7 - يحرم ملاحقة المجرم الذي أقدم من خارج الحرم على جريمة تستوجب قصاصاً أو حدّاً أو تعزيراً ففر إلى الحرم، احتراماً للحرم، وأمنه، ولكن يضيّق عليه، ويمنع من الشراء من الأسواق حتى يضطر للخروج من الحرم. وقد استدل الفقهاء على ذلك بقوله تعالى: (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) «1» «2».
روى ثقة الإسلام الكليني بسند معتبر عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (الصادق) (ع) عن رجل قتل رجلًا في الحل، ثم دخل الحرم، فقال: لا يقتل، ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يباع، حتى يخرج من الحرم، فيقام عليه الحدّ قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال: يقام عليه الحدّ في الحرم صاغراً؛ لأنه لم ير للحرم حرمة، وقد قال الله عز وجل: (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) «3».
وروى أيضاً بسند معتبر عن الحلبي، عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن قول الله عزّوجل: (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً). قال: «إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية، ثم فَرَّ إلى الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم، ولكن يمنع من السوق، ولا يبايع ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يتكلم، فإنه إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم، لأنه لم يرع للحرم حرمة» «4».
عن عبد الله بن سنان أنه سأل أبا عبد الله (الصادق) (ع) عن قول الله عز وجل: (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) قال: «من دخل الحرم مستجيراً به كان آمناً من سخط الله، ومن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى، حتى يخرج من الحرم» «5». والنصوص بهذا المعنى كثيرة.
فإذا كان لا يجوز ملاحقة المجرم في الحرم، ولا يجوز تنفير الصيد وتهييجه وأذاه فلا يجوز بشكل آكد وأبلغ ترويع المسلمين وإرعابهم في رحاب حرم الله، وتعظم حرمته عند الله.
روى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: سألته عن قوله تعالى (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً). قال: «يأمن فيه كل خائف مالم يكن عليه حدّ من حدود الله» «6».
والذي يقرأ اهتمام القرآن بأمْن هذا البيت لا يشك في أنّ للأمن دوراً أساسياً في رسالة البيت. وقد كان (أمن البيت) من دعاء إبراهيم (ع). (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً). «7» (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً). «8» وبين الدعاءين فرق.
في الدعاء الأول يدعو إبراهيم (ع) أن يجعل الله الكعبة بلداً أمناً، ويبدو أنّ هذا الدعاء كان قبل أن يحل الناس بجوار الكعبة فيكون بلداً، فدعا الله تعالى أن يجعل البيت بلداً آمناً.
وفي الدعاء الثاني يدعو الله تعالى أن يجعل هذا البلد آمناً، ويبدو أن الدعاء كان بعد أن حلّ الناس بجوار البيت. ومن اهتمام القرآن بأمن البيت: القَسَمُ بالبلد الأمين، يقول تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) «9».
ويمنّ الله تعالى على المؤمنين: أن جعل لهم الحرم آمناً، تجبى إليه الثمرات من كل حدب، ومكّنهم منه... (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) «10». فقد مَنَّ الله تعالى عليهم إذن، في هذه الآية مرتين. مَكَنَّهم من حرمه، بعد أن كان بيد المشركين وتحت نفوذهم وهذا هو المن ّالأول. وجعله آمناً في وسط دنيا صاخبة وهائجة بالحروب، ويتخطف الناس من حوله وهو المنّ الثاني. يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) «11».
8 - يحرم التمكين لولاية الظالمين على البيت الحرام، الذين يصدون الناس عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، ويعطلون دور هذا البيت، ويجب تمكين المتقين من ولاية البيت الذين يُعدّون البيت ويطهّرونه للطائفين والقائمين والركّع السجود. يقول تعالى: (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) «12».
وقد أوعد الله تعالى الذين كفروا، والذين يصدون الناس عن سبيله والمسجد الحرام بالعذاب الأليم فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) «13». فأنذر الذين يصدّون عن المسجد الحرام، الذي جعله الله تعالى للناس عامة بالعذاب الأليم.
ويندّد القرآن بأولئك الظالمين الذين يصدون الناس عن المسجد الحرام: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) «14» فَيُحرّم على الناس تمكين الظالمين من ولاية البيت الحرام، ويجب عليهم تحرير هذا البيت من نفوذ الطاغوت وسلطانه، كما يجب عليهم تمكين المتقين منه؛ وقد وصف الله تعالى هذا البيت بـــ - (العتيق) فقال تعالى: (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) «15».
وقال تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) «16». والعتيق من العتق، وهو التحرير. فهذا البيت حَرّره الله تعالى من قبضة الظالمين مثل أبرهة، وعتاة قريش، ولم يجعل الله لأحد عليه سلطاناً في دينه، ولم يمُلِّكه أحداً من الناس حتى يكون بيتاً للناس جميعاً.
يقول الجزائري في آيات الأحكام في معنى العتيق: إنه لا يملكه أحد من الناس. ثم ذكر في معناه أيضاً: أنه عُتِق من الجبابرة، وحفظه منهم كأبرهة وغيره «17». عن أبي جعفر الباقر (ع) في جواب من سأل: لِمَ سمَّي البيت عتيقاً؟ قال: هو بيتٌ حرٌ عتيق من الناس لم يملكه أحد «18».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران : 97
(2) راجع « آيات الأحكام للجزائري » 7 : 2
(3) وسائل الشيعة 337 : 9
(4) المصدر نفسه 337 : 9 ، ح 2
(5) المصدر نفسه 202 : 9
(6) المصدر نفسه 339 : 9
(7) البقرة : 126
(8) إبراهيم : 35
(9) التين : 1 ، 2 ، 3
(10) القصص : 57
(11) العنكبوت : 63
(12) الأنفال : 34
(13) الحج : 25
(14) الفتح : 25
(15) الحج : 29
(16) الحج : 29
(17) آيات الأحكام للجزائري 26 : 2
(18) وسائل الشيعة 347 : 3
الشيخ محمد مهدي النراقي
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد الريشهري
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عدنان الحاجي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد صنقور
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
الإمام الباقر عليه السلام: هكذا تكون سعيداً
الحج وإيجاد الإنسان
بين يديّ الإمام الباقر عليه السّلام
زكي السّالم: كيف تصبح متملّقًا في تسع دقائق ونصف؟
ما جرى على البيت الحرام في تاريخ الإسلام
الحج ووحدة المسلمين وإيقاظهم
الحج دعوة وتلبية (1)
الإمام الجواد: شباب في مهبّ السّموم
(ملمس الظّلّ) جديد الشّاعر حسن المبارك
منتدى الينابيع الهجريّة يحتفي بثلاثة من شعرائه