مقالات

وعي الصوم

رضي العسيف

 

قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ...﴾ (1). ورد عن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: ”أنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة..“.

 

ماذا يعني لك شهر رمضان؟

 

تختلف الإجابات باختلاف وعي هذا الشهر، وتكون الإجابة العامة أنه شهر الصيام عن الأكل والشرب في المدة الزمنية المحددة شرعًا قربة إلى الله تعالى.

 

إلا أن هناك ثلة من الناس تنظر للشهر الكريم بمنظار أكثر وعيًا، وترى شهر رمضان الفرصة الذهبية التي تنتظرها وتتشوق لبلوغها، وتتأهب لخوض أجمل اللحظات مع برامج هذا الشهر لتحقق الهدف وتنال درجة المتقين كما يقول ربنا: ﴿...لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (2).

 

إنهم يعيشون تلك الضيافة الإلهية ويتمتعون بتلك الرحمة الواسعة ويتنعمون بألوان البركات والخيرات التي تنهمر عليهم كالغيث المبارك الذي يتجلى في البركة والعواطف والمشاعر الإيجابية التي يتبادلها الناس فيما بينهم.

 

من معاني وعي الصوم

 

قال الإمام الصادق (ع): إنّ الصّيام ليس من الطّعام والشّراب وحدهما فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضّوا أبصاركم عمّا حرّم الله.

 

من يعي الصوم وعيًا حقيقيًّا فإنه يتلذذ بكل لحظاته وأعماله، حيث أن وعي الصوم يعني:

 

1. حياة القلب

 

من أسمى معاني الصوم هو أن يصوم المرء بقلبه ويجعله معراجًا للحب ومهبطًا للملائكة،، فالصوم الحقيقي يبدأ من القلب لينعكس على بقية الجوارح. وهو بهذا المعنى يعدّ برنامجاً مهمًا للتحول الكبير في حياة الإنسان، حيث ينجذب المؤمن إلى تلك المجالس والمحافل الإيمانية التي تنير قلب الإنسان وتؤهله لخوض ذلك التحول المعنوي الكبير، ليشعر الإنسان بتلك الأنوار الإيمانية، وتلك الومضات التي تنير قلبه وتجعله قلبًا نقيًّا تقيًّا.

 

2. انتصار على الذات

 

ورد عن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: ”وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم“. إن الصوم الواعي هو انتصار على الذات والخروج من الأنانية إلى ساحة المجتمع بكل عطاء وعطف ومحبة ومودة، وهو وسيلة لتنمية روح البذل والسخاء، والبر والإحسان بين أفراد المجتمع.

 

وإذا تمكن الإنسان من التحرر من زنزانة ذاته، ودائرة أنانيته المظلمة وأعطى للآخرين، وكان كريمًا وجواداً، فإنه يكون قد قفز قفزة واسعة للغاية في مسيرة تطوره وتكامله وسموه، إذ إنه استطاع الوصول إلى حقيقة الإنسانية وجوهر الآدمية، لأنه يعيش الحق والإحسان والإنصاف، ولا يعيش الذات والهوى.

 

3. سمو أخلاقي

 

ورد عن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: ”مَن حَسن منكم في هذا الشهر خُلْقه كان له جواز على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام“.

 

شهر رمضان هو فرصة ثمينة سانحة أمام المؤمنين، لكي يضاعفوا من تخلقهم بأخلاق الله، وتفعيل مكارم الأخلاق، وطهارة ونقاء القلوب، ولقاء الناس بطلاقة الوجه والبسمة الصادقة. ومخاطبة الناس بلسان عذب وكلمات طيبة، واكتساب الفضائل والتحلي بها.

 

4. صيام مميز

 

قال الإمام الصادق (ع): ”لا يكن يوم صومك كيوم إفطارك“. اجعل يوم صيامك يومًا مختلفًا عن بقية الأيام، وإليك بعض النقاط:

 

ابتعد عن كل الأعمال الهامشية التي تستهلك من وقتك وطاقتك.

 

اجعل شهر رمضان بمثابة بوابة العبور للتخلص من كل العادات السيئة.

 

لتكن لك لمسة ومشاركة في أحد الأعمال الخيرية.

 

راجع علاقاتك الاجتماعية «الأرحام، الأصدقاء، الجيران» ليكن هذا الشهر بداية صفحة جديدة معهم.

 

أنجز أعمالك بكل نشاط، لا تدع للكسل مجالًا، وكن منتجًا.

 

لا تَدعْ شهر رمضان يمر عليك دون أن يترك أثرًا إيجابيًّا في نفسك.

 

أخيراً..

 

من يصوم بالمعنى الحقيقي فإنه يسير وفق خطة ومنهجية يهدف منها إعادة بناء وصياغة شخصيته وجعلها في خندق المتقين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. القرآن الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 185، الصفحة: 28.

2. القرآن الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 183، الصفحة: 28.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد