إنّ حب أولياء الله لشخص دون الآخر ليس حبّاً عاديّاً، فلا بد أن يكون قائماً على أسس مهمة منها العلم والإيمان والتقوى، وما علاقة الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) القوية بابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام)، إلاّ دليل على تمتعها بتلك الصفات الفاضلة، إضافةً إلى ذلك، وعندما يقول (عليه الصلاة والسلام): (فاطمة أفضل نساء العالمين) أو (أفضل نساء الجنة)... فإنّ هذا بحدِّ ذاته دليل على أنّها أعلم نساء العالمين.
وبعد ذلك هل يمكن لشخص لم يصل إلى مقام رفيع في العلم والمعرفة، أن يكون رضاه من رضا الله، وغضبه من غضب الخالق ورسوله؟
علاوةً على ذلك فقد وردت في المصادر الإسلامية المعروفة روايات مهمةٌ، تكشف عن المقام العلمي الرفيع لهذه السيدة العظمية.
نقل (أبو نعيم الأصفهاني) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال يوماً لأصحابه ما خير النساء؟ فلم يدرِ الحاضرون ما يقولون، فسار علي (عليه السلام) إلى فاطمة فأخبرها بذلك. فقالت: (فهلاّ قلت له خير لهنَّ أَلاّ يَرينّ الرجال ولا يرونهنّ)، فرجع علي (عليه السلام) فأخبره بذلك.
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (من علّمك هذا؟ قال: فاطمة (عليها السلام)، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّها بضعة مني) (1).
يظهر من هذا الحديث أنّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، رغم ما كان يتمتع به من مقام عظيم في العلوم والمعارف، الذي اعترف به الصديق والعدو، وإنّه باب مدينة علم الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، إلاّ أنّه كان يستفيد أحياناً من علم زوجته فاطمة الزهراء (عليها السلام).
إنّ ما ذُكر في نهاية هذه الرواية من أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال (فاطمة بضعة مني)، إنّما يشير إلى حقيقة مهمة، وهي أنّ القصد من (بضعة) لا يقتصر على كونها جزءًا من بدنه فقط كما فسّره البعض، بل هي جزء من روح الرسول (صلّى الله عليه وآله) وإيمانه وعلمه وفضله وأخلاقه، فهي شعاع من تلك الشمس وقبس من تلك المشكاة.
جاء في (مسند أحمد) عن (أمّ سلمة) - أو طبقاً لرواية أمّ سلمى - أنّها قالت: اشتكت فاطمة شكواها التي قُبضت فيها، فكنت أُمرّضها، فأصبحت يوماً كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك، قالت وخرج علي لبعض حاجته، فقالت يا أمَة، اسكبي لي غسلاً، فسكبت لها غسلاً، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثمّ قالت: يا أَمَة، أعطيني ثيابي الجُدد، فأعطيتها فلبستها، ثمّ قالت: يا أمَة، قدّمي لي فراشي وسط البيت، ففعلت، واضطجعت واستقبلت القبلة، وجعلت يدها تحت خدها، ثمّ قالت: يا أَمَة، إنّي مقبوضة الآن، وقد تطهّرت فلا يكشفني أحد، فقُبضت مكانها، قالت فجاء عليٌّ فأخبرته (2).
نستدل من هذه الرواية أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت تعلم بوقت وفاتها؛ حيث استعدت للرحيل دون أن تظهر عليها علاماته، ولـمّا كان الإنسان لا يعلم بحلول أجله إلاّ بعلم إلهي، لذا فإنّ الله سبحانه وتعالى كان يلهم فاطمة (عليها السلام). نعم، فقد ارتبطت روحها بعالم الغيب، وحدّثتها ملائكة السماء.
وطبقاً لِما جاءت به الروايات فإنّها أفضل من مريم بنت عمران (أمّ عيسى ( عليه السلام ))، وفي هذا الكفاية، إضافةً إلى تصريح القرآن المجيد في أنّ الملائكة قد تحدّثت إلى مريم وهي قد حدّثتها - ذكرت ذلك آيات من سورة آل عمران وسورة مريم - لذا فمن الأَولى أن تكون فاطمة (عليها السلام) - وهي ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) - محدّثة من ملائكة السماء (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. حلية الأولياء، ج2 ص 40.
2. مسند أحمد، ج6، ص461 وأورد هذا الحديث (ابن الأثير) في (أسد الغابة)، كما رواه جمع آخر من المحدثين والرّواة.
3. يوجد في الروايات التي روتها الشيعة الوفير من الدلائل، التي تدل على سعة علمها ومعرفتها...
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
السيد جعفر مرتضى
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
حيدر حب الله
الشيخ علي المشكيني
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان