علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

القراءة ورواية القصص كفيلة بتحسين صحة الطفل البدنية والفكرية

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

 

يعد تعلم القراءة أمرًا ضروريًّا للنهوض بالنمو الفكري للطفل. ولكن هل يمكن أن تكون القراءة ومهارات القراءة والكتابة الأخرى، مثل سرد (رواية) القصص، مفيدة أيضًا للصحة البدنية والنمو الفكري للطفل؟ [النمو الفكري هنا يرجع إلى التغيرات التي تطرأ نتيجةً للنمو البدني والعقلي والخبرة المكتسبة في قدرات الشخص على التفكير والاستدلال والربط بين الأشياء بناءً على المعلومات المتوفرة والحكم أو إبداء الرأي وتكوين مفاهيم أو أفكار وما إلى ذلك. ويتعلق الأمر بشكل خاص بمثل هذه التغيرات بالأطفال (1)].

 

هناك علاقة رصينة وإيجابية بين القدرة على القراءة والكتابة (2) في مرحلة الطفولة والمخرجات الصحية الإيجابية في مرحلة الرشد (20 سنة وأكبر) [والمخرجات الصحية الإيجابية هي البقاء على قيد الحياة، والعمل بشكل جيد عقليًّا وبدنيًّا واجتماعيًّا، والشعور بالهناء النفسي (3)]، وفقًا للدكتور ليندا مايز Linda Mayes، أستاذ طب الأطفال النفسي في مركز ييل لدراسات الطفل، وأستاذ طب الأطفال والطب النفسي في كلية الطب بجامعة ييل. تعتقد مايز أن القدرة على القراءة والكتابة يجب أن تبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة [وهي الفترة التي تبدأ من الولادة إلى سن ثمان سنوات، بحسب التعريف] - وينبغي على أولياء الأمور الحث عليها ومتابعتها بفترة طويلة قبل التحاق أطفالهم بالمدرسة.

 

"القدرة على القراءة والكتابة هي القدرة على إنشاء سردية"، كما قالت مايز. "نحن عادة نظن أن القدرة على القراءة والكتابة لا تعدو أكثر من كونها قراءة، ولكنها أيضًا قدرة على سرد الأحداث الشخصية؛ "امتلاك القدرة على سرد القصص من شأنه أن يساعد على التعاون وتكوين صداقات مع آخرين. كما أنه يساعد الشخص على معرفة تفاصيل أحداث حياته".

 

في ورقة مراجعة (4) نشرت في مجلة فرونتيرز في 2024، حذرت ماير وزملاؤها من التراجع الأخير في القدرة على القراءة والكتابة بين الأطفال في الولايات المتحدة والانخفاض في عدد الأطفال الذين يستوفون معايير القدرة على القراءة والكتابة الأساسية التي وضعها التقييم الوطني للتقدم التعليمي (NAEP) [المصمم لقياس مدى ما يعرفه الطلاب وماذا بإمكانهم أن يقوموا به في شتى المجالات (5)].

 

وفقًا لاختبار التقييم الوطني للتقدم التعليمي (NAEP) في عام 2022، كان أداء 37% من طلاب الصف الرابع أقل من مستواهم الأساس في قدرتهم على القراءة، وهو ما يمثل انخفاضًا حادًّا بنسبة 14% مما هو عليه في عام 1992 ويمثل انخفاضًا بثلاث نقاط عما هو عليه في عام 2019 فقط، وهو أكبر انخفاض في الدرجات منذ بدء هذا الاختبار.

 

مايز، التي تعاونت مع دار نشر سكولاستيك لنشر وتوزيع المواد التعليمية (6) في هذه المراجعة، أفادت بأن هناك تفهمًا رصينًا في قطاع التعليم لأهمية القدرة على القراءة والكتابة بين الأطفال. لكنها قالت إن كثيرين قد لا يدركون أن تعزيز هذه القدرة يعني تعزيز الصحة أيضًا.

 

وأوضحت مايز قائلةً: "كلما استثمرنا في التعليم، زاد استثمارنا في صحة الأطفال والمجتمع الصحي"، مضيفةً أنه ينبغي التعامل مع هذا الموضوع باعتباره تعاونًا بين الأسر والمعلمين ومقدمي الرعاية الصحية.

 

العلاقة بين القدرة على القراءة والكتابة لدى الأطفال وبين الصحة

 

وأوضحت مايز ثلاث طرق يمكن من خلالها أن تؤدي القدرة على القراءة والكتابة في مرحلة الطفولة إلى تحسين الصحة طوال الحياة. وفي البداية، قالت إن القدرة على القراءة والكتابة يمكن أن تعزز فهم للطفل ما يفعله ليعيش حياة أكثر صحة وينمو ليصبح في المستقبل راشدًا يتمتع بصحة جيدة.

 

وأضافت مايز أن القدرة على القراءة والكتابة تساعد الأطفال على توسيع عوالمهم، وإيجاد قدوات صالحة يحتذى بها، ومساعدتهم على رؤية الأساليب المختلفة التي يمكنهم من خلالها عيش حياة جيدة.

 

وبنحو مماثل، يمكن للقدرة على القراءة والكتابة أن تساعد في بناء علاقة اجتماعية، وذلك جزئيًّا من خلال مساعدة الأطفال على تبادل ما يعرفون من قصص مع آخرين. ويمكن أن يؤدي هذا أيضًا إلى توسيع شبكتهم الاجتماعية من خلال تعزيز قدرتهم على تعميق وتعزيز علاقاتهم مع مجموعة متنوعة من الناس.

 

وأشارت مايز إلى أنه من المعروف في المجتمع العلمي أن القراءة وامتلاك عالم أدبي ثري يمكن أن يساعد الشخص في إدارة توتره والغموض في حياته اليومية وانفعالاته. في المقابل، فإن التواصل مع الآخرين له تأثير إيجابي في الصحة لأنه بمثابة آلية لتخفيف التوتر النفسي.

 

الذين يقرؤون يعيشون فترة أطول

 

والحقيقة، كما قالت مايز، هي أن "حقيقة كون الشخص متعلمًا بشكل أفضل تعزز من صحته البدنية والعقلية" و"كلما كان الطفل أو الراشد قادرًا على القراءة، زادت معرفته، وكان متعلمًا أفضل، بغض النظر عن سنوات تعليمه الرسمي".

 

في الواقع، يمكن أن تُعدّ القدرة على القراءة والكتابة ــ والثقافة الصحية المصاحبة لها ــ بمثابة عامل وقائي يحافظ على الصحة ويطيل العمر لأنه يقلل من مستوى احتمال تعرض الشخص للتدهور في صحته.

 

توصلت دراسة أجريت عام 2006 واستشهد بها في ورقة المراجعة إلى أن المصابين بمرض السكري من النوع 2 والذين يتوافرون على مهارات قراءة وكتابة عالية أظهروا تحسنًا في السيطرة على نسبة السكر في الدم حتى لو لم يتخرجوا من المرحلة الثانوية (7)

 

وبينت الأبحاث أيضًا أن الذين يقرؤون كتبًا لفترة ثلاث ساعات ونصف في الأسبوع (8) يعيشون عمرًا أطول بعامين عن أقرانهم الذين لا يقرؤون كتبًا، ما يجعلها فرصة ممكنة لحياة أطول بصحة أفضل.

 

لذا، بالرغم من أننا نأمل أن يتعرض كل طفل إلى قراءة كتب منذ اليوم الأول بعد ولادته [يُقرأ له كتب]، فإن الجانب المهم الآخر من ذلك هو أن يكون معرضًا لقراءة قصص، ومعرضًا للغة [أي أن يكون معرضًا لجو يكتسب فيه كلمات جديدة ويتعلم قواعد اللغة ويعرف النطق الصحيح للكلمات، وذلك من خلال الاستماع الفعال والتفاعل مع الآخرين (9)]، ومعرضًا للمجتمع، ومساعدة الأطفال على معرفة وفهم عالمهم، ومساعدتهم على سرد القصص بالطريقة السليمة. ومن ثم فإن قراءته للكتب، بمعنى ما، تأتي تلقائيًّا بعد ذلك". كما قالت مايز.

 

كان لوباء كوفيد-19، الذي بسببه أغلقت المدارس، تأثير سلبي في قدرة الأطفال على القراءة والكتابة. وفقًا لإدارة الإحصاء والتعداد الأمريكية، انخرط ثلاثة وتسعون بالمائة من الطلاب في جميع أنحاء البلاد في التعلم عن بعد. وبسبب التعلم عن بعد، لم يعد الأطفال معرضين للكلام مع معلميهم وزملائهم ولا للقراءة ولا لسماع أو قراءة القصص بالقدر الذي كانوا معرضين له عندما كانوا يحضرون شخصيًّا مدارسهم، وفقًا لمايز.

 

تشير الأبحاث المستشهد بها في المراجعة إلى أن 67% من مهارات القدرة على القراءة والكتابة في رياض الأطفال قد تلاشت أثناء فترة الوباء. لكن مايز قالت إن هذه المشكلة يمكن علاجها.

 

في الواقع، لاحظت مايز أن المشكلة ليست محصورة فقط بمرحلة الطفولة، إذ يمكن أن يواجه القصور في القدرة على القراءة والكتابة بالتعرض المكثف لقراءة الكتب والاهتمام بها والكلام والاستماع آو قراءة القصص والتعرض لجو لغة ثري والاختلاط بأشخاص يقدمون الدعم.

 

وأضافت مايز أن الراشدين يمكنهم تعلم القراءة من خلال برامج خاصة. "قد يستغرق ذلك وقتًا أطول، ولكنهم قادرون على التعلم. هذا هو الشيء الجيد في دماغنا البشري المرن جدًّا، إذ يمكننا التعلم في جميع الأعمار. قد لا يكون بنفس الكفاءة التي كان عليها لو كان التعلم قد بدأ في سن أبكر، ولكن التعلم ممكن في جميع الأعمار".

 

قد تنطوي المبادرات التي تعزز قدرة الأطفال على القراءة والكتابة على العمل الذي تقوم به بعض المؤسسات، والتي توفر الكتب الملائمة للأطفال من بعد الولادة إلى سن الخامسة أثناء زياراتهم لعيادات أطباء الأطفال مع ذويهم حتى يتمكن الأطفال من إنشاء مكتبة منزلية تعزز قدرتهم على القراءة وقراءة القصص أو الاستماع إليها في جو عائلي وبحضور جميع أفراد العائلة. كما ينبغي لأطباء الأطفال تعزيز قدرة الأطفال على القراءة والكتابة وذلك بتوفير ما يلزم من مواد القراءة في عياداتهم.

 

أوصت مايز بتدريب جميع أطباء الأطفال على ثقافة تعزيز قدرة الأطفال على القراءة والكتابة، حتى يتمكنوا من معرفة كيف "يوصون أولياء الآمور" بمواد القراءة وكتب الأطفال كشكل من أشكال التوجيه المبكر لتعزيز قدرة الأطفال على القراءة والكتابة.

 

معرض الكتب المدرسية الذي أقامته دار سكولاستيك للنشر في مستشفى ييل في مدينة نيو هافن خلال صيف عام 2023 هو الذي حفز مايز والمؤلفين الآخرين على كتابة ورقتهم البحثية لأنه أكد على أن الكتب يجب أن تكون منتشرة في الأماكن التي يوجد فيه الأطفال.

 

"لقد كان المشهد مؤثرًا جدًّا حين رأيت أطفالًا في المستشفى أو لما جاءوا إلى العيادة مع أولياء أمورهم لتلقي الرعاية الطبية ورأوا الكتب وركضوا بحماس لاستكشاف ما فيها أو قراءتها" قالت مايز. "أتذكر بشكل جلي صبيًّا اختار ثلاثة كتب، وركض إلى أحد الكراسي في غرفة الانتظار، وبدأ في القراءة. كانت غرفة الانتظار صاخبة بأطفال يركضون هنا وهناك، وفي الجو الصاخب هذا حيث تُستدعى عائلة حان موعد رؤيتها من قبل الطبيب وتغادر عائلة أخرى بعد أن رآها الطبيب، بيد أن ذلك الطفل استمر في القراءة غير مكترث بهذا الصخب وحتى لم يسمع عندما نودي باسمه. هذا هو سحر الكتب - نقلت إلى عوالم جديدة وبعيدة في كثير من الأحيان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- https://www.encyclopedia.com/social-sciences/applied-and-social-sciences-magazines/intellectual-development

2- https://ar.wikipedia.org/wiki/محو_الأمية

3- https://www-cdc-gov.translate.goog/pcd/issues/2010/jul/10_0005.htm?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=rq

4- https://www.frontiersin.org/journals/pediatrics/articles/10.3389/fped.2024.1401739/full

5- https://en.wikipedia.org/wiki/National_Assessment_of_Educational_Progress

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/مؤسسة_إستلاستيك

7- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/16640146/

8- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/27471129/

9- https://www.studysmarter.co.uk/explanations/english/tesol-english/language-exposure/

المصدر الرئيس

https://medicine.yale.edu/news-article/how-reading-and-storytelling-can-improve-a-childs-health/

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد