للتاريخ وظيفة تتعدى شعورنا بالاستمرار والديمومة، وهذه الوظيفة تربوية أخلاقية، لا يعني هذا أن التاريخ يتحول إلى مادة وعظية فقط، فإن البحث والنقد غرضان من أغراض التاريخ بلا شك، ولكن الوظيفة النهائية بعدهما هي تربوية أخلاقية.
وهذه الوظيفة تستمد معالمها وطبيعتها من طبيعة النهج الذي تسلكه الأمة في بناء نفسها، ومن طبيعة الدور الذي تعدّ نفسها للقيام به في محيطها الإقليمي أو على المستوى العالمي، ولذا نرى أن كل أمة ذات نهج فكري مميز لشخصيتها تجعل التاريخ مادة بانية لهذا النهج الذي ارتضته.
وهذا لا يعني - بطبيعة الحال - أن يحرف التاريخ ليكون أداة دعائية وسياسية. إن الأمانة للحقيقة يجب أن تكون دائمًا مرعية، وإنما يعني أن التاريخ ليس مادة ترف فكري وتسلية، إنه مادة شديدة الخطورة إذا تولى استعمالها في الشأن العام رجال لا يقيمون للأخلاق وزنًا، ولا تحركهم روح رسالي، وأجهزة، كذلك رجال وأجهزة يحركهم التعصب والغرور القومي والعنصري، في هذه الحالة قد يوجّه التاريخ ليكون مبررًا نظريًّا وعاملًا نفسيًّا لدى الجماهير، يخدم الطغيان والاتجاهات العدوانية لدى السياسيين ورجال الحرب ضد أمة أخرى، وفي هذه الحالة يعرض التاريخ للتّزوير والتحريف.
والتاريخ حافل بأمثلة عن تسخير التاريخ لغايات غير أخلاقية وغير رسالية في العصور القديمة وفي العصر الحديث. وللتاريخ في الإسلام - انطلاقًا من هذا الفهم - وظيفة تتصل بطبيعة الإنسان المسلم وطبيعة المجتمع الإسلامي.
إن الإنسان المسلم إنسان أخلاقي يعتنق رسالة عالمية، والمجتمع الإسلامي مجتمع أخلاقي وذو رسالة عالمية. وإذن فالتاريخ ينبغي أن يخدم الرسالية والأخلاقية في علاقات المسلم الداخلية والخارجية، كما ينبغي أن يخدم الرسالة والروح الرسالية في العالم.
وكلما حدث في سلوك المسلم أو سلوك الجماعة الإسلامية انحراف عن الأخلاقية أو انحراف عن الروح الرسالية في ممارسة الحياة والتعامل مع الآخرين، فإن التاريخ يستعمل إلى جانب الوسائل التربوية الأخرى والتنظيمية لتصحيح النظرة الخاطئة، وتقويم مسار الفرد والمجتمع.
والقرآن الكريم حافل بالشواهد على هذه الحقيقة نذكر منها شاهدًا مميزًا لأنه يتضمن تعبيرًا غدا مصطلحًا إسلاميًّا في الشأن التاريخي، هو مصطلح أيام الله، الذي يعني الأحداث الكبرى في تاريخ كل أمة سواء أكانت نجاحات كبرى وانتصارات باهرة أو نكبات عظمى وانهيارات مأساوية.
وقد ورد هذا التعبير (أيام الله) في القرآن الكريم مرة واحدة فقط، ذلك في سياق الآيات الكريمة التي تضمنت بيان تربية وتوجيه نبي الله موسى بن عمران سلام الله عليه لبني إسرائيل وهدايتهم إلى الإيمان الصحيح، ورفع مستوى إدراكهم من حالة الجهالة والبدائية والمادية إلى المستوى الإيماني - الحضاري.
قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (1).
وورد ذكر هذا المصطلح في نهج البلاغة في موضعين: أحدهما في كلام للإمام عند تلاوته قوله تعالى (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ - رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ) (2). قال في وصفهم: ...وما برح لله.. عباد ناجاهم (3) في فكرهم ، وكلمهم في ذات عقولهم، فاستصبحوا بنور يقظة في الأبصار والأسماع والأفئدة، يذكرون بأيام الله، ويخوفون مقامه... (5).
وثانيهما في كتاب له إلى عامله على مكة قثم بن العباس (6)، قال فيه: أما بعد، فأقم للناس الحج، وذكرهم بأيام الله (7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة إبراهيم (مكية - 14) الآية : 5.
(2) سورة النور (مدنية - 24) الآية : 36 و 37.
(3) ناجاهم: خاطبهم بالإلهام.
(4) استصبح: أضاء مصباحه.
(5) نهج البلاغة: رقم النص 222.
(6) قثم بن العباس بن عبد المطلب. كان من مساعدي الإمام علي (ع) في تجهيز رسول الله (ص) ودفنه، وهو آخر من خرج من القبر الشريف، ولّاه أمير المؤمنين على مكة، فلم يزل واليًا عليها إلى أن استشهد الإمام، واستشهد قثم بسمرقند، كان خرج إليها مع سعيد بن عثمان بن عفان زمن معاوية، وقبره في سمرقند مشهور. وقد زرناه أثناء مشاركتنا في المؤتمر الديني.
(7) نهج البلاغة: (باب الكتب) رقم النص 67.
الشيخ محمد جواد مغنية
محمود حيدر
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
السيد عبد الأعلى السبزواري
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ علي رضا بناهيان
الفيض الكاشاني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
ماهية الميتايزيقا البَعدية وهويتها*
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (1)
انتظار المخلّص بين الحقيقة والخرافة
تلازم بين المشروبات المحلّاة صناعيًّا أو بالسّكّر وبين خطر الإصابة بمرض الكلى المزمن
أسرار الحبّ للشّومري في برّ سنابس
الميثاق الأخلاقي للأسرة، محاضرة لآل إبراهيم في مجلس الزّهراء الثّقافيّ
الشيخ عبد الكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (9)
البسملة
لماذا لا يقبل الله الأعمال إلا بالولاية؟