ترى لماذا جعل الله تعالى البيت الحرام مثابة للناس وأمنًا؟ ولماذا أذن إبراهيم الخليل بالحج في الناس؟ وهل هناك منفعة أعظم من أن يلملم المسلمون أطارفهم، ويجمعوا شتاتهم، ويغيروا واقعهم؟
إن هذه المنفعة هي أصل المنافع. فلقد جعل الله سبحانه الحج في وقت واحد، كما يقول جل شأنه: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ). (البقرة / 197)
ونحن إذا قرأنا تروك الإحرام، نجد أن أهمها وأبرزها تلك التي تخدم وحدة المسلمين. فتروك الإحرام الأصلية أربعة، هي: التفث أي الممارسة الجنسية بكل مقدماتها، والجدال، والفسوق، والصيد كما جاء في آيات أخرى. أما بقية تروك الإحرام، فإنها تنبثق كلها من تلك التروك الرئيسية؛ منها ترك الزينة. ففي الحج يستحب للإنسان أن يكون أشعث أغبر.
كما حرم تعالى الفسوق؛ أي أن يتفاخر إنسان على آخر، ذلك لأن الحج يجب أن يكون موضعاً يسقط فيه التفاخر والتعالي. فقد جاء في الحديث الشريف: "ليس لله منسك أحب إليه من السعي وذلك أنه يذلُّ فيه الجبارين" «1».
ففي هذه المسيرة تسقط الاعتبارات والحواجز والأنانيات.. لينعم الجميع بخيرات الحج. وفي سورة المائدة وعندما يحدثنا القرآن عن شعائر من الهدي وعن القلائد، فإنه يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
وبناء على ذلك فإن الهدف من الحج أن نوحد طاقاتنا، وإذا ما وجدنا اليوم هذا التفتت، وإذا رأينا المسلم يقتل أخاه المسلم، فإننا سنجد علاج ذلك في الحج الذي هو المكان الذي يجبأان يتوافد إليه المسلمون جميعًا، ويوحدوا أنفسهم، ويلغوا الحواجز ليشهدوا منافع لهم. ومن أعظم هذه المنافع، منفعة الوحدة والتفاهم والتحبب والتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان.
الحج.. علاج مشاكل الأمة
ترى كيف نستطيع أن نستخلص هذه الفائدة من الحج؟
للإجابة على هذا السؤال الهام، نقول: إننا وبسبب التخلف، والأفكار التي يبثها الطغاة بيننا، لم نعرف الدين حق معرفته. في حين أنه نظام إلهي للبشرية يعالج كل مشاكلها. فهو ليس مجرد تجربة بين الإنسان وربه كما يقول بذلك بعض الفلاسفة الغربيين الذين يرون أن الدين ما هو إلا علاقة قلبية بين الإنسان وخالقه. وبالفعل فقد أثرت هذه النظرة علينا فانفصلت جميع مجالات حياتنا عن الدين، وخصوصاً المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. فترى الواحد منا يرتكب الذنوب من مثل الكذب، في حين أنه يستعظم على الآخرين أن يكذبوا عليه.
وهكذا فقد أصبح الدين ألعوبة في أيدينا، فلم يعد ينفعنا. في حين أن الدين الذي أمر الله به هو الدين الذي قال عنه نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" «2» والذي قال عنه: "من أصبح ولا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم" «3»، فالأحداث التي تجري في عالمنا الإسلامي يجب أن نهتم بها، وكأنها تقع في بلادنا. فعلينا أن نهتم بسائر المسلمين كما نهتم بعوائلنا، ولنعتبر المجتمع الإسلامي الكبير عائلتنا، لأن الدين يوصينا أن نوقر كبارنا، ونرحم صغارنا.
وللأسف فإن هذا الدين صار اليوم مهجوراً بيننا، وأنا لا أخفي خشيتي من هذا الواقع المرير الذي نعيشه. ولذلك فإن علينا أن نهتم جميعًا بأمور المسلمين، وأن نبادر إلى علاج المشاكل التي نعاني منها. فأنا لست متأسفاً على الواقع الذي نعيشه، بقدر خشيتي من أن يكون دليلًا على غضب الله سبحانه وتعالى علينا. علماً أن غضبه - جلّت قدرته - لا يقتصر على الدينا فحسب، وأننا سوف لا نتخلص منه بالموت، بل إن هناك حساباً عسيراً وراءنا. فكف يمكن لنا أن نجيب ربنا بهذه التبريرات العجيبة الداعية إلى الدعة والراحة؟
إنه تعالى شديد الحساب، وكتابه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها، وإن كان ذنبنا يتمثل في ترك ركعتين من الصلاة؛ فكيف إذا كان هذا الذنب يتمثل في ترك نصر المظلومين؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحج ضيافة الله / محمد تقي مدرسي
(1) فروع الكافي / ج 4 / ص 434 / ح 4.
(2) بحار الأنوار / ج 72 / ص 38 .
(3) المصدر / ج 71 / ص 337 .
الشيخ محمد مهدي النراقي
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد الريشهري
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عدنان الحاجي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد صنقور
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
الإمام الباقر عليه السلام: هكذا تكون سعيداً
الحج وإيجاد الإنسان
بين يديّ الإمام الباقر عليه السّلام
زكي السّالم: كيف تصبح متملّقًا في تسع دقائق ونصف؟
ما جرى على البيت الحرام في تاريخ الإسلام
الحج ووحدة المسلمين وإيقاظهم
الحج دعوة وتلبية (1)
الإمام الجواد: شباب في مهبّ السّموم
(ملمس الظّلّ) جديد الشّاعر حسن المبارك
منتدى الينابيع الهجريّة يحتفي بثلاثة من شعرائه