علمٌ وفكر

المعاد الروحاني

ابن ميثم البحراني

 

ﻭﻓﻴﻪ ﺃﺑﺤﺎﺙ:

ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻷﻭﻝ: اﻋﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻣﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺟﻮﻫﺮ ﻣﺠﺮﺩ ﻟﻴﺲ ﺑﺠﺴﻢ ﻭﻻ ﺟﺴﻤﺎﻧﻲ، ﻭﺍﺣﺘﺞ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﻮﻥ ﺑﺬﻟﻚ ﺑﺎﻟﻤﻌﻘﻮﻝ ﻭﺍﻟﻤﻨﻘﻮﻝ: ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻝ: ﻓﻬﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻘﺴﻢ، ﺇﺫ ﻟﻮ ﺍﻧﻘﺴﻢ ﻟﻜﺎﻥ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺃﺟﺰﺍﺋﻪ - ﺇﻥ ﻛﺎﻥ - ﻋﻠﻤًﺎ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﻫﻮ ﺍﻟﻜﻞ ﻫﺬﺍ ﻣﺤﺎﻝ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻌﻨﺪ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻷﺟﺰﺍﺀ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺤﺪﺙ ﻫﻴﺌﺔ ﺯﺍﺋﺪﺓ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻫﻮ ﻣﺤﺎﻝ، ﻭﺇﻥ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﺈﻥ ﺍﻧﻘﺴﻤﺖ ﻋﺎﺩ ﺍﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻨﻘﺴﻢ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ. ﻭﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﻧﻘﻮﻝ: ﻭﺟﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺤﻠﻪ ﻣﻨﻘﺴﻤًﺎ، ﻭﻛﻞ ﻣﺘﺤﻴﺰ ﻭﻛﻞ ﻗﺎﺋﻢ ﺑﻪ ﻣﻨﻘﺴﻢ، ﻓﻤﺤﻠﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﻤﺘﺤﻴﺰ ﻭﻻ ﻗﺎﺋﻢ ﺑﻪ. ﺃﻣﺎ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻸﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻘﺴﻢ ﻣﻨﻘﺴﻢ، ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﻲ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩ.

ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻨﻘﻮﻝ ﻓﻤﻦ ﻭﺟﻬﻴﻦ: (ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ) ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران:169]. ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ: ﺃﻧﻪ ﻻ ﺷﺊ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻘﺘﻮﻝ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻤﻴﺖ، ﻭﻛﻞ ﺑﺪﻥ ﻭﻣﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﻣﻴﺖ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﻓﻠﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ}ﺍﻵﻳﺔ، ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﺒﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ، ﻓﺈﺫﻥ ﻫﻮ ﺟﻮﻫﺮ ﻣﺠﺮﺩ.

(ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ) ﻗﻮﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺧﻄﺒﻪ "ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺣﻤﻞ ﺍﻟﻤﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻌﺸﻪ ﺭﻓﺮﻓﺖ ﺭﻭﺣﻪ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻨﻌﺶ ﻭﺗﻘﻮﻝ ﻳﺎ ﺃﻫﻠﻲ ﻭﻳﺎ ﻭﻟﺪﻱ ﻻ ﺗﻠﻌﺒﻦ ﺑﻜﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻤﺎ ﻟﻌﺒﺖ ﺑﻲ". ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ: ﺇﻥ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺑﺼﻔﺔ ﺍﻟﺮﻓﺮﻓﺔ، ﻭﻻ شيء ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺪﻥ ﻭﻣﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ ﺑﺒﺎﻕ، ﻓﻼ شيء ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺑﺒﺪﻥ ﻭﺯنًا ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻪ.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻝ: ﻻ ﻧﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻬﻴﺌﺔ ﺍﻟﺰﺍﺋﺪﺓ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﻨﻘﺴﻢ ﺣﺼﻞ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻬﻴﺌﺔ ﻓﻘﻂ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻤﻨﻮﻉ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﺃﺣﺪ ﺃﺟﺰﺍﺋﻪ، ﻭﻫﻮ ﻣﻨﻘﺴﻢ. ﺳﻠﻤﻨﺎﻩ، ﻟﻜﻦ لما ﻗﻠﺘﻢ إﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﺴﻢ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﻨﻘﺴﻢ ﻣﺤﻠﻪ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻠﺰﻡ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻷﻋﺮﺍﺽ ﺍﻟﺴﺎﺭﻳﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣﻤﻨﻮﻉ. ﺳﻠﻤﻨﺎﻩ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻣﻤﻨﻮﻋﺔ، ﻟﻤﺎ ﺑﻴّﻨﺎ ﻣﻦ ﺻﺤﺔ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩ.

ﻭﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻘﻮﻝ: ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻟﻴﻠﻴﻦ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺪﻻﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻣﺮًﺍ ﺁﺧﺮ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﺒﺪﻥ ﻭﻣﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﻋﺮﺍﺽ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ، ﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺪﻻﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺟﻮﻫﺮ ﻣﺠﺮﺩ، ﺑﻞ ﺻﺮﻳﺢ ﺍﻵﻳﺔ ﻭﺍﻟﺨﺒﺮ ﻳﺪﻻﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺟﺴﻢ، ﻷﻥ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﻭﺍﻟﺮﻓﺮﻓﺔ ﺗﺴﺘﻠﺰﻡ ﺫﻟﻚ.

 

ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻣﺬﻫﺐ ﻣﺤﻘﻘﻲ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﺘﺤﺪﺓ ﺑﺎﻟﻨﻮﻉ. ﻭﺣﺠﺘﻬﻢ: ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺸﻤﻠﻬﺎ ﺣﺪ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻨﻮﻋﻪ ﻭﺍﺣﺪ.

ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺯﻋﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﻭﺣﺠﺘﻬﻢ: ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺎﻟﻌﻔﺔ ﻭﺍﻟﻔﺠﻮﺭ ﻭﺍﻟﺬﻛﺎﺀ ﻭﺍﻟﺒﻼﺩﺓ، ﻭﻟﻴﺲ ﺫﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﺣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﺰﺍﺝ، ﻷﻥ ﺑﺎﺭﺩ ﺍﻟﻤﺰﺍﺝ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺬﻛﺎﺀ ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻀﺪﻩ ﺣﺎﺭ ﺍﻟﻤﺰﺍﺝ، ﻭﻗﺪ ﻳﺘﺒﺪﻝ ﺍﻟﻤﺰﺍﺝ ﻭﺍﻟﺼﻔﺔ ﺍﻟﻨﻔﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻗﻴﺔ، ﻭﻻ ﻣﻦ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺧﻠﻘًﺎ، ﻭﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﺿﺪﻩ ﻓﻜﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻟﻮﺍﺯﻡ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻭﺍﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻠﻮﺍﺯﻡ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻤﻠﺰﻭﻣﺎﺕ.

ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻢ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻤﺰﺍﺝ، ﻭﻻ ﻧﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﻋﻠﺔ ﺍﻟﺬﻛﺎﺀ ﻫﻲ ﺣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﺰﺍﺝ ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ ﺍﻋﺘﺪﺍﻝ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻨﻔﺴﺎﻧﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﻧﺴﻠﻢ ﺗﺒﺪﻝ ﻣﺰﺍﺝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﻣﻊ ﺑﻘﺎﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ، ﺑﻞ ﺇﺫﺍ ﺻﺎﺭﺕ ﻣﻠﻜﺎﺕ ﻟﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻋﻮﺍﺭﺽ ﻣﺴﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺰﺍﺝ.

 

ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﻣﺬﻫﺐ ﻣﺤﻘﻘﻴﻬﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﺣﺎﺩﺛﺔ. ﻭﺣﺠﺘﻬﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻓﺈﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺃﻭ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﺍﻷﻭﻝ ﺑﺎﻃﻞ ﻷﻧﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺗﻌﻠﻘﻬﺎ ﺑﺎﻷﺑﺪﺍﻥ ﺇﻥ ﺑﻘﻴﺖ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻜﻞ ﻣﺎ ﻋﻠﻤﻪ ﺯﻳﺪ ﻋﻠﻤﻪ ﻋﻤﺮﻭ ﻭﺑﺎﻟﻌﻜﺲ، ﻭﻫﻮ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﻟﺒﻄﻼﻥ، ﻭﺇﻥ ﺗﻜﺜﺮﺕ ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﺻﻠﺔ ﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻗﺪ ﻓﺮﺿﺖ ﻛﺬﻟﻚ. ﻫﺬﺍ ﺧﻠﻒ. ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻭﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻗﺪ ﻋﺪﻣﺖ، ﻭﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻬﻮ ﺑﺎﻃﻞ ﺃﻳﻀًﺎ، ﺇﺫ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻠﻤﺘﻜﺜﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﻣﻤﻴﺰ، ﻭﻻ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﻟﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺑﺎﻟﺬﺍﺗﻴﺎﺕ ﻻﺗﺤﺎﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻮﻉ، ﻭﻻ ﺑﺎﻟﻌﻮﺍﺭﺽ ﻷﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﻮﺍﺑﻊ ﺍﻷﺑﺪﺍﻥ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻣﺠﺮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﻭﻗﺒﻞ ﺍﻷﺑﺪﺍﻥ ﻓﻼ ﺃﺑﺪﺍﻥ، ﻓﻼ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺑﺎﻟﻌﻮﺍﺭﺽ، ﻓﺜﺒﺖ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺇﻣﺎ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺃﻭ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﺛﺒﺖ ﻓﺴﺎﺩ ﺍﻟﻘﺴﻤﻴﻦ، ﻓﺒﻄﻞ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻗﺪﻳﻤﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺣﺎﺩﺛﺔ.

ﻭﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺽ ﻟﻢ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﺑﺎﻟﻌﻮﺍﺭﺽ. ﻗﻮﻟﻪ "ﻷﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﻮﺍﺑﻊ ﺍﻷﺑﺪﺍﻥ ﻭﻗﺒﻞ ﺍﻷﺑﺪﺍﻥ ﻓﻼ ﺃﺑﺪﺍﻥ" ﻗﻠﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﻠﻢ، ﻭﻟﻢ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺒﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺑﺪﺍﻥ ﺃﺑﺪﺍﻥ ﺃﺧﺮﻯ ﻻ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﻝ، ﻭﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻤﺎ ﻗﺒﻞ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ.

 

ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ: ﺍﺗﻔﻖ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﻮﻥ ﺑﺤﺪﻭﺙ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﻓﺴﺎﺩ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ، ﻷﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺣﺪﻭﺛﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻮﻗﻮﻓًﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﻭﺙ ﺷﺮﻁ، ﻭﺇﻻ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﺪﻭﺛﻬﺎ ﺍﻵﻥ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺛﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﻟﻴﺲ ﺇﻻ ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻟﺒﺪﻥ، فإذًا ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﺒﺪﻧﻲ ﻋﻠﺔ ﻟﻔﻴﻀﺎﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ، ﻓﺎﻟﺒﺪﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺒﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺴﺨﺔ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﺪ ﻟﻘﺒﻮﻝ ﻧﻔﺲ ﺃﺧﺮﻯ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ، ﻓﻴﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻨﻔﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺑﺪﻥ ﻭﺍﺣﺪ. ﻭﻫﻮ ﻣﺤﺎﻝ، ﻷﻥ ﻛﻞ ﻋﺎﻗﻞ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻧﻔﺴﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻭﺍﺣﺪًﺍ ﻻ ﺷﻴﺌﻴﻦ، ﻭﻷﻧﻪ ﻟﻮ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﺎﻥ ﻟﻠﺰﻡ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺃﺣﻮﺍﻟﻪ، ﺑﺄﻥ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﺘﻘﺎﺑﻼﻥ ﻣﻌﺎ ﻛﺎﻟﻨﻮﻡ ﻭﺍﻟﻴﻘﻈﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻭﺍﻟﺴﻜﻮﻥ. ﻭﻫﻮ ﻣﺤﺎﻝ ﺑﺎﻟﺒﺪﻳﻬﺔ.

ﻭﺍﻋﺘﺮﺽ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺑﺄﻥ ﻗﺎﻝ: ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻭﺩﻟﻴﻠﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻣﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻓﺴﺎﺩ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ، ﻓﻴﻠﺰﻡ ﺍﻟﺪﻭﺭ.

 

البحث الخامس : ﺍﺗﻔﻘﺖ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ. ﻭﺣﺠﺘﻬﻢ: ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﺻﺢ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻟﻜﺎﻥ ﻻ ﻣﻜﺎﻥ ﻋﺪﻣﻬﺎ ﻣﺤﻞ ﻣﺘﻘﺪﻡ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﺛﺒﻮﺗﻲ، ﻓﻴﺴﺘﺪﻋﻲ ﻣﺤﻼًّ ﺛﺎﺑﺘًﺎ ﻣﻐﺎﻳﺮًﺍ ﻟﻠﻨﻔﺲ، ﻷﻥ ﺍﻟﻘﺎﺑﻞ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻣﻊ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻘﺒﻮﻝ، ﻭﻻ ﺷﺊ ﻳﺒﻘﻰ ﻋﻨﺪ ﻋﺪﻣﻪ، فإذًا ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻓﻠﻪ ﻣﺤﻞ ﻫﻮ ﻣﺎﺩﺗﻪ. ﻟﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻃﻞ، ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻨّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺠﺴﻢ ﻭﻻ ﺑﺠﺴﻤﺎﻧﻲ، ﻭﻷﻥ ﻣﺎ ﻓﺮﺽ ﻣﺎﺩﺓ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺇﻻ ﻻﻓﺘﻘﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﺩﺓ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﺩﺓ ﻻ ﻣﺎﺩﺓ ﻟﻬﺎ، ﻓﺬﻟﻚ الشيء ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﻔﺴﺎﺩ.

ﻭﺍﻋﺘﺮﺽ ﺍﻹﻣﺎﻡ: ﺑﺄﻧﺎ ﻻ ﻧﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺃﻣﺮ ﺛﺒﻮﺗﻲ، ﻭﺣﻴﻨﺌﺬ ﻻ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﻣﺤﻼًّ ﺛﺎﺑﺘًﺎ. ﺳﻠﻤﻨﺎ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ ﺍﻟﺤﺪﻭﺙ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﻭﺇﻻ ﻟﻢ ﺗﺤﺪﺙ، ﻭﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﺎﺩﻳﺔ ﻓﻜﺬﻟﻚ ﺇﻣﻜﺎﻥ ﻋﺪﻣﻬﺎ. ﺳﻠﻤﻨﺎﻩ، ﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻠﺰﻡ ﻣﻦ ﺑﻘﺎﺀ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺮﻛﺐ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﺑﺒﻘﺎﺀ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺃﺟﺰﺍﺋﻪ، ﻭﺣﻴﻨﺌﺬ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻄﻊ ﺑﺤﺼﻮﻝ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺸﻘﺎﻭﺓ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻭﺑﻘﺎﺀ ﻛﻤﺎﻻﺗﻬﺎ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻣﺸﺮﻭﻃًﺎ ﺑﺒﻘﺎﺀ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ.

ﻭﺃﺟﺎﺑﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻷﻭﻝ: ﺑﺄﻧّﺎ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﺘﺎﻡ، ﻭﻇﺎﻫﺮ ﻛﻮﻧﻪ ﺛﺒﻮﺗﻴًّﺎ. ﻭﺑﻪ ﻇﻬﺮ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺃﻳﻀًﺎ، ﻷﻥ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻫﻮ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺍﻟﻼﺯﻡ ﻟﻠﻤﺎﻫﻴﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻭﺇﻣﻜﺎﻥ ﻋﺪﻣﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﺘﺪﻋﻰ ﻣﺎﺩﺓ ﻫﻮ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﺘﺎﻡ، ﻭﻓﺮﻕ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻭﺇﻥ ﺍﺷﺘﺮﻛﺎ ﻓﻲ ﻟﻔﻆ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ.

ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺃﻧﻬﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﺘﻔﻮﻥ ﺑﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺇﺫﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺟﻮﻫﺮًﺍ ﻣﺠﺮﺩًﺍ ﻏﻨﻴًّﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺑﺎﻗﻴًﺎ ﻣﻊ ﻓﻨﺎﺀ ﻣﺎ ﻳﺤﻞ ﻓﻴﻪ، ﻭﻳﻠﺰﻡ ﺑﺎﻟﺪﻟﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺫﻛﺮﻭﻩ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺏ ﻛﻮﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﻣﺪﺭﻛﺔ ﻟﺬﺍﺗﻬﺎ ﻭﻟﻤﺒﺪﺃﻫﺎ ﻛﻮﻧﻪ ﻛﺬﻟﻚ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻭﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﺖ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺮﺿًﺎ ﺯﺍﺋﻼً ﻭﻛﻤﺎﻻﺗﻬﺎ ﻋﻠﻤﻬﺎ ﺑﻤﺒﺎﺩﺋﻬﺎ ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻟﻮﺍﺯﻣﻬﺎ.

 

ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ: ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺗﺪﺭﻙ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ، ﻷﻥ ﻫﻬﻨﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺊ ﻣﺪﺭﻙ ﻟﻬﻤﺎ، ﻷﻥ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﻣﺴﺒﻮﻕ ﺑﺎﻟﺘﺼﻮﺭ، ﻭﺍﻟﻤﺪﺭﻙ ﻟﻠﻜﻠﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﺎﻟﻤﺪﺭﻙ ﻟﻠﺠﺰﺋﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻟﻜﻦ ﺇﺩﺭﺍﻛﻬﺎ ﻟﻠﻜﻠﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻔﺎﺭﻗﺔ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ ﻭﺇﺩﺭﺍﻛﻬﺎ ﻟﻠﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺳﺔ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺒﺪﻧﻴﺔ، ﻷﻧّﺎ ﺇﺫﺍ ﺗﺨﻴﻠﻨﺎ ﻣﺮﺑﻌًﺎ ﻣﺠﻨﺤًﺎ ﺑﻤﺮﺑﻌﻴﻦ ﻭﻣﻴّﺰﻧﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻨﺎﺣﻴﻦ ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻫﻦ، ﻓﻤﺤﻞ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺠﻨﺎﺣﻴﻦ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﺳﺘﺤﺎﻝ ﺣﺼﻮﻝ ﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯ، ﻷﻥ ﺍﻣﺘﻴﺎﺯ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻋﻦ ﺍﻵﺧﺮ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﻭﻻ ﺑﻠﻮﺍﺯﻣﻬﺎ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ، ﻟﻜﻦ ﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯ ﺣﺎﺻﻞ ﻓﻤﺤﻞ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻵﺧﺮ. ﻭﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﻌﻘﻞ ﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻲ، ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻣﻨﻄﺒﻌﺔ ﻓﻲ ﺁﻟﺔ ﺟﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ، ﻭﺍﻟﻨﻔﺲ تدركها ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻵﻟﺔ.

 

ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ: ﺍﺗﻔﻘﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﻗﻮﺗﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ، ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮﻡ، ﻭﺃﻫﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ، ﻷﻥ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﻫﻲ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻤﻼﺋﻢ، ﻭﻻ ﻣﺪﺭﻙ ﺃﻛﻤﻞ ﻣﻨﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻓﺈﺩﺭﺍﻛﻪ ﺃﺗﻢ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ. ﻭﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﺳﺘﻐﺮﺍﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﺃﺗﻢ ﻭﺃﻭﻓﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻌﺎﺩﺗﻪ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺃﻛﻤﻞ ﻭﺃﻋﻠﻰ ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻣﺮ ﻳﺤﻘﻘﻪ ﺍﻟﻌﺎﺭﻓﻮﻥ ﺑﻪ. ﻭﺃﻣﺎ  ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻓﺤﺼﻮﻝ ﺍﻟﻤﻠﻜﺎﺕ ﺍﻟﺨﻠﻘﻴﺔ ﺍﻟﻔﺎﺿﻠﺔ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﺑﻞ ﻏﺮﺿﻬﺎ ﺃﻥ ﻻ ﺗﺼﻴﺮ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺃﻣﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺒﺪﻥ، ﻓﻴﺸﺘﺪ ﺗﻌﻠﻘﻬﺎ ﺑﻪ ﻓﻴﺤﺼﻞ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﻠﺰﻣﺔ ﻟﻨﻔﻲ ﺍﻟﺘﻌﺬﻳﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻌﺮﺿﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ.

 

ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ: ﺍﺗﻔﻘﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺷﻘﺎﻭﺓ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻋﺎﺩﻣﺔ ﻟﻠﻜﻤﺎﻻﺕ، ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻧﻘﻄﻌﺖ ﻋﻦ ﺗﻌﻠﻖ ﺍﻷﺑﺪﺍﻥ ﺑﻘﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﺩﺍﺋﻤًﺎ ﻭﺃﺩﺭﻛﺖ ﻓﻮﺍﺕ ﻛﻤﺎﻻﺗﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺸﻮﺍﻏﻞ ﺍﻟﺒﺪﻧﻴﺔ ﻋﺎﺋﻘﺔ ﻋﻨﻬﺎ، ﻓﺼﺎﺭﺕ ﻣﻌﺬﺑﺔ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﺴﺮﺓ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} إلى قوله {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:58,57,56] ﻭﻧﺤﻮﻩ. ﻭﺃﻣﺎ ﻋﺎﺩﻣﺔ ﺍﻟﻜﻤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﺪﻯ ﺭﺫﻳﻠﺘﻲ ﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻂ ﻭﺍﻹﻓﺮﺍﻁ ﻓﺮﺑﻤﺎ ﺗﺰﻭﻝ ﻓﻴﺰﻭﻝ ﻋﺬﺍﺑﻬﺎ ﺑﻬﺎ. ﺃﻣﺎ ﻧﻔﻮﺱ ﺍﻟﺒﻠﻪ ﻭﺍﻟﺼﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻭﺍﻷﺧﻼﻕ ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻀﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻷﺟﺮﺍﻡ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ ﻭﺗﺴﺘﻜﻤﻞ ﺑﻬﺎ، ﺇﺫ ﻻ ﻣﻌﻄﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﻨﺪﻫﻢ. ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﻱ ﻣﻦ ﻳﻨﻜﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﻋﻮﺩ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺑﺪﺍﻥ ﻭﻣﻔﺎﺭﻗﺘﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺒﺎﺩﺋﻬﺎ ﻭﺣﺼﻮﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺃﻭ ﺷﻘﺎﻭﺓ، ﻭﺗﻘﺮﻳﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﻣﺴﺘﻘﺼﻰ ﻓﻲ ﻛﺘﺒﻬﻢ.

 

ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ: اﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﺃﻭﺟﺒﻮﺍ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻲ ﻣﻌًﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻧﻬﻢ ﺣﺎﻭﻟﻮﺍ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﺩﻝ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻣﺤﺒﺘﻪ، ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻷﺟﺴﺎﺩ ﻓﻲ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﻤﺤﺴﻮﺳﺎﺕ، ﻭﺩﻝ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺗﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻜﻦ، ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺣﺎﻝ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﺴﺘﻐﺮﻗًﺎ ﻓﻲ تجلّي ﺃﻧﻮﺍﺭ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺍﻻﻟﺘﻔﺎﺕ ﺇﻟﻰ شيء ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺣﺎﻝ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﺸﻐﻮًﻻ ﺑﺎﺳﺘﻴﻔﺎﺀ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺍﻻﻟﺘﻔﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ، ﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺘﻌﺬﺭ ﻟﻀﻌﻒ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻓﺈﺫﺍ ﻓﺎﺭﻗﺖ ﺃﺑﺪﺍﻧﻬﺎ ﻭﺍﺳﺘﻤﺪﺕ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻭﺍﻟﻄﻬﺎﺭﺓ ﻗﻮﻳﺖ ﻭﺷﺮﻓﺖ، ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻋﻴﺪﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪﺍﻥ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﻢ ﻳﺒﻌﺪ ﺃﻥ ﺗﺼﻴﺮ ﻫﻨﺎﻙ ﻗﻮﻳﺔ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻣﺮﻳﻦ. ﻭﻇﺎﻫﺮ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺍﺕ، ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻣﺘﻨﺎﻉ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺩﻟﻴﻞ، ﻭﻫﻮ ﺟﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﻴﺔ ﻓﻮﺟﺐ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ ﺇﻟﻴﻪ.

ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻳﻨﻜﺮﻫﻤﺎ ﻣﻌًﺎ، ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺰﺍﺝ ﻓﻘﻂ ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻘﺪ ﻋﺪﻣﺖ ﻧﻔﺴﻪ. ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻳﻨﻜﺮ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﻌﺪﻭﻡ، ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ ﻳﻠﺰﻣﻪ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩ ﻣﻄﻠﻘًﺎ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ ﻓﺴﺎﺩﻫﺎ.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد