
الشيخ محسن قراءتي
وَرَبَّ الظِّلِّ وَالْحَرُورِ:
الظلّ بمعنى الفيء، والحَرور بمعنى شدّة الحرّ. والله تعالى هو مالك كليهما، وهو خالق الدنيا والآخرة، ومالك الأضداد وجاعلها، وإله الليل والنهار.
وقد ورد لفظا الظلّ والحَرور في سورة فاطر (الآية 21): {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} [فاطر: 21]، حيث شُبِّه المؤمن والكافر بالظلّ والشمس. ونتيجة هذا التشبيه وهذه المقايسة هي أنّ شخصيّة المؤمن ومصيره ليسا كالكافر.
إنّ تشبيه المؤمن بالظلّ الذي يُطمأنّ إليه، والكافر بالريح الحارّة الحارقة، ساق له بعض المفسرين معنى للآية يناسب حالهما من حيث النتيجة، فقال: المقصود بالظلّ الجنّة؛ لأنّها ذات ظلّ دائم، والمقصود بالحَرور نار جهنّم؛ لأنّها ذات حَرور (1). كما أنّه قد ورد في الروايات إطلاق "يوم الحَرور" بعنوانه وصفاً ليوم القيامة.
وعلى هذا، فالله سبحانه وتعالى هو المالك والربّ للشمس والظلّ، وإذا شئتم النجاة من حرّ الشمس والعذاب الإلهيّ في الدنيا والآخرة، وأن تكونوا في ظلّ الأمن الإلهيّ، فالطريق الوحيد لذلك فقط هو اتباع القرآن الكريم.
عن معاذ بن جبل، كنّا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في سفر.. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن أردتم عيش السعداء وموت الشهداء، والنجاة يوم الحشر، والظلّ يوم الحَرور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن، فإنّه كلام الرحمن، وحرزٌ من الشيطان، ورجحان في الميزان" (2).
وَمُنْزِلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ:
يخاطب الله تعالى نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87] والإنصاف إنّ القرآن كتاب عظيم جدّاً. إنّ من بين 114 سورة قرآنيّة، تبدأ 29 سورة بالحروف المقطّعة، وفي 24 مورد بعد هذه الحروف، تتحدّث الآيات عن القرآن ومعجزته وعظمته، كما في سورة البقرة بعد قوله تعالى: ﴿الم﴾، يقول سبحانه: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾، ثمّ يشير إلى عظمة القرآن.
إن الكُتَّاب عموماً لا يرون كُتُبَهم خاليةً من النقص، ويعتذرون عمّا فيها من النقص أو الإشكالات، ويتقبّلون الملاحظات والاقتراحات التي تأتي في هذا المجال، لكنّ الله تعالى فقط يقول عن كتابه بصراحة: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس: 1]، إذ جميع آياته محكمة، وهي قائمة على أساس الحكمة، فهو كتاب مُحكم لا يقبل الخلل، ولا طريق فيه إلى أيّ نقصٍ أو عيب.
وقد بيّنت الروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) عظمة القرآن الكريم، منها ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: "أَلَاَ إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتي، وَالْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي، وَدَوَاءَ دَائِكُمْ، وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ" (3). "...وبَحْراً لَا يُدْرَكُ قَعْرُه.. وتِبْيَاناً لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُه، وشِفَاءً لَا تُخْشَى أَسْقَامُه، وعِزّاً لَا تُهْزَمُ أَنْصَارُه، وحَقّاً لَا تُخْذَلُ أَعْوَانُه" (4). "وَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ، وَسَبَبُهُ الأمِينُ، وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ، وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ، وَمَا لِلْقَلْبِ جَلاَءٌ غَيْرُهُ" (5). "وعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّه، فَإِنَّه الْحَبْلُ الْمَتِينُ، والنُّورُ الْمُبِينُ، والشِّفَاءُ النَّافِعُ، والرِّيُّ النَّاقِعُ، والْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ، والنَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ" (6).
"ومَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْه بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ: زِيَادَةٍ فِي هُدَىً، أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمَىً" (7). "فَإِنَّ فِيه شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ، وهُوَ الْكُفْرُ والنِّفَاقُ، والْغَيُّ والضَّلَالُ" (8). "واعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ، والْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ، والْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ" (9). "واعْلَمُوا أَنَّه لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ، ولَا لأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى" (10). "إِذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْكُمُ الْأُمُورُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، فَعَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ" (11). "ولَا تُخْلِقُه كَثْرَةُ الرَّدِّ" (12). "فَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَاْمِ كَفَضْلِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ" (13). "اللَّه اللَّه فِي الْقُرْآنِ، لَا يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِه غَيْرُكُمْ" (14).
وأنا بعد عشرات السنين من جلوسي على هذه المأدبة الإلهيّة، أتمنّى عليكم أيّها الأعزّاء، أن يكون القرآن هذا الكتاب العظيم بالنسبة إليكم مظهراً للعلم الإلهيّ، ولو أنّكم في كلّ يوم تدبّرتم في جملة واحدة لاستفدتم فائدة جديدة.
وللطلّاب الأعزّاء أقول: إذا أردتم أن تصبحوا علماءَ ربّانيّين، فعليكم بالاشتغال - بفهم وتدبُّر - بهذا العلم الذي لا نهاية له؛ لأنّ الله تعالى يقول في القرآن الكريم: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79] ففي هذه الآية تكرّرت كلمة "كنتم" مرّتين، إلى جانب كلمتَي "تعلمون" و"تدرسون"، ما يعني الاستمرار والدوام، أي إنّ تعليم القرآن وتدريسه لا بدّ من أن يكون في كلّ يوم وفي جميع المراحل.
وَرَبَّ الْمَلاِئكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ:
أ- الملائكة المقرّبون:
المقرّب بمعنى القريب. جاء في سورة النساء (الآية 172) قوله تعالى: ﴿الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾، فالملائكة ليسوا على درجة ومرتبة واحدة، فمقامهم مختلف، كما أنّ وظائفهم مختلفة، فمقام بعضهم كجبرائيل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل أفضل من مقام سواهم. وقد ذكر القرآن من هؤلاء الملائكة الأربعة جبرائيل وميكائيل: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98]، وأمّا بقيّة الآيات فقد تعرّضت لأوصافهم، كقوله تعالى: {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11].
لذا، فإنّ الملائكة فِرَقٌ ومجموعاتٌ متعدّدة ومختلفة، ولكلّ مجموعة منها مقام خاصّ، ولها قدرتها الخاصّة بعملها: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 164] فمسؤول الوحي جبرائيل، ومسؤول الأرزاق ميكائيل، ومسؤول قبض الأرواح عزرائيل، ومسؤول النفخ في الصور إسرافيل.
"الروح" - أيضاً - هو أحد الملائكة المقرّبين من الله تعالى، وقد جاء اسمه في القرآن بصورة مستقلّة، وعادة ما يُذكر إلى جانب الملائكة، {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ} [النبأ: 38]، {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]، و {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4].
ب- الأنبياء والمرسلون:
في هذه الفقرة من الدعاء، أُشير إلى مقام الأنبياء والمرسلين، ومن الواضح أنّ ثمّة فرقاً بين النبيّ والرسول.
في الفرق بينهما ذُكرت آراء عديدة، منها:
أوّلاً: إذا كان أصل كلمة نبيّ من مادّة "النبأ" بمعنى الخبر، يكون النبيّ هو الشخص المطّلع على الوحي الإلهيّ، والذي يُخبر بما يُوحى إليه، أمّا الرسول، فهو الشخص الذي أُلقيت على عاتقه مهمّةٌ أو رسالةٌ ليبلّغها.
ثانياً: إذا كان أصل كلمة نبيّ من مادّة "نَبْوَة" على وزن "نَغْمَة"، بمعنى رفعة المقام، فيكون النبيّ هو الشخص العالي المقام، والسامي المرتبة.
والرسول - أيضاً - صاحب شريعة ومأمور بتبليغها، أي يتلقّى الوحي الإلهيّ ثمّ يبلّغه للناس، أمّا النبيّ فإنّه يتلقى الوحي، لكنّه ليس مكلّفاً بتبليغه، بل مكلّف بأداء واجبه فقط، أو الإجابة عن أسئلة من سأله (15).
وبتعبير آخر، فإنّ النبيّ مثله كالطبيب الواعي الذي جلس في محلّه مستعدّاً لاستقبال المرضى، فهو لا يذهب إلى المرضى، أمّا إذا راجعه مريض، فإنّه لا يمتنع عن معالجته وأداء النصح إليه. أمّا الرسول، فإنّه كالطبيب السيّار، وبتعبير الإمام عليّ (عليه السلام) في نهج البلاغة عن رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم): "طبيبٌ دوّارٌ بطبِّه" (16)، فهو يدور في كلّ مكان، يذهب إلى المدن والقرى، والجبال والصحاري، ليجد المرضى ويشرع في علاجهم، فهو عين تنبع بالماء العذب وتجري نحو العطاشى، وليس عيناً يبحث عنها العطاشى (17).
بعض الأنبياء لديهم كلا المقامين، كنبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يتلقّى الوحي، ومضافاً إلى ذلك كان يبلغ أوامر الله تعالى، ويسعى إلى إقامة الحكومة وتنفيذ الأحكام، وفي الوقت نفسه يقوم عن طريق الباطن بمهمّة تربية النفوس (18).
ينقل أبو ذر الغفاريّ (رضوان الله عليه) - أيضاً - عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ عدد الأنبياء مئة وأربعة وعشرون ألف نبيّ، كان بينهم ثلاث مئة وثلاثة عشر رسولاً فقط (19).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع: تفسير القرطبيّ، ج14، ص340.
(2) مستدرك الوسائل، الميرزا النوريّ، ج 4، ص232، نقلاً عن تفسير أبي الفتوح الرازيّ. وقريب من هذه الرواية عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لسلمان مع اختلاف في قوله: "يوم الحسرة وظُلَل يوم الحَرور"؛ انظر: جامع الأخبار، فصل 21، ص41.
(3) نهج البلاغة، الخطبة 158.
(4) المصدر نفسه، الخطبة 198.
(5) المصدر نفسه، الخطبة 176.
(6) المصدر نفسه، الخطبة 156.
(7) المصدر نفسه، الخطبة 176.
(8) المصدر نفسه.
(9) المصدر نفسه.
(10) المصدر نفسه.
(11) بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 74، ص134.
(12) نهج البلاغة، الخطبة 156.
(13) بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 89، ص19، (والرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم).
(14) نهج البلاغة، قسم الرسائل، 47.
(15) تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازيّ، ج 9، ص467 - 468.
(16) نهج البلاغة، الخطبة 108.
(17) تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازيّ، ج 9، ص468.
(18) المصدر نفسه، ج 1، ص371.
(19) المصدر نفسه، ج 3، ص544.
معنى (زرب) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
بين الإيمان والكفر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
ما الذي يهمّ أنت أم أنا؟ يتذكر الأطفال ما هو مهم للآخرين
عدنان الحاجي
مناجاة الذاكرين (5): بذكره تأنس الرّوح
الشيخ محمد مصباح يزدي
بين الأمل والاسترسال به (1)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الذّكاء المصنوع كعلم منظور إليه بعين الفلسفة من الفيزياء إلى الميتافيزياء
محمود حيدر
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ..} لا تدلُّ على تزكية أحد (2)
الشيخ محمد صنقور
العزة والذلة في القرآن الكريم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
ماذا نعرف عن القدرات العظيمة للّغة العربية؟
السيد عباس نور الدين
لا تبذل المجهود!
عبدالعزيز آل زايد
سيّد النّدى والشّعر
حبيب المعاتيق
الإمام الباقر: دائرة معارف الإمامة
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معنى (زرب) في القرآن الكريم
بين الإيمان والكفر
سيّد النّدى والشّعر
شهر رجب محضر الله
ما الذي يهمّ أنت أم أنا؟ يتذكر الأطفال ما هو مهم للآخرين
مناجاة الذاكرين (5): بذكره تأنس الرّوح
باقر العلوم
الإمام الباقر: دائرة معارف الإمامة
(مبادئ الذّكاء الاصطناعيّ) محاضرة في مجلس الزّهراء الثّقافيّ
كيف يصنع الدماغ العادة أو يكسرها؟