قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

مصادر معلومات القرآن الكريم (2)

وحدة المنشأ هو السبب للتوافق على المنهج

وبعد، فإنّ ائتلاف الأديان السماوية واتّحاد كلمتها لا بدّ أن يكون عن سبب معقول، وهذا يحتمل أحد وجوه ثلاثة:

1 ـ إمّا لوحدة المنشأ، حيث الجميع منبعث من أصل واحد، فكان التشابه في الفروع المتصاعدة طبيعيًّا.

2 ـ أو لأنّ البعض متّخذ من البعض فكان التشاكل نتيجة ذاك التبادل يدًا بيد.

3 ـ أو جاء التماثل عن مصادفة اتفاقيّة وليس عن علّة حكيمة.

ولا شكّ أنّ الأخير مرفوض بعد مضادّة الصدفة مع الحكمة الساطية في عالم التدبير.

بقي الوجهان الأوّلان، فلنسائل القوم: ما بالهم تغافلوا عن الوجه الأوّل الرصين وتواكبوا جميعًا على الوجه الهجين؟! إنّ هذا لشيء مريب!

 

هذا، والشواهد متضافرة تدعم الشقّة الأولى لتهدم الأخرى من أساس:

أوّلًا: صراحة القرآن نفسه بأنّه موحى إلى نبيّ الإسلام وحيًا مباشريًّا نزل عليه ليكون للعالمين نذيرًا، فكيف الاستشهاد بالقرآن لإثبات خلافه!؟ إن هذا إلّا تناقض في الفهم واجتهاد في مقابلة النصّ الصريح!

ثانيًا: معارف فخيمة قدّمها القرآن إلى البشرية، بحثًا وراء فلسفة الوجود ومعرفة الإنسان ذاته، لم يكد يدانيها أيّة فكرة عن الحياة كانت البشرية قد وصل إليها لحدّ ذاك العهد، فكيف بالهزائل الممسوخة التي شحنت بها كتب العهدين؟!

ثالثًا: تعاليم راقية عرضها القرآن لا تتجانس مع ضآلة الأساطير المسطّرة في كتب العهدين، وهل يكون ذاك الرفيع مستقى من هذا الوضيع؟!

إلى غيرها من دلائل سوف يوافيك تفصيلها.

 

القرآن يشهد بأنّه موحى

وأمّا إن كنّا نستنطق القرآن فإنّه يشهد بكونه موحى إلى نبيّ الإسلام محمّد صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله كما أوحى إلى النبيّين من قبله: (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً. رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً. لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً). (23)

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ). (24)

والآيات بهذا الشأن كثيرة، ناطقة صريحًا بكون القرآن موحى إلى نبيّ الإسلام وحيًا مباشريًّا لينذر قومه ومن بلغ كافّة.

أمّا أنّه صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله تلقّاه (التقطه) من كتب السالفين وتعلّمه من علماء بني إسرائيل فهذا شيء غريب يأباه نسج القرآن الحكيم.

 

القرآن في زبر الأوّلين

وأمّا ما تذرّع به صاحبنا الأسقف درّة فملامح الوهن عليه بادية بوضوح:

قوله تعالى: (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى). (25)

هذا إشارة إلى نصائح تقدّمت الآية (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى. بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى). وذلك تأكيد على أنّ ما جاء به محمّد صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله لم يكن بدعًا ممّا جاء به سائر الرسل (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ). (26) فليس الذي جاء به نبيّ الإسلام جديدًا لا سابقة له في رسالات الله، الأمر الذي يستدعيه طبيعة وحي السماء العامّ وفي كلّ الأدوار من آدم فإلى الخاتم. فإنّ شريعة الله واحدة لا يختلف بعضها عن بعض. فالإشارة راجعة إلى محتويات الكتاب توالى نزولها حسب توالي بعثة الأنبياء. فالنصائح والإرشادات تكرّرت مع تكرّر الأجيال. هذا ما تعنيه الآية لا ما زعمه صاحبنا الأسقف!

وهكذا قوله تعالى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى). (27)

يعود الضمير إلى من وقف في وجه الدعوة مستهزئًا بأن سوف يتحمّل آثام الآخرين إن لم يؤمنوا بهذا الحديث. فيردّ عليهم القرآن: ألم يبلغهم أنّ كلّ إنسان سوف يكافأ حسب عمله ولا تزر وازرة وزر أخرى؟ فإن لم يعيروا القرآن اهتمامًا فليعيروا اهتمامهم لما جاء في الصحف الأولى، وهلّا بلغهم ذلك وقد شاع وذاع خبره منذ حين؟! وهكذا سائر الآيات تروم هذا المعنى لا غير!

(أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ)(28)

وآية أخرى على صدق الدعوة المحمّدية: أنّ الراسخين في العلم من أهل الكتاب يشهدون بصدقها ممّا عرفوا من الحقّ: (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) (أي من أهل الكتاب) (وَالْمُؤْمِنُونَ) (أي من أهل الإسلام) (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ). (29)

(وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ). (30) وهؤلاء هم القساوسة والرهبان الذين لا يستكبرون، ومن ثمّ فهم خاضعون للحقّ أين وجدوه، وبالفعل فقد وجدوه في حظيرة الإسلام.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) (أيها الكافرون بالقرآن) (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) (ممن آمن برسالة الإسلام) (عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ). (31)

الضمير في قوله «على مثله» يعود إلى القرآن. يعني أنّ من علماء بنى إسرائيل من يشهد بأنّ تعاليم القرآن تمامًا مثل تعاليم التوراة التي أنزلها الله على موسى، ولذا آمن به لما قد لمس فيه من الحقّ المتطابق مع شريعة الله في الغابرين. وكثير من علماء أهل الكتاب آمنوا بصدق رسالة الإسلام فور بلوغ الدعوة إليهم، حيث وجدوا ضالّتهم المنشودة في القرآن فآمنوا به. فكانت شهادة عمليّة إلى جنب تصريحهم بذلك علنا على الملأ من بني إسرائيل.

وهذا هو معنى شهادة علماء بني إسرائيل بصدق الدعوة، حيث وجدوها متطابقة مع معايير الحقّ الذي عندهم. لا ما حسبه صاحبنا الأسقف بعد أربعة عشر قرنا أنّه مقتبس من كتبهم ومتلقّى من أفواههم هم!! الأمر الذي لم يقله أولئك الأنجاب وقد أنصفوا الحقّ الصريح! (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ). (32) (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ). (33)

وهذه المعرفة ناشئة عن لمس الحقيقة في الدعوة ذاتها وفقا لمعايير وافتهم على أيدي الرسل من قبل. وقد لمسها أمثال صاحبنا الأسقف اليوم أيضًا ولكن (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا)(3) كالذين من قبلهم (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ)(34) ممّن حاول إخفاء الحقيقة ـ قديـمًا وحديثًا ـ فضلّوا وأضلّوا وما كانوا مهتدين.

__________________

 (23) النساء 4 : 163 ـ 166.

(24) الأنعام 6 : 19.

(25) الأعلى 87 : 18 و 19.

(26) الأحقاف 46 : 9.

(27) الأعلى 87 : 18 و 19.

(28) النجم 53 : 36 ـ 38.

(29) الشعراء 26 : 196 و 197.

(30) الأحقاف 46 : 12.

(31) فصّلت 41 : 3.

(32) الأنعام 6 : 114.

(33) الأنعام 6 : 20.

(34) النمل 27 : 14.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد