري لديه مُستقبلات للأوكسيتوسين فيما يُعرف بدائرة المكافأة في الدماغ (5)، بينما لا تمتلك فئران البراري أي مُستقبلات. لذا، لابد من وجود المادتين الكيميائيتين ومُستقبلاتهما حتى يكون هناك تأثير.
س: "إذن، كيف يعمل الأوكسيتوسين في أدمغتنا؟
وهذا يوحي بقوة بأن لدى البشر نفس هذه العملية (وجود المادتين الكميائيتين والمستقبلات). وقد أُجريت أيضًا بعض الدراسات الرائعة التي أشارت إلى أن هذه العملية أجريت تحديدًا على الرجال. فالرجال الذين لديهم جينات تنتج عددًا منخفضًا من مستقبلات الفازوبريسين في مناطق دماغية معينة يُرجح أن تكون مستويات الرضا عن علاقاتهم الزوجية منخفضة، ولذلك هم أكثر احتمالًا للطلاق.
لذا، فهو ليس دليلاً مباشراً، ولكنه يشير بشكل غير مباشر إلى احتمال وجود علاقة بين السعادة في الزواج المقتصر على زوجة واحدة ووجود وفرة من المستقبلات مع هاتين المادتين الكيميائيتين.
"هذا مثير للاهتمام للغاية، لأن المسألة لا تقتصر على المادتين الكيميائيتين المؤثرة في الانجذاب والحب فحسب، بل كل ما تحدثنا عنه، كل هذا يقود إلى سؤال وجودي، وهو: من نحن؟ وإلى أي مدى نتحكم بأنفسنا، مقابل وجود وتأثير المواد الكيميائية في أدمغتنا التي تتحكم في سلوكنا؟".
ج: هذا إذن هو السؤال المهم، فمن الواضح أننا لسنا فئرانًا. لكننا نعلم أننا ننتج هاتين المادتين الكيميائيتين. ونعلم أيضًا أن لدينا مستقبلات لهذه المادتين الكيميائيتين في مركز المكافأة في أدمغتنا.
حسنًا، هذا سؤالٌ مثير للاهتمام بالفعل، فمن الصعب جدًّا صياغته بطريقةٍ منطقية. فعندما تقول "نحن" و"أدمغتنا"، عمّا تتحدث تحديدًا؟ لأننا نحن أدمغتنا وأدمغتنا نحن، إلا إذا كنت ممن يؤمن بوجود روحٍ منفصلة أو شيءٍ من هذا القبيل، وهو ما لا يؤمن به معظم العلماء هذه الأيام، فنحن نعتقد أننا المجموع الكلي لما يحدث في أدمغتنا.
ولكن يمكنك تقسيم الدماغ إلى قسم ندركه بوعي، وكل ما يحدث في اللاشعور. هكذا أحب أن أتأمل في الأمر، فأنا القسم الواعي من دماغي، ويمكنني التحكم بوعي في القسم اللاواعي منه، إن كان ذلك منطقيًّا. من الصعب بالفعل إيجاد الكلمات المناسبة للحديث عن ذلك المفهوم.
لكن على سبيل المثال، لنلتزم بالزواج المقتصر على زوجة واحدة. فمجرد انخفاض مستويات هذه المستقبلات لدى المرء لا يعني بالضرورة أن الزوج سيرتكب خيانة زوجية ويعاشر غير زوجته. فهي ليست قاعدة ثابتة.
"يمكنك التحكم في تلك المشاعر والسلوكيات. ليس كل من يحمل هذا الجين ينتهي بالطلاق. لذا فنحن لدينا القدرة في التحكم في ميولنا ودوافعنا الجنسية.
يمكننا أيضًا اختيار توظيف هاتين المادتين الكيميائيتين بطريقة تُساعدنا. على سبيل المثال، يُفرز هرمونا الأوكسيتوسين والفازوبريسين عند ممارسة العلاقة الحميمية، وكذلك عند العناق. في الواقع، يفرزان في حالة أي نوع من اللمس العميق لطفلك [ومنه العناق، والضغط، والتدليك، والتقميط (6)]،حتى البطانيات الثقيلة، يُمكن أن تّفرز الأوكسيتوسين والفازوبريسين.
ويمكن لهتين المادتين الكيميائيتين أن تُساعدنا على تشكيل رابطة مع الزوج (الزوج أو الزوجة) الذي نعانقه أو نمارس علاقة حميمية معه، كما يُمكن أن يكونا عاملين مُهدئين ومريحين جدًّا. لذا، نعلم أنهما يخفضان من مستوى القلق. ونعتقد أن هذا أحد الأسباب التي تجعل الذين لديهم شبكات دعم اجتماعي جيدة يتمتعون بصحة أفضل بشكل عام، لأن الأوكسيتوسين يقي في الواقع من بعض الآثار السلبية لهرموني التوتر، الكورتيزول والأدرينالين.
"لذا، الاستفادة من هذه المواد الكيميائية النافعة - عبارة "المواد الكيميائية المفيدة" لا تعجبني، ولكن لو شعرت بالتوتر، حاول معانقة شخص تعرفه، أو التربيت على حيوانك الأليف، أو عمل مساج، فإن هذه الأشياء يمكن أن تكون نافعة جدًّا. لكنني أعتقد أن هذا أحد أسباب حماسي الشديد لدراسة علم الأعصاب، وينتابني شعور كبير بالدهشة والذهول حين أتأمل في الدماغ.
الدماغ معقدٌ جدًّا. صحيحٌ أنه أحيانًا تختل بعض وظائفه، لكنه في أغلب الأحيان، يقوم بكل هذه الوظائف دون أن ندري، ويبقينا على قيد الحياة، ويسمح لنا باكتشاف ما حولنا والعالم.
ينتابني شعورٌ بالرهبة عندما أفكر في الدماغ. وآمل أن أكون قد نجحتُ في إيصال بعضٍ من هذه الرهبة إلى الناس أيضًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/كانابينويد
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/عضو_ميكعي_أنفي
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/أكسيتوسين
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/فازوبرسين
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/نظام_المكافأة
6- https://communikidsnj.com/deep-pressure-sensory-input-understanding-the-benefits-and-neurochemistry/
الشيخ محمد صنقور
السيد علي عباس الموسوي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد جعفر مرتضى
عدنان الحاجي
د. سيد جاسم العلوي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشهيد مرتضى مطهري
حيدر حب الله
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
امتناع الرؤية البصريَّة وقوله تعالى:{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
بمَ ينتصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
(بحيرة القنادس) المجموعة القصصيّة التّاسعة للكاتب جواد المرهون
اختتام حملة التّبرّع بالدّم (ومن أحياها 23)
دقائق في القرآن هي روائع في التعبير (4)
سياسة القتال (1)
المواد الكيميائية في أدمغتنا وتأثيرها في سلوكنا (2)
المشكلة الاستقرائية على ضوء المذهب التجريبي والمذهب الذاتي في المعرفة (2)
ما هي حقيقة لقاء الله؟
علم التفسير وطبقات المفسرين