قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

دقائق في القرآن هي روائع في التعبير (6)

هناك آيات تندّد بالعرب ممّن استسلموا ولم يسلموا إسلامًا صادقًا، أو أسلموا ثمّ ارتدّوا على أعقابهم، فأظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر والنفاق. ولعلّ الأمر بعد وفاته صلّى اللّه عليه وآله كان أبين من حالتهم التعنّتيّة، حيث نبذوا وصايا الرسول صلّى اللّه عليه وآله خلف ظهورهم واتّبعوا أهواءهم، فهناك تنديد بأمثالهم أن سوف يأتي اللّه بقوم يكونون صادقين في إيمانهم فيغلبون العرب وتكون الدولة دائرة بيدهم، والعرب أذلّاء بين أيديهم، ولقد صدق عليهم القول وظهر وجه الحقّ.

 

قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ). «1». وقال: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً) «2». وقال: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) «3».

 

وقال بشأن رجوعهم القهقرى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) «4». (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) «5».

 

والآية وإن كانت نزلت بشأن واقعة أحد وفرار أكثر المسلمين وفيهم المعاريف لكن اللحن عامّ يشمل ما بعد وفاته صلّى اللّه عليه وآله أيضا . حيث ارتداد بعض العرب آنذاك.

 

قال تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) «6».

 

أمّا من هؤلاء القوم الذين استبدلهم اللّه ففاقوا العرب صدقًا وثباتًا في الدين؟

 

فقد سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عنهم ، فقال - واضعًا يده على عاتق سلمان الفارسي -: هذا وذووه. ثمّ قال: لو كان الدين معلّقًا بالثريّا لتناوله رجال من أبناء فارس «7».

 

أمّا وجه دلالة هذه الأنباء على صدق الرسالة فلأنّ حالة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله عند إطلاق هذه الأنباء - الموغلة في القدم، أو الحاضرة الخافية في صدور أهلها، أو الوعود المستقبلة التي كانت في مجاهل الغيب - حال الواثق المتيقّن من الأمر، من غير أن يتعتع أو يتزلزل عند تلاوتها، وهو بشر لم يطّلع على كتب السالفين، ولا يملك تصرّفا في أمور غائبة أو نائية في مستقبل قريب أو بعيد. وكان هو بذاته ينفي عن نفسه العلم بالغيب: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) «8». فلو لم يكن مستندًا إلى ركن وثيق ما أمكنه إطلاق مثل هذا، وكان قد جازف بدعوته وعرّضها للخطر، لو كان محتملاً للخلاف ولم يكن جازمًا بالأمر. وهذا بالإضافة إلى ما عرف عنه التعقّل والحكمة، ولم يعهد منه تسرّع في أمر أو تقوّل بلا رويّة، حتّى قبل أن يكرمه اللّه بالرسالة.

 

ولقد أدرك مشركو العرب هذه الحقيقة من خلال اختلاطهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والمؤمنين به، حيث صدقت الحوادث الواقعة ممّا أخبرهم به القرآن الكريم.

 

إنّ هذه الأنباء الصادقة التي جاء بها القرآن لدليل ظاهر وبرهان قاهر على أنّه كلام ربّ العالمين، الذي يستوي عنده علم السابق واللاحق، ولا تخفى عليه خافية. لقد ظهر صدق القرآن الكريم لكلّ ذي عينين في عشرات الحوادث التي أخبر عن وقوعها في المستقبل ووقعت بالفعل كما أخبر.

 

إنّ ظاهر الإخبار بالمغيّبات في القرآن الكريم وتصديق الوقائع لها وعدم تخلّف الصدق عنها في شيء لدليل على أنّه وحي ممّن خلق الأرض والسماوات العلى، أنزله على رسوله ليكون دلالة على صدق رسالته. وهذا على غرار ما أخبر به القرآن الكريم أو أشار إليه من خفايا أسرار الوجود، وقد كشفها العلم عبر العصور، دليلاً على صدق هذا الكتاب الذي لا( يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) «9».

 

فعلى العلماء وأهل الاختصاص أن يعايشوا القرآن الحكيم، ويستنطقوا آياته لكشف الأستار عن الإشارات القرآنية وعن تلميحاته عن الحقائق المودعة في هذا الكون وفي سجلّ التاريخ، ولتكون بحوثهم ونتاج جهودهم وسيلة لتحقيق وعد اللّه سبحانه وتعالى، وظهور هذا الدين على الدين كلّه، وليعمّ وجه البسيطة على الإطلاق. (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) «10».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة: 54.

(2) النساء: 133.

(3) الأنعام: 89.

(4) التوبة: 101.

(5) آل عمران: 144.

(6) محمّد: 38.

(7) راجع مجمع البيان: ج 3 ص 122 وص 208 وج 9 ص 108، والميزان: ج 7 ص 272.

(8) الأعراف: 188.

(9) فصّلت: 42.

(10) فصّلت: 53.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد