علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

مهارات القراءة - وصعوباتها - عند الأطفال تظهر أبكر بكثير قبل دخولهم رياض الأطفال

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

 

لقد عرف الخبراء من مدة طويلة أن مهارات القراءة لدى الأطفال تتطوّر قبل بدئهم مرحلة رياض الأطفال، لكن دراسة جديدة من كلية الدراسات العليا للتربية بجامعة هارفارد تفيد بأن هذه المهارات قد تبدأ بالتطور منذ الطفولة المبكرة [وهي الفترة العمرية بين الولادة واكتساب اللغة، والتي تتحق بعد الولادة بحوالي سنة إلى سنتين، بحسب الموسوعة البريطانية (1)].

 

وجدت الدراسة، التي أُجريت في مختبر نادين غاب Nadine Gaab، الأستاذ المساعد في التربية، أن مسارات التعلم بين الأطفال الذين يجدون صعوبات في القراءة والأطفال الذين لا يجدون صعوبات في القراءة تبدأ بالتباين في سن 18 شهرًا تقريبًا - وليس عند سن السنة الخامسة أو السادسة كما كان يُعتقد سابقًا.

 

وأوضحت غاب أن هذه النتيجة قد تكون لها تبعات سلبية على السياسات التربوية والتعليمية، إذ أنها تُؤكد على ضرورة الكشف المبكر عن صعوبات القراءة عند الطفل، والتدخل المبكر، وتحسين منهج القراءة في المرحلة المبكرة في رياض الأطفال. [منهج ينطوي على التالي: (أ) تطوير وتنمية مهارة اللغة الشفوية، بما فيها اكتساب المفردات والتعبير اللفظي بها والاستماع إلى ما يقال وفهمه؛ (ب) فهم الحروف الأبجدية، والذي يشمل تمييز أصوات حروف الكلمة؛ و(جـ) معرفة قراءة المكتوب (المطبوع) (2)].

 

"تفيد نتائجنا بأن بعض هؤلاء الأطفال يبدأون مرحلة الروضة بحقائب صغيرة يحملونها فوق ظهورهم وأدمغة (وعقول) غير مهيأة بعد للبدء بتعلم القراءة، وأن هذه التباينات في تطور ونمو الدماغ تبدأ في الظهور في مرحلة الدرج [أي المشي، والتي تمتد من سن سنة إلى ثلاث سنوات (3)]"، بحسب غاب. "لا نزال نلاحظ أطفالًا يعانون من صعوبات في القراءة في الصف الثاني، بل حتى في الصف الثالث الابتدائي. علينا أن نكتشف هؤلاء الأطفال قبل تلك المرحلة بزمن طويل ونتدخل في وقت مبكر جدًّا لأننا نعرف أنه كلما كان الدماغ أصغر سنًّا، كان مرنًا أكثر لتعلم اللغة".

 

عملت غاب والمؤلفون المشاركون تيد توريسكي Ted Turesky وإليزابيث إسكالانتي Elizabeth Escalante وميغان لوه Megan Loh على عينة من 130 طفلًا مشاركًا في الدراسة، أصغرهم يبلغ 3 أشهر. 80 من المشاركين كانوا من منطقة بوسطن، و50 منهم كانوا من ضمن عينة من كندا. على مدار العقد الماضي، تتبع الباحثون تطور ونمو أدمغة المشاركين من مرحلة الرضاعة إلى مرحلة ما قبل الروضة، وعلاقتها بتطور قدرتهم على القراءة، باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي. وبفحوصات ومقاييس سلوكية وفرتها مجموعة بيانات التصوير بالرنين المغناطيسي لمرحلة ما قبل المدرسة في مدينة كالغاري الكندية.

 

هناك دراسات أخرى تتبعت نمو وتطور أدمغة أطفال، لكن هذه هي الدراسة الطولية (من حيث المدة الزمنية) الوحيدة في العالم التي تتبعت تطور ونمو الدماغ من مرحلة الرضاعة إلى مرحلة ما قبل رياض الأطفال باستخدام مقاييس شاملة لنتائج القراء، وفقًا لغاب وتوريسكي.

 

وأضاف توريسكي: "كانت عينات تلك الدراسات الأخرى أكبر من تلك التي استخدمناها في الدراسة، لكن دراستنا ركزت بشكل أكبر على نضج الدماغ [بلوغ الدماغ مرحلة النضج والذي يصل تقريبًا إلى حد يصبح فيه شبيهًا بدماغ من هم بسن مرحلة الرشد عند بلوغ الطفل السنتين تقريبًا (3)]. لم نشهد نحن المؤلفين، دراسات أخرى بدأت في مرحلة الرضاعة، وتتبعت نضج الدماغ لدى نفس المجموعة العمرية من الأطفال لفترة مماثلة كما فعلنا، حيث أدرجنا المخرجات أو النتائج الأكاديمية في دراستنا".

 

سعى الباحثون أيضًا إلى التعمق في معرفة كيف تتعلم الأدمغة بشكل عام، وكيف تتعلم القراءة بشكل خاص. القراءة هي قدرة معقدة تستلزم التطور المبكر لمناطق دماغ معينة وتفاعل مختلف المهارات الجزئية المتدنية المستوى، بما في ذلك المعالجة الصوتية [تمييز أصوات نطق الحروف وبالتالي الكلمات حتى تساعد على فهم اللغة المنطوقة (5)] واللغة المحكية [القدرة على التفوه بحروف وكلمات تعطي معنىً للمتكلم وللسامع (9)]. وأوضحت غاب أن أسس الدماغ للمعالجة الصوتية، والتي عُرِّفت سابقًا بأنها من أقوى المؤشرات السلوكية على مهارة (القدرة على) فك الترميز [أي عملية تحويل الحروف المكتوبة إلى أصوات والمفردات إلى كلام (9)] وعلى القدرة على قراءة المفردات، تبدأ هذه العملية بالتطور عند الولادة أو حتى قبل ذلك، ولكنها تخضع لمزيد من الصقل والتهذيب بين مرحلة الرضاعة ومرحلة ما قبل المدرسة. وقد أيدت دراستنا هذا الرأي وذلك بعد اكتشاف تواسط المعالجة الصوتية العلاقة بين التطور المبكر للدماغ وبين التطور اللاحق للقدرة على قراءة الكلمات.

 

يعتقد معظم الناس أن القراءة تبدأ مع بدء الدراسة الرسمية، أو عند البدء بنشيد الحروف الأبجدية (أ، ب، ت، إلى أخر الأبجدية)، كما قالت غاب. وأضافت: "على الأرجح، يبدأ تطور القدرة على القراءة في الرحم، لأن القدرة الأساسية على تعلم القراءة، والتي تُعدّ اللغة الشفهية جانبًا منها، هي سماع الأصوات والبدء بتعلم (باكتساب) اللغة (10) في الرحم".

 

"تشير نتائجنا إلى أن بعض هؤلاء الأطفال يدخلون يومهم الأول في الروضة بحقائب صغيرة يحملونها على ظهورهم لكن أدمغتهم غير مُهيأة بعد لتعلم القراءة، وأن هذه الاختلافات في تطور نمو الدماغ تبدأ بالظهور في مرحلة الطفولة المبكرة"، بحسب نادين غاب.

 

إلى جانب التصوير بالرنين المغناطيسي، انطوت الدراسة على قياسات نفسية (11) للأطفال، بما في ذلك اللغة والقدرات الإدراكية العامة [ومنها القدرة على التعلم والتذكر (11)]، ولغة الأم، والبيئة [البيتية و/ أو المدرسية] المحفزة على القراءة، لدراسة مدى تأثير هذه المتغيرات في تطور مهارة القراءة.

 

قالت غاب: "كنا نعرف ومن مدة ليست بالقصيرة أن أدمغة الأطفال، الذين يجدون صعوبات في القراءة، قد تطورت ونمت بشكل مختلف. ما لم نكن نعرفه هو ما إذا كانت أدمغتهم تتغير [ديناميكيًّا] استجابةً للصعوبات اليومية التي يمرون بها في المدرسة، ما من شأنه أن يؤدي إلى اختلافات في أدمغتهم. أو ما إن الأطفال يبدأون اليوم الأول من الدراسة الرسمية بأدمغة غير مهيأة تمامًا لتعلم القراءة، ما من شأنه أن يُسبب صعوبات لديهم في القراءة على الأرجح. أفادت نتائجنا، من بين نتائج أخرى في المختبر، بأن الأطفال يبدأون يومهم الدراسي الأول بأدمغة غير مهيأة تمامًا لتعلم القراءة، وأن هذه الاختلافات الدماغية تبدأ قبل مرحلة رياض الأطفال بزمن طويل".

 

تُشير غاب إلى دراستها، المُموَّلة بمنحة من المعاهد الوطنية للصحة، كمثال على مدى إسهام العلوم الأساسية في توجيه الممارسات والسياسات التعليمية. كانت غاب وفريقها على استعداد لمواصلة ومتابعة الأطفال في الدراسة حتى المرحلة الإعدادية والثانوية إلى خمس سنوات أخرى لكن الاقتطاع من الميزانية الفدرالية جعل مواصلة العمل عليها غير مؤكد.

 

وقالت غاب: "السنوات الأربع الأولى من تطور القراءة تتمحور حول تطور اللغة الشفهية. لكن الهدف النهائي من تعلم القراءة هو فهم الطفل ما يقرأه. ركزت دراستنا على طريقة تعلمهم قراءة الكلمات. كنا نأمل في متابعتهم على مدى خمس سنوات أخرى لدراسة فهمهم للنصوص المقرؤة". لكن التمويل الفدرالي لجامعة هارفرد قد لا يكون مؤكدًا. وقالت: "إنه أمر يدعو للأسف بالفعل حيث أن هؤلاء الأطفال المشتركين في الدراسة سينهون اشتراكهم فيها ويلتحقون بجامعاتهم وسنفقد فرصة متابعتهم واستكمال نتائج هذه الدراسة". وأضافت: "لو استمرت هذه الدراسة لكان من شأنها أن توفر معلومات بالغة الأهمية لقياس فهم ما يقرأون على الأقل، حتى لو لم نستطع تصوير أدمغتهم مرة أخرى، في المرحلة الإعدادية وبداية المرحلة الثانوية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- https://www.britannica.com/science/infancy

2- http://https://www.readingrockets.org/topics/policy-politics-statistics/articles/early-literacy-policy-and-practice-preschool-years

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/طفل_متهاد

المصدر الرئيس

https://news.harvard.edu/gazette/story/2025/06/reading-skills-and-struggles-manifest-earlier-than-thought/

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد