«اللَّهُمَّ افْلُلْ بِذَلِكَ عَدُوَّهُمْ، وَاقْلِمْ عَنْهُمْ أَظْفَارَهُمْ، وَفَرِّقْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَسْلِحَتِهِمْ، وَاخْلَعْ وَثَائِقَ أَفْئِدَتِهِمْ، وَبَاعِدْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوِدَتِهِمْ، وَحَيِّرْهُمْ فِي سُبُلِهِمْ، وَضَلِّلْهُمْ عَنْ وَجْهِهِمْ، وَاقْطَعْ عَنْهُمُ الْمَدَدَ، وَانْقُصْ مِنْهُمُ الْعَدَدَ، وَامْلَأْ أَفْئِدَتَهُمُ الرُّعْبَ، وَاقْبِضْ أَيْدِيَهُمْ عَنِ الْبَسْطِ، وَاخْزِمْ أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ، وَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ وَنَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَاقْطَعْ بِخِزْيِهِمْ أَطْمَاعَ مَنْ بَعْدَهُمْ».. (من دعاء أهل الثغور للإمام زين العابدين عليه السلام).
اللَّهُمَّ افْلُلْ بِذَلِكَ عَدُوَّهُمْ:
وهو «عليه السلام» يريد أن يكون كل هذا الذي طلبه من الله تعالى للمرابطين على الثغور سبباً في قهر عدوهم، وكسر شوكته. وقد بدأ أولاً بطلب أن يتسبب بفلِّ حد العدو.. فإن الشفرة الحادة إنما تتثلَّم بسبب اصطدامها بما هو أصلب منها، وبذلك لا تعود صالحة لفري، أو قطع، أو كسر ما يراد فريه، أو قطعه، أو كسره بها..
وهذا معناه: أن أول ما يلزم في مواجهة العدو: هو مواجهته بضربات حادة بهدف إحداث ثغرات وثلمات في خطته، وفي مواضع تأثيرها، وإبطال هذا التأثير، ومن ثم تعطيلها بحيث تفقد جدواها.. وهذا بالطبع من موجبات اختلال عمل العدو وإرباكه، وتبديد جهوده، وتعجيزه عن بلوغ أهدافه. أي أن المطلوب في البداية هو التركيز على نقاط بعينها، ومواجهتها بما يسقطها، سواء أكانت نقاطاً ترتبط بالتخطيط، أو التجهيز، أو غير ذلك.. شريطة أن تكون هذه المواضع من الكثرة بحيث تصبح هي الظاهرة الطاغية عليه، وهي تبدو للناظر بمجرد نظره إليه، وإلى أحواله.
وَاقْلِمْ عَنْهُمْ أَظْفَارَهُمْ:
ثم تأتي بعد ذلك مرحلة قلم أظافر العدو، بمعنى إبطال قدرته على التأثير والجرح والأذى في مختلف المواضع، فيصير حال وسائله، وأدواته حال الأظافر المقلمة، فإنها وإن كانت في حد ذاتها تملك صلابة بدرجة ما، ولكن ليس لها امتداد يمكنها من أن تنغرز فيما عداها لكي تجرحه، أو أن تؤذيه.. وهو ما يؤدي إلى تعطيل فعالية أسلحة العدو، وإبطال تفوقه فيها. .
وَفَرِّقْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَسْلِحَتِهِمْ:
ثم تأتي مرحلة تبديد قوة العدو، وكسر صلابته الذاتية في عمق وجوده. وقد ذكر الإمام «عليه السلام» من وسائل ذلك: السعي للحيلولة والتفريق بينه وبين أسلحته.. وقد يتجلى هذا الأمر في مظاهر عديدة، فمثلاً: من جملة أسلحة العدو: الحرب النفسية، ويكون ذلك من خلال إطلاقه الشائعات الكاذبة، أو الضخ الإعلامي لمعلومات مضخمة عن حجم قدراته، أو إنجازاته المدهشة، أو عن الضربات التي سددها، أو عن الخسائر التي أوقعها بالمجاهدين، أو عن العمليات الناجحة التي أنجزها.. وقد يكون ببث سموم الريب وإثارة الشبهات والتشكيكات بالقادة، بإخلاصهم، أو بقدراتهم، أو الحديث عن اختلافات فيما بينهم، أو غير ذلك.. فلا بد من التشويش على وسائله الإعلامية، أو القيام بإعلام تحصيني يجعل جهده هذا خائباً، وغير ذي أثر..
وقد يكون ذلك بالتفريق بين العدو وبين أسلحته المادية، وتعطيل جهوزيته، وإسقاط قدرته على استعمال السلاح، أو الاستفادة من سائر خدمات الدعم القتالي.. وقد يكون ذلك بتسديد ضربات إستباقية مفاجئة له. أو ضرب خطوط إمداده الحربي.. أو التأثير على استعانة قواته ببعضها البعض، ولو بالتشويش على أجهزة اتصالاته..
وربما يتمكن المؤمنون من تحديد مخازن أسلحته، فيعملون على تدميرها، أو الحيلولة بينه وبين الاستفادة منها، ولو عبر الكمائن، التي يفقد معها الثقة بالحصول عليها في الوقت المناسب.. وربما يكون هذا التفريق بجهد إعلامي، أو بتحركات معينة تثير الشكوك بين قادة قطعاته، وما إلى ذلك..
وَاخْلَعْ وَثَائِقَ أَفْئِدَتِهِمْ:
والمرحلة الأوضح والأصرح هي: الإخلال بالتوازن النفسي للعدو، وسلب إرادة القتال، أو ما يعبر عنه بهزيمة الوعي لديه، حيث يفقد العدو فيها مناشئ الثقة والطمأنينة بما تنتهي إليه الأمور، فإن ذلك يجعله كالريشة في مهب الريح، قال تعالى: (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) (1)، وهي هزيمته في روحياته، ومعنوياته، فإن الإنسان الذي لا يجد ما يربط على قلبه، ويبقى يعيش القلق في نفسه، ويعاني من الوحدة والوحشة، والتردد، لا ينتصر في الغالب على عدوه، حتى لو ملك أسباب القوة، لأن الحرب تحتاج إلى الثقة، والتفاؤل، والحزم، والتعاون ، والثبات والإقدام.
فلا بد في الإعلام الحربي من استهداف مناشئ الاعتماد والطمأنينة لدى الأعداء.. وخصوصاً المقاتلين منهم في ساحات القتال..
وَبَاعِدْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوِدَتِهِمْ:
ثم إن قطع طرق الإمداد في منطقة العمليات، وفي منطقة المواصلات، وشل قدرته على تأمين حاجات القتال، واختلال طرق التموين، ووضع مناشئه في دائرة الخطر، من شأنه أن يربك مقاتلي العدو، ويخل بتصميمه وقاطعيته في قراراته، ويحس بخطر الجوع، وفقدان سائر حاجات القتال. ويقلل من قدرته على المواجهة، ويضعفه عن اتخاذ قرار الإقدام والثبات عليه، ويزين له التخلي عن ذلك كله، وتقدير أنه معذور في ذلك. فإن الإنسان يرضى بأن يستشهد، لكنه لا يرضى بأن يموت جوعاً.
والقتل يبقى في دائرة الاحتمال، قد يغيب هاجسه وقد يحضر.. لكن عقارب الجوع، وأشباحه المرعبة تبقى هي الأشد حضوراً، والأقوى تعبيراً عن نفسها بصورة دائمة ومتتالية..
من أجل ذلك نقول: إن أدنى تهديد للإمدادات بالأزودة سيكون أقوى وأبعد أثراً من أي خطر آخر، وهو السلاح الأمضى والأشد فتكاً في صمود العدو وفي ثباته على مواقفه، واستمرار تصميمه على القتال. فلا بد من أن يدخل ذلك كله في الخطط الحربية، وفي الإعلام الحربي بصورة أساسية ومؤثرة.
وَحَيِّرْهُمْ فِي سُبُلِهِمْ:
ومن أهم أسباب فشل العدو، جعله في مواقف غامضة، لا يستطيع معها تحديد القرار المناسب، حيث تضعف ثقته في خياراته التي يعتمدها، ويتحر في أي سبيل يسلك، وأي المخارج يختار. فإثارة الاحتمالات والأسئلة والشكوك لديه بصوابية اختياراته، والترويج الإعلامي لوجود خيارات أخرى، يؤثر في فقدانه ثقته بنفسه، وسيرتاب الجند بقادتهم، وسيثير لديهم احتمالات المغامرة والمقامرة بأرواحهم، التي هي أعز وأغلى ما لديهم.
كما أن ذلك يضعف الجبهة الداخلية، بما يثيره من شكوك لدى أهلهم، ومن وراءهم بسلامة تدبير أولئك القادة، ويثير الكثير من البلابل والقلاقل. فلا بد من تركيز الإعلام الحربي على هذا الأمر، وزعزعة ثقتهم بالخطط الحربية التي يعتمدها قادتهم، ولو باستخدام تكتيكات تفرض عليهم التغيير فيها، ثم استغلال ذلك في الإعلام الحربي كدليل على قصورهم، وسقوط خططهم، وعلى أنهم يقومون بمغامرات لا مبرر لها.. وذلك ولا شك يضعف من مستوى الأداء، حين يفقد العدو الثقة بنفسه، وبخططه. حيث تراوده احتمالات الفشل، أو عدم الجدوى..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الآية 43 من سورة إبراهيم.
الشيخ محمد صنقور
السيد علي عباس الموسوي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد جعفر مرتضى
عدنان الحاجي
د. سيد جاسم العلوي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشهيد مرتضى مطهري
حيدر حب الله
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
امتناع الرؤية البصريَّة وقوله تعالى:{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
بمَ ينتصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
(بحيرة القنادس) المجموعة القصصيّة التّاسعة للكاتب جواد المرهون
اختتام حملة التّبرّع بالدّم (ومن أحياها 23)
دقائق في القرآن هي روائع في التعبير (4)
سياسة القتال (1)
المواد الكيميائية في أدمغتنا وتأثيرها في سلوكنا (2)
المشكلة الاستقرائية على ضوء المذهب التجريبي والمذهب الذاتي في المعرفة (2)
ما هي حقيقة لقاء الله؟
علم التفسير وطبقات المفسرين