مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد مغنية
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد مغنية، ولد عام 1322ﻫ في قرية طير دبّا، إحدى قرى جبل عامل في لبنان، درس أوّلاً في مسقط رأسه ثمّ غادر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وحين عاد إلى وطنه، عُيّن قاضيًا شرعيًّا في بيروت، ثمّ مستشارًا للمحكمة الشرعيّة العليا، فرئيسًا لها بالوكالة. من مؤلّفاته: التفسير الكاشف، فقه الإمام الصادق(ع)، في ظلال نهج البلاغة، الفقه على المذاهب الخمسة، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، الإسلام والعقل، معالم الفلسفة الإسلامية، صفحات لوقت الفراغ، في ظلال الصحيفة السجادية، وسوى ذلك الكثير. تُوفّي في التاسع عشر من المحرّم 1400ﻫ في بيروت، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن في حجرة 17 بالصحن الحيدري.

هل أقدم الحسين (ع) على التّهلكة (1)

قد يتساءل: كيف تحدّى إبراهيم الخليل عليه السّلام شعور قومه، وأهانهم في آلهتهم وأعظم مقدّساتهم، ولم يعبأ بالنّمرود صاحب الحول والطّول؟! هذا، وهو أعزل من السّلاح، والمال لا ناصر له، حتّى أبويه لم يجرءا على مناصرته والذّب عنه.

 

حطّم الخليل آلهة قومه، وداسها بقدميه، وقال للألوف المؤلّفة: (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) «1»، ولم يخش سطوتهم، ونارهم الّتي أوقدوها لحرقة حيًّا.

 

وموسى الكليم عليه السّلام الشّريد الطّريد الّذي أكل بقلة الأرض حتّى بانت خضرتها من شفيف بطنه لهزاله، وحتّى سأل ربّه قطعة خبز، وتضرّع إليه بقوله: (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) «2». هذا الفقر إلى لقمة الخبز يصرخ في وجه فرعون المتألّه، صاحب النّيل، والملك العريض الطّويل، ويقول له: أنت الضّال المضّل!...

 

ومحمّد اليتيم صلّى اللّه عليه وآله «3» الّذي لا يملك شيئًا من حطام الدّنيا «4» كيف سفّه أحلام قريش سادة العرب، وسبّ آلهتهم؟! وبأيّة قوّة هدّد كسرى ملك الشّرق، وقيصر ملك الغرب، وكتب إلى كلّ أسلم تسلم «5»؟!.

 

وبكلمة واحدة، ما هي القوّة؟ وما هو الدّافع الّذي بعث الأنبياء والرّسل على تلك المغامرات الّتي لا يقدم عليها إلّا معتوه لا يدري ما يقول، أو رسول لا ينطق بلسانه، بل لسان قوّة خارقة، وفوق القوى جميعًا؟!.

 

وليس من شك أنّ الأنبياء حين يدعون الجبابرة الطّغاة، وأهل الجاه والسّلطان دعوة الحقّ إنّما يدعونهم مدفوعين بقوّة لا تقاوم، ويخاطبونهم باسم اللّه الّذي يؤمنون به أكثر من إيمانهم بأنفسهم، وباسم الوحي الّذي يسمعونه بعقولهم وآذانهم.

 

يقدم الجيش أو يحجم بأمر قائده ورئيسه، ويبرز الفرسان إلى الميدان فيقتلون أو يقتلون، ومن يقتل فهو شهيد تقام له حفلات التّكريم والتّعظيم، وترفع له في السّاحات العامّة النّصب والتّماثيل، وتوضع على قبره أكاليل الأوراد والزّهور. وهكذا الأنبياء يقدمون بدافع من اللّه وقيادته، ويتّحدون أهل القوّة والسّلطان بأمر اللّه وإرادته، فينتصرون أو يقتلون، وهم في الحالين عظماء يمتثلون أمر اللّه، وبه يعملون، فإذا استشهدوا فإنّما يستشهدون، وهم يبلغون كلمة اللّه إلى خلقه، ويمثلون الإنسان في أسمى حالات الإخلاص والتّضحية.

 

هذا هو منطق أهل الدّين والعقل، وهذي هي عقيدة أصحاب الإيمان والوجدان، أمّا الملحدون الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر من شباب هذا العصر، ومثلهم السّذّج المغفلون من قبل ومن بعد، أمّا هؤلاء فيقولون: لقد جازف الحسين بخروجه إلى العراق، لأنّ أهله أهل الغدر، والنّفاق، وأصحاب أبيه وأخيه، وإذا خرج، وخدعته كتبهم ورسلهم فكان عليه أن يستسلم، بعد أن رأى ما رأى، من عزمهم وتصميمهم على قتله، وعجزه عن الذّب والدّفاع عن نفسه وأهله. قالوا هذا، وهم يعتقدون أنّ الاستشهاد فضيلة ممّن استشهد مع قائد يملك العدّة والعدد. أمّا الحسين في نظرهم فقد خاطر وجازف، لأنّه استشهد ولا قوّة تدعمه، وسلطان يناصره «6».

 

إنّ الّذين يقولون هذا القول يخطئون الفهم، ولا ينظرون إلى أبعد من أنوفهم، أنّ الحسين لم ينهض من تلقاء نفسه، ولم يخرج إلى العراق رغبة في شيء من أشياء هذه الحياة، وإنّما خرج بأمر اللّه، وقاتل بإرادة اللّه، واستشهد بين يدي اللّه، فكما أنّ الجندي لا مناص له من البراز والنّزال حين صدرت أوامر رئيسه وقائده، كذلك الحسين لا ندحة له إلى التّخلص والفرار بعد أن أمره اللّه... ممّا كان وفعل، ويؤكد هذه الحقيقة قول الحسين لمن نهاه عن الخروج، فلقد أتاه فيمن أتاه جابر بن عبد اللّه الأنصاري، وقال له: أنت ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وأحد سبطيه لا أرى إلّا أن تصالح كما صالح أخوك، فأنّه كان موقفًا رشيدًا.

 

فقال له الحسين، يا جابر! قد فعل ذلك أخي بأمر اللّه تعالى ورسوله صلّى اللّه عليه وآله، وأنا أيضا أفعل بأمر اللّه تعالى ورسوله صلّى اللّه عليه وآله «7».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأنبياء: 67.

(2) القصص: 24.

(3) ماتت أمّه، وله ست سنين. انظر، الخصائص الكبرى: 1 / 80. الحاوي للفتاوي: 2 / 22، السّيرة لزيني دحلان بهامش السّيرة الحلبيّة: 1 / 57. السّيرة لابن هشام: 1 / 168، مروج الذّهب: 2 / 275، الطّبقات الكبرى لابن سعد: 1 / 116، البداية والنّهاية لابن كثير: 2 / 255، تأريخ الطّبريّ: 2 / 272، الرّوض الأنف للسّهيلي: 1 / 8، تأريخ اليعقوبيّ: 2 / 6، حاشية البجيرميّ: 2 / 249، مسالك الحنفا: 63، دلائل النّبوّة للبيهقي: 1 / 188.

(4) كلّ ما ورثه النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله من أبويه أمة، وهي أمّ أيمن، وخمسة جمال، وقطيعة غنم، وقد أعتق أمّ أيمن حين تزوّج بخديجة. انظر، تركة النّبي: 1 / 101.

(5) انظر، صحيح البخاري: 1 / 9، صحيح مسلم: 3 / 1396، مسند أحمد: 1 / 262، صحيح ابن حبّان: 14 / 495، مسند أبي عوانه: 4 / 268، السّنن الكبرى للبيهقي: 9 / 176، معتصر المختصر: 1 / 207، المعجم الكبير : 8 / 15، تفسير ابن كثير: 3 / 395، تفسير البيضاويّ: 4 / 9، أسباب النّزول: 169.

(6) انظر، العواصم من القواصم، تحقّيق: محبّ الدّين الخطيب - طبع سنة (1371 ه): 232. مثل هذه الأكاذيب والمقولات الموضوعة، أو الّتي لا تفسّر بشكلها الصّحيح هي الّتي شلّت حركة الأمّة، وجعلتها قابعة تحت سيطرة الحاكم المستبد، وأطفأت الرّوح الجهاديّة في الأمّة. هذا أوّلا.

وثانيًا: ليست هذه هي المرّة الأولى الّتي نقرأ فيها الزّور، والبهتان على الشّيعة، فلقد عودنا بعض الكتّاب المستأجرين من المستعمرين، والوهابيّين على شحنائهم، وأسوائهم الّتي استفاده منها أعداء الإسلام والمسلمين، ولم تضر الشّيعة شيئًا، ولكن الشّيء الجديد هو هذا الكذب الصّراح على اللّه والرّسول، وتحريف آي الذّكر الحكيم، والدّس في سنّة الرّسول العظيم... وليس من شكّ أنّ السّكوت عن الجبهان، ومحبّ الدّين الخطيب، وغيرهما ممّن كتب ونشر، وحمل وتحامل على الشّيعة والتّشيّع لآل الرّسول قد أدّى كنتيجة طبيعيّة إلى الكذب والافتراء على اللّه وآياته، والنّبيّ وعترته، والإسلام وحماته.

وثالثًا: وهذه «رسالة العقيدة الواسطية» لابن تيميّة الّذي يقدّسه الوهابيون «فصل في سنّة رسول اللّه» جاء فيها: «ينزل ربّنا إلى سماء الدّنيا كلّ ليلة حين يبقى ثلث اللّيل الآخر فيقول: من يدعوني استجب له؟ من يسألني أعطيه؟ من يستغفرني فاغفر له؟» ثمّ قال ابن تيمية: هذا متفق عليه... وأيضًا جاء فيه: «لا تزال جهنّم يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد؟ حتّى يضع ربّ العزّة فيها رجله فتقول: قطّ قطّ» وقال أيضًا: متفق عليه. انظر، الفصل في الأهواء والملل والنّحل: 1 / 167.

ورابعًا: لقد وجد معاوية أبا هريرة، وسمرة بن جندب يضعان الأحاديث الكاذبة على لسان الرّسول في مدح معاوية، والطّعن على عليّ؛ كما وجد ولده يزيد شيخًا يقول: أنّ الحسين قتل بسيف جدّه!... لم توجد هذه الكلمة في تأريخ ابن خلدون الموجود الآن، وكأنّه ذكرها في النّسخة الّتي رجع عنها كما قال بعض المؤرّخين. انظر، الضّوء اللّامع: 4 / 147، فيض القدير شرح الجامع الصّغير: 1 / 265 ح 281 و : 5 / 313 ح 7163.

(7) انظر، الثّاقب في المناقب: 322 ح 266، معالم السّبطين: 1 / 216.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد