قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عبد الأعلى السبزواري
عن الكاتب :
السيد عبد الأعلى السبزواري، من أكابر علماء الشيعة الإمامية، ولد في الثامن عشر من ذي الحجّة ١٣٢٨ﻫـ في سبزوار بإيران، بدأ دراسته للعلوم الدينية في مسقط رأسه، ثمّ سافر إلى مشهد، ثمّ انتقل إلى النجف الأشرف التي استقرّ بها حتّى وافاه الأجل، مشغولاً بالتدريس والتأليف وأداء واجباته الدينية. من مؤلفاته: مواهب الرحمن في تفسير القرآن، تهذيب الأصول، لباب المعارف، جامع الأحكام الشرعية، وسوى ذلك الكثير. تُوفي في 27 صفر سنة 1414 بالنجف الأشرف، وشيع جثمانه من حرم أمير المؤمنين (ع)، ودفن بمسجده الذي كان يقيم فيه صلاته ويلقي فيه بحثه ودرسه.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (3)

بحث دلالي:

 

البسملة هي إيجاد الإضافة بين العبد وخالقه إضافة تشريفية، وقد اختيرت هذه الجملة المباركة لأن فيها من أوسمة الخير ما عرفت، فإن قرن العبد اعتقاده بالعمل بما يدعو إليه تعالى كانت البسملة وسامًا قوليًّا واعتقاديًّا وعمليًّا وإلّا كانت لفظية فقط لها بعض الآثار كالتبرك باللسان مثلاً.

 

ومثل هذه الإضافة لم تكن أمرًا غريبًا عند الناس بل هو مألوف عندهم بذكر أسماء عظمائهم ورؤسائهم في مبادئ أمورهم تشرفًا وتقربًا إليهم ووسامًا لأنفسهم مع أن المنسوب إليه كنفس المنسوب والنسبة في معرض الهلاك والزوال فأثبت القرآن للنّاس إضافة تشريفية إلى اللّه تبارك وتعالى الذي لم يزل ولا يزال وتبقى الإضافة إليه كذلك أيضًا فقرر ما هو المألوف لديهم بلفظ آخر وهو البسملة، كما في قوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) [سورة البقرة، الآية: 200] ومنه يعلم أهمية البسملة فإن فيها إضافة إلى الرحمن الرحيم الأزلي الأبدي ولهذا وردت أخبار تؤكد على الابتداء بها في جميع الأمور.... فإذا قال العبد المؤمن (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يكون من مظاهر رحمته تعالى من جهتين جهة التلفظ بالقول وجهة الذات فإن ذاته من مظاهر رحمته. كما عرفت.

 

ثم إنّ الاسم ما أنبأ عن المسمّى وهو تارة يكون ذات المسمّى وأخرى: جوهرًا موجودًا خارجيًّا وثالثة: عرضًا كذلك. والكل يصح بالنسبة إليه تعالى فمن الأول ما ورد في الأثر عن علي (عليه السّلام) «يا من دل على ذاته بذاته» فاتحد فيه تعالى الدال والمدلول واختلف بالاعتبار ومثله كثير. ومن الثاني أنبياء اللّه وأولياؤه الذين جاهدوا في اللّه، وفي الحديث: «نحن أسماء اللّه الحسنى»، بل عن بعض الفلاسفة المتألهين: «إن جميع الموجودات تحكي عن جماله وجلاله». ومن الثالث الأسماء اللفظية التي تطلق عليه تعالى....

 

والمعروف أنّ أسماءه تعالى توقيفية لا يجوز إطلاق اسم عليه تعالى لم يرد في الشريعة المقدسة إطلاق به عليه، وإن أمكن ذلك عقلاً، فلا يجوز إطلاق المادة والصورة عليه تعالى لامتناعه عقلاً وعدم الورود شرعًا، كما لا يجوز إطلاق العلة عليه تعالى لعدم وروده شرعًا وإن أمكن عقلاً.

 

وأما الخالق والجاعل وسائر مشتقاتهما فقد أطلقا عليه شرعًا وهو صحيح عقلاً أيضًا، كما أنّه لم يعهد إطلاق اللقب والكنية عليه تعالى لأجل أمور يأتي التعرض لها، وإن قيل إنّ الرحمن بمنزلة اللقب له تعالى، ولكنه لم أظفر بما يعضده من خبر يدل على ذلك.

 

بحث فقهي:

 

البسملة في أول كل سورة إما جزء منها أو من السورة التي تسبقها، أو آية متكررة في القرآن، أو من غيره، ذكرت تبركًا. والكل واضح البطلان كما يأتي سوى الأول وقد وردت النصوص على ذلك فتكون البسملة جزءًا من كل سورة التي افتتحت بها إلّا في سورة التوبة فإنه لا بسملة لها.

 

فعن علي (عليه السّلام): «البسملة في أول كل سورة آية منها وإنما كان يعرف انقضاء السورة بنزولها ابتداء للأخرى وما أنزل اللّه تعالى كتابًا من السماء إلّا وهي فاتحته». وعنه (عليه السّلام) أيضًا: «أنها من الفاتحة وأنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) كان يقرأها ويعدها آية منها ويقول فاتحة الكتاب هي السبع المثاني».

 

وعن أبي جعفر (عليه السّلام): «سرقوا أكرم آية من كتاب اللّه بسم اللّه الرحمن الرحيم». وعن الرضا (عليه السّلام): «ما بالهم قاتلهم اللّه عمدوا إلى أعظم آية في كتاب اللّه فزعموا أنّها بدعة إذا أظهروها». وفي سنن أبي داود قال ابن عباس: «إن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) كان لا يعرف فصل السورة - أي انقضاءها - حتّى ينزل عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

 

وفي صحيح ابن مسلم عن أنس قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله): «أنزل عليّ آنفًا سورة فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ». وروى الدارقطني عن أبي هريرة: «إذا قرأتم الحمد فإقرأوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإنّها أم القرآن أم الكتاب، والسبع المثاني وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إحدى آياتها».

 

والأخبار في كونها جزءًا من سور القرآن كثيرة من الفريقين. ويستحب الجهر بالبسملة مطلقًا كما ورد النص بذلك وقد جعل ذلك من علامات المؤمن كما في الحديث ولعل السر في ذلك هو أن الجهر بها إجهار بالحق وإعلان لحقيقة الواقع. كما تستحب الاستعاذة باللّه من الشيطان عند قراءة القرآن لقوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ( * ) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( * ) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [سورة النحل، الآية: 97 - 100] بل يستفاد من بعض الآيات لا سيما سورة الناس استحباب الاستعاذة مطلقًا. وهي إما قولية أو فعلية. واجتماعهما في واحد هو من الكمال.

 

بحث روائي:

 

عن نبينا الأعظم فيما رواه الفريقان: «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فهو أبتر». وعن الصادق عليه السلام: «لا تدعها (أي البسملة) ولو كان بعدها شعر». أقول: يحمل الخبر الأول على الأفضلية جمعا بينهما. وعن أبي جعفر (عليه السّلام): «أول كل كتاب نزل من السماء بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ». وعن الرضا (عليه السّلام): «إنها أقرب إلى اسم اللّه الأعظم من ناظر العين إلى سوادها». أقول: يأتي ما يتعلق بالاسم الأعظم ومراتبه. وآثاره ومن هو العالم به.

 

وعن أبي جعفر (عليه السّلام): «إذا قرأتها فلا تبال أن لا تستعيذ وإذا قرأتها سترتك ما بين السماء والأرض». أقول: ويظهر منه إنه عند دوران الأمر بين البسملة والاستعاذة تكون البسملة أولى. وعن الصادق (عليه السّلام): «من تركها من شيعتنا امتحنه اللّه بمكروه لينبهه على الشكر والثناء ويمحو عنه وصمة تقصيره عند تركه».

 

أقول: يظهر منه ومن جملة من الأخبار ان ترك المندوب وفعل المكروه فيه آثار خاصة فضلا عن ترك الواجب وفعل المحرم. وعن الرضا (عليه السّلام): «إنها الآية التي قال اللّه عزّ وجل: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً». وعنه (عليه السّلام) أيضًا في تفسير البسملة: «يعني اسم بسمة من سمات اللّه تعالى وهي العبادة. قيل له: ما السمة؟ قال (عليه السّلام): العلامة».

 

أقول: العلامات الدالة على اللّه عزّ وجل كثيرة فإما جوهر خارجي كالمشاعر العظام، أو عمل خارجي كالصّلاة، أو ذكر قلبي كالتفكر في عظمة اللّه تعالى والتوجه إليه، أو ذكر لفظي كالبسملة ونحوها. وفي رواية أنّ كل واحد من أجزاء البسملة إشارة إلى اسم من أسمائه تعالى فعن الصادق (عليه السّلام): «الباء بهاء اللّه، والسين سناء اللّه، والميم مجد اللّه( ملك اللّه) واللّه إله كل شيء الرحمن بجميع خلقه الرحيم بالمؤمنين خاصة».

 

أقول: المراد ببهاء اللّه جماله وجلاله والسناء بمعنى الرفعة، وأشار (عليه السّلام) في هذا التفسير إلى علم الحروف وهو علم شريف إلّا أنّه مكنون عند أهله. وعن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): «إنّ للّه عزّ وجل مائة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه فبها يتعاطفون ويتراحمون ادّخر تسعًا وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة». أقول: رواه الفريقان.

 

وعن علي (عليه السّلام): «الرحمن العاطف على خلقه بالرزق لا ينقطع عنهم مواد رزقه وإن انقطعوا عن طاعته». أقول: المراد من مواد الرزق أسبابه. وعن الصادق (عليه السّلام): «الرحمن اسم خاص لصفة عامة، والرحيم اسم عام لصفة خاصة». أقول: اسم خاص أي لا يطلق على غيره تعالى، والصفة العامة لأن رحمته تعالى وسعت كل شيء، والرحيم اسم عام لإطلاقه على غيره تعالى أيضا والصفة الخاصة يعني مختص بالمؤمنين في الآخرة وتقدم أن هذا الاختصاص إضافي أي أن أفضل أقسام الرحيمية إنما تكون للمؤمنين فقط.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد