من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

يوميّات الإمام الحسين (ع) في كربلاء (2)

اليوم الرابع والخامس والسادس من محرم:

 

في هذه الأيام كانت أعداد المقاتلين الأمويين تترادف في الوصول إلى كربلاء، ونفترض أن حبيباً بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه قد وصل في هذه الأيام، ولعله في اليوم الرابع أو الخامس، ولما يتمتع به من وجاهة وموقع تاريخي في الولاء لأهل البيت عليهم السلام فقد أخذ موقعه المتميز حتى أنه في يوم العاشر أعطي راية من الرايات.

 

ويظهر أن اللقاءات والرسائل كانت بين الإمام الحسين عليه السلام وعمر بن سعد تكثرت، وفيما كان عمر يحاول أن يجترح حلاً سلمياً مستحيلاً، كان الإمام الحسين عليه السلام - كعادته في الرحمة - يحاول إنقاذ عمر بن سعد من الغوص في هذا المستنقع الآثم في تنفيذ مأساة كربلاء، وتعددت أشكال الجواب له، فتارة يقول له: إن أهل الكوفة هم الذين دعوني وكتبوا لي أن أقدم، وأخرى يخاطب فيه الدوافع الشخصية فيقول له: ويحك يا بن سعد! أما تتقي الله الذي إليه معادك أن تقاتلني؟ وأنا ابن من علمت من رسول الله صلى الله عليه وآله، فاترك هؤلاء وكن معي فإني أقربك إلى الله عز وجل، فقال له عمر بن سعد: أبا عبد الله أخاف أن تهدم داري، فقال له حسين رضي الله عنه: أنا أبنيها لك. فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي، فقال الحسين: أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز. قال: فلم يجب عمر إلى شيء من ذلك، فانصرف عنه الحسين وهو يقول: ما لك ذبحك الله من على فراشك سريعًا عاجلًا ولا غفر الله لك يوم حشرك ونشرك، فوالله إني لأرجو أن لا يأكل من برّ العراق إلا يسيرًا".

 

يظهر أنه في اليوم السادس اكتمل عدد الجيش الأموي فقد كان أربعة آلاف وأصبح ثلاثين ألف مقاتل، وهذا يدل على مجهودات مكثفة على تعبئة الجيش بهذه الأعداد الهائلة، وهناك روايتان تدلان على أن العدد كان ثلاثين ألفًا؛ إحداها ما روي من "إنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السّلام دَخَلَ يَوماً إلَى الحَسَنِ عليه السّلام، فَلَمّا نَظَرَ إلَيهِ بَكى، فَقالَ لَهُ: ما يُبكيكَ يا أبا عَبدِ اللَّهِ؟ قالَ: أبكي لِما يُصنَعُ بِكَ. فَقالَ لَهُ الحَسَنُ عليه السّلام: إنَّ الَّذي يُؤتى إلَيَّ سَمٌّ يُدَسُّ إلَيَّ فَاقتَلُ بِهِ، ولكِن لا يَومَ كَيَومِكَ يا أبا عَبدِ اللَّهِ! يَزدَلِفُ إلَيكَ ثَلاثونَ ألفَ رَجُلٍ، يَدَّعونَ أنَّهُم مِن أمَّةِ جَدِّنا مُحَمَّدٍ صلّى اللَّه عليه وآله، ويَنتَحِلونَ دينَ الإِسلامِ، فَيَجتَمِعونَ عَلى قَتلِكَ، وسَفكِ دَمِكَ، وَانتِهاكِ حُرمَتِكَ، وسَبيِ ذَراريكَ ونِسائِكَ، وَانتِهابِ ثَقَلِكَ".

 

ومثله ما نقل عن الإمام السجاد عليه السلام: "ما من يوم أشد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يوم أحد، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب، ثم قال (عليه السلام): ولا يوم كيوم الحسين (عليه السلام) ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل، يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب إلى الله عز وجل بدمه، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون، حتى قتلوه بغيًا وظلمًا وعدوانًا".

 

التمنّيات الكاذبة:

 

نلتقي في أحداث كربلاء بشخصيات متعددة، ومن تلك الشخصيات أصحاب التمنيات الكاذبة، الذين يتمنون دائماً ولا يعملون لتحقيق تلك التمنيات ما تستحق من جهد وعمل وموقف، ويذكرنا موقفهم هذا بقول الشاعر: أتمنى في الثريا مجلسي، والتمني رأس مال المفلس!

 

قرة بن قيس الحنظلي أحد هذه النماذج فإنه جاء برسالة من عمر بن سعد إلى الإمام الحسين عليه السلام، فلما أداها وأراد الانصراف، وكان يعرفه حبيب بن مظاهر الأسدي، فدعاه للبقاء معهم، وقال له: ويحك يا قرة بن قيس أنّى ترجع إلى القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة وإيانا معك فقال له قرة أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي قال فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.. وبالطبع لم يرجع.

 

وحصلت له فرصة أخرى في موقف آخر يوم عاشوراء، إذ كان بجنب الحر بن يزيد الرياحي، والحر يفكر، ثم أخذه مثل الإفكل (الرعدة)، ورآه يتحرك قليلاً، وقال له: يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا، قال: إنما تريد أن تسقيه قال فظننت والله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال وكره أن أراه حين يصنع ذلك فيخاف أن أرفعه عليه، فقلت له: لم أسقه وأنا منطلق فساقيه، قال: فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه، قال: فوالله لو أنه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين.

 

أقول: لا ريب أنه كان كاذباً، فقد تواردت عليه الفرص واحدة بعد أخرى ومع ذلك كان يعرض عنها. ثم لقد رآه قد انضم إلى معسكر الحسين وبين انضمامه ومقتله حوالي نصف نهار، ألم تكن هذه كافية له لكي ينسل وينضم إلى المعسكر الحسيني؟ لكنه التمني الكاذب.

 

نقل أيضاً أنه في مساء يوم السادس استأذن حبيب بن مظاهر الإمام الحسين لدعوة حي من بني أسد لما فيه خير آخرتهم لنصرة الحسين فأذن الحسين له، ولما وصل إليهم قال: إني أدعوكم إلى شرف الآخرة وفضائلها وجسيم ثوابها أنا أدعوكم إلى نصرة ابن بنت رسول اللّه نبيكم صلى الله عليه وآله فقد أصبح مظلوماً، دعاه أهل الكوفة لينصروه فلما أتاهم خذلوه وعمدوا عليه ليقتلوه.

 

فاستجاب له سبعون شخصاً وكان من بينهم عبد اللّه بن بشر الأسدي، فقال: أنا أول من يجيب هذه الدعوى ثم جعل يرتجز.

 

قد علم القوم إذا تواكلوا  

وأحجم الفرسان أو تثاقلوا

إنّي شجاع بطل مقاتل

كأنني ليث عرين باسل

 

وخفوا إلى نصرة الإمام إلا أنه كان في المجالس عين لابن سعد فأسرع إليه وأخبره بذلك، فجهز مفرزة من جيشه بقيادة جبلة بن عمر فحالوا بينهم وبين الالتحاق بالحسين.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد