مقالات

الحجّ جوهرة الإيمان

الحج من الفرائض الدينية التي تزيد جوهرة الإيمان في الفرد، وكذلك في المجتمع. فالمجتمع الذي يبعث بوفده إلى الرحمن سبحانه وتعالى، هذا المجتمع تزداد فيه جوهرة الإيمان وحقائقه، وليست فقط مظاهره. ذلك أن الحج ليس ذا جانب فردي فقط، وإنما هو عبادة فردية واجتماعية.

 

فالإنسان منذ أن يخرج من بيته متوجهاً إلى الله سبحانه، وملبياً داعي الله، فإن الملائكة منذ تلك اللحظة تحف به، ويكون قلبه يخفق بالإيمان، وينبض بالتقوى، ولا يواجه في طريقه صعوبة أو مشكلة أو أذًى، إلّا وتسجل له بذلك حسنة.

 

إن هذا الإنسان هو في ضيافة الله، محفوفاً بملائكة الله، إلى أن يذهب إلى التلبية.. " لبيك اللهم لبيك.. لا شريك لك.." وهنا لك يستجيب الله سبحانه وتعالى له، لأنه ضيف عند أكرم المضيفين.

 

وهكذا فإن هذا الإنسان منذ لحظة خروجه من بيته حاجاً، إلى أن يصل إلى الميقات، ومن الميقات إلى مكة المكرمة.. إلى أن يكون في وادي عرفة، فإذا كان ظهيرة يوم عرفة في ذلك الواد، فإن الله سبحانه يخاطبه، ويقول له عبدي: "قد غُفر لك، وطهرت من الدنس، فاستقبل واستأنف العمل". «1»

 

وكما جاء في الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ".. فقال أبي عليه السلام: ما وقف بهذا الموقف - عرفات - أحد من الناس من مؤمن ولا كافر إلّا غفر الله له". «2»

 

فهذه الأوراق التي طلاها الحاج بالسواد أاعماله السيئة في كل حياته، تتساقط عنه وتزول، ويفتح صفحة جديدة، ويكون كيوم ولدته أمه. ولكن المشكلة هي بمجرد خروجه من عرفات، لأن الشيطان يلحقه مرة أخرى، كما جاء في الحديث الشريف، لذلك فإن الكثير من المؤمنين يتمنون الموت في تلك اللحظة، ويدعون الله بذلك.

 

روي أن الحج أفضل من الصلاة والصيام، لأن المصلي إنما يشتغل عن أهله ساعة، وإن الصائم يشتغل عن أهله بياض يوم، وإن الحاج يشخص بدنه ويضحى نفسه وينفق ماله ويطيل الغيبة عن أهله لا في مال يرجوه ولا إلى تجارة. «3» ذلك أن الحاج يواجه في الحج تلك الصعوبات؛ في عرفات، وعند الجمرات، أو في الطواف.. وقد يواجه هناك الموت من شدة الحر والزحام، فهو حاسر الرأس امام أشعة الشمس اللاهبة، وهو هناك ليس فقط لا يجوز له أن يزاحم أحد أو يدفعه، بل حتى الجدال بالحق لا يجوز له (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجّ).ِ (البقرة / 197)

 

فهو لا يستطيع أن يقول لا والله، بلى والله. فهناك تسليم مطلق لله عز وجل.

 

فالمجاهد إذا يقتل فهو قد قاتل وقَتل وقُتل، أما الحاج فإنه إن مات مات بدون أن يدافع عن نفسه، ولو كان يدافع عن نفسه لربما لم يمت. وهذا التسليم المطلق يربي في الإنسان جوهرة الإيمان ويصقلها ويصبغ حياته صياغة إيمانية جديدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحج ضيافة الله / محمد تقي مدرسي.

(1) بحار الأنوار / ج 96 / ص 262.

(2) بحار الأنوار / ج 96 / ص 249.

(3) وسائل الشيعة / ج 8 / ص 78.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد