علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

الأسس المحتملة للذكاء البشري ترصد لأول مرة

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

 

لقد أثبتت مجموعة كبيرة من الدراسات التي أجريت على القوارض والقرود، أن الخلايا العصبية في الحُصين تغير استجاباتها عند تغيير البيئة أو المهمة التي يقوم بها الحيوان، وبالتالي تؤلف آلية عصبية للتمييز بين الذكريات في سياقات مختلفة.

 

واتساقًا مع هذه النتائج ومع دور الحُصين في الذاكرة المثبت. فقد بينت دراسات غير باضعة أجريت على البشر (خاصة بالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي) أيضًا تعديلات استجابة خلايا الحصين واضحة بتغير السياق. بيد أنه لا يوجد حتى الآن دليل مباشر في البشر على كيفية تعديل الخلايا العصبية الفردية أنماط استجابتها ومدى ذلك التعديل عند تغيير السياق للتمييز بين الذكريات.

 

ولمعالجة هذه المشكلة، استخدمنا هنا الفرصة الفريدة لتسجيل نشاط العديد من الخلايا العصبية بشكل فردي في الفص الصدغي الإنسي (MTL) لدى المرضى الذين زرعت أقطاب كهربائية داخل الجمجمة لديهم لأسباب سريرية، ودرسنا لأول مرة ما إذا كان إصدار فعل جهد من قبل هذه الخلايا العصبية يتم تعديله عند مطالبة المشاركين في التجربة بقراءة قصتين، ثم تذكرهما التي تنطوي على سياقات مختلفة.

 

على وجه الخصوص، نطرح الأسئلة التالية: إذا أصدرت خلية عصبية فعل جهد على شخص معين، فكيف ستستجيب (تصدر فعل جهد) في قصتين مختلفتين تتعلقان بنفس الشخص؟ وبالعكس، هل ستبدأ الخلايا العصبية غير المستجيبة في البداية في إصدار فعل جهد على مجموعة من الخصائص، مثل وجود شخص في قصة (ولكن غيابه في قصة أخرى)، للتمييز بينها؟ ومن المثير للدهشة، وعلى النقيض من النتائج التي توصلنا إليها في حُصين القوارض والقردة، لم تغير الخلايا العصبية نشاطها عند تغير السياق والمهمة التي يؤديها الأشخاص.

 

دراسة  (1) أجراها الدكتور رودريجو كويان كيروغا Rodrigo Quian Quiroga، رئيس مجموعة أبحاث الآليات العصبية للإدراك والذاكرة في معهد أبحاث مستشفى ديل مار، سمحت للباحثين لأول مرة بمراقبة كيف تخزن عصبونات الدماغ البشري الذكريات بشكل مستقل عن السياق التي اكتسبت من خلاله. وتؤكد الدراسة (1) التي نشرت في مجلة تقارير الخلية Cell Reports أن الخلايا العصبية (العصبونات) قادرة على التمييز بين الأشياء أو الناس بغض النظر عن سياقها، مما يسمح بتكوين علاقات أكثر تجريدًا، ما يساعد على تشكيل أساس الذكاء البشري.

 

وهذه هي الدراسة الأولى التي ترصد هذا السلوك العصبي لدى البشر. حتى الآن، أثبتت الدراسات التي أجريت على الحيوانات فروقًا كبيرة في ترميز (2) المفاهيم (مثل، مكان معين، أو شيء معين، وما إلى ذلك) عندما تغير السياق. على سبيل المثال، استجابت الخلايا العصبية (من خلال إصدار فعل جهد) بشكل مختلف جدًّا إذا وجد الفأر شيئًا في مكان ما مختلفًا عما وجده في موقع آخر. وكنتيجة لذلك، كان يُعتقد أن مثل هذه الذكريات تُخزن في مجموعات مختلفة من الخلايا العصبية.

 

الدراسة التي قادها الدكتور كويان كيروغا Quian Quiroga أنتجت "استجابات مفاجئة" تناقضت مع النتائج السابقة، حيث ظلت استجابات الخلايا العصبية لمفهوم محدد كما هي عندما تغير السياق، مثل تذكر رؤية أحد الأشخاص في أماكن مختلفة. ويفيد كويان كيروغا بأن "المبدأ الأساس للترميز العصبي لدى البشر هو عكس ما لوحظ في الأنواع الحية الأخرى، وهو ما له تبعات معتبرة".

 

وشملت الدراسة بيانات لتسعة مرضى من الأرجنتين والمملكة المتحدة يتلقون علاجًا للصرع المقاوم للأدوية (3)، حيث زرعت أقطاب كهربائية (لتخطيط كهربائية الدماغ داخل القحف (4)) لمراقبة نشاط مجموعات محددة من الخلايا العصبية بشكل فردي. وقد سمح هذا للباحثين بالحصول على تسجيلات دقيقة لاستجاباتها (من ناحية إصدارها فعل جهد)، وعلى النقيض من الدراسات السابقة التي أجريت على البشر حيث اعتمدت على تسجيلات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، والتي لم تستطع التمييز بين الخلايا العصبية بشكل فردي.

 

رُويت عل المرضى قصتان مدعومتان بالصور فيهما نفس الشخص (بطل القصة) أو المكان في سياقات مختلفة. بفضل مراقبة الخلايا العصبية الفردية أثناء أداء هذه المهمة، تمكن الباحثون من ملاحظة أي مجموعات الخلايا العصبية جرى تعديل استجابتها (5) ومدى استجابتها في القصتين. وعلى وجه التحديد، أكد الباحثون أنه إذا استجابت إحدى الخلايا العصبية لصورة بطل القصة، فإن هذه الاستجابة ظلت كما هي في كلتا القصتين. بالإضافة أنه عندما روى المرضى القصة بأنفسهم، نشطت نفس الخلايا العصبية قبل ثوانٍ من إشارتهم إلى بطل القصة [مما يعني أنه تذكروا الشخص الذي قرأوا عنه أو رأو صورته في القصة السابقة]، وبنفس الطريقة أيضًا في كلتا القصتين.

 

"تخزن الذكريات بطريقة أكثر تجريدًا لدى البشر مقارنة بطريقة تخزينها لدى الحيوانات الأخرى. بإمكانك التفكير في مفاهيم أو أشياء بمصطلحات مجردة، بغض النظر عن السياق التي اكتسبت من خلاله"، كما يوضح الدكتور كويان كيروغا، وقال لعل هذا هو أحد "أسس الذكاء البشري". ويؤكد أن "هذه القدرة تسمح لنا بإنشاء روابط واستنتاجات أكثر تجريدًا وتعقيدًا مما لو أُجبرنا على التفكير في كل مفهوم ضمن سياق محدد وثابت". بعبارة أخرى، يستطيع البشر إخراج ذكرياتهم من سياقها لخلق أفكار أكثر تجريدًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/تخطيط_كهرباوي_قشري

2- https://www.cell.com/cell-reports/fulltext/S2211-1247(24)01569-9?_returnURL=https://linkinghub.elsevier.com/retrieve/pii/S2211124724015699?showall=true

3- الترميز coding هو الطريقة التي تتحول المعلومات إلى شكل يمكن تخزينه واسترجاعه من الذاكرة. هناك أنواع مختلفة من الترميز، مثل الترميز الصوتي، والترميز البصري، والترميز الدلالي، والتي تستخدم بناءً على طبيعة المعلومات التي تخضع للمعالجة. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://studymind.co.uk/notes/codingcapacity-and-duration-of-memory/

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/تخطيط_كهرباوي_قشري

5- "تعديل الاستجابة هو تغيير خاصية الانفعال من خلال استجابة المرء للانفعال بمجرد استثارته، ويمكن أن يشمل هذا التعديل مدى شعور الشخص بهذا الانفعال المستثار أو التعبير عنه أو تصرفه استجابةً له، ويمكن أن تحدث هذه التغييرات التنظيمية أو الرقابية في العقل الواعي أو في العقل الباطن". ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://www.sciencedirect.com/topics/psychology/response-modulation

المصدر الرئيس

https://www.imim.es/news/view.php?ID=706

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد