أصل إحياء ذكر أهل البيت عليهم السلام، والاحتفاء بمناسباتهم والحديث عن تاريخهم وفضائلهم ليس تقليداً اجتماعياً ابتكره الناس، ولا فلكلوراً شعبياً وإنما هو مستنبط ومستوحى من كلام أهل البيت عليهم السلام. والذي ورد عن عدة أئمة منهم. فمن ذلك ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال للفضيل بن يسار: تجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل فرحم الله من أحيا أمرنا[1]. ومن ذلك ما ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: (من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)[2].
ولعل هذا هو أحد الأسباب التي جعلت هذه المراسم تبقى صامدة في طول الزمان، بالرغم من الصعوبات التي اكتنفت إقامتها وحجم العداوات التي واجهتها سواء من الحكومات التي قاومت بما تستطيع إحياء الموسم الحسيني، أو الفئات الاجتماعية والمذهبية المتعصبة والمتطرفة التي كانت في بعض الحالات أشد وأقسى على موالي الإمام الحسين عليه السلام من الحكومات المتسلطة!
والحقيقة أن إحياء الموسم الحسيني هو حياة لمن يحييه! وبه يحيون ويعيشون، ولذلك فقد يتحفظ البعض على استعمال هذا التعبير: إحياء المؤمنين للقضية الحسينية أو موسم الحسين، فإن هؤلاء يقولون الصحيح أن نقول إننا نحيا بالموسم الحسيني وذكر الحسين لا أننا نحييه. نحيا به، فهو أشبه بالأكسجين الذي نتنفسه.
وهذا هو السبب الآخر الذي يجعل هذه المواسم باقية، ومستمرة، فكل جيل يرى أن حياته الدينية والأخلاقية مرتبطة بهذا الموسم، وما يجري فيها من الذكر والمعرفة يشحن "بطاريته" الإيمانية لمدة سنة كاملة حتى يحل الموسم الآخر وهكذا!
ولأنه كذلك فإن المؤمنين يرون - مع عظم فائدته ونتائجه - أنّ ما ينفقون فيه من الوقت والمال والجهد هو شيء زهيد وبسيط، فضلاً عن أن الإمام الحسين عليه السلام بتضحيته وعطائه للإسلام والأمة يستحق ذلك وأكثر منه!
ثالث تلك الأسباب، أن إحياء القضية الحسينية هو أفضل تعبير سلمي عن الهوية الدينية، فإذا كانت مشكلة الهوية والتعبير عنها في العالم هو من المشاكل الكبيرة التي قد تجر إلى صراعات سياسية وربما عسكرية.
الآن في هذا العالم يتحدثون عن أحد أهم المشاكل التي تعيشها المجتمعات الإنسانية ما يسمى بتحدي الهوية. ولكي يتضح الأمر نقول بأن الهويّة تُعرفُ في اللّغة: بأنّها مُصطلحٌ مُشتقٌّ من الضّمير هو؛ ومعناها صفات الإنسان وحقيقته، وأيضاً تُستخدمُ للإشارةِ إلى المَعالم والخصائص التي تتميّزُ بها الشخصيّة الفرديّة.
وربما عرفت أيضا بالنسبة للأمم والمجتمعات، بأنها مجموع الأفكار والعقائد التي يحملها المجتمع والمميزات (من لغة، وشخصية تاريخية، وثقافة دينية أو مذهبية) وبها يتميز عن سائر المجتمعات وهي التي تعطيه صورته الخاصة بالقياس إلى غيره.
وتحديد الهوية معناه: أنّ هذا المذهب يريد أن يبين عقائده وشرائعه والمذهب الآخر لا يقبل فيبدأ الصراع بينهما. أصحاب هذا الدين يريدون أن يعبدوا ربهم بما يحبون، والفئة التي بيدها الأمر والنهي لا تسمح لهم بذلك فيحدث اضطراب.
فئة من الناس لديهم لغة خاصة وثقافة خاصة وتاريخ خاص أنا عربي وأنت كردي وذاك فارسي وهذا تركي، كل واحد يريد ثقافته ولغته تكون المسيطرة أنا مسلم وذاك مسيحي وهذا يهودي كل واحد يريد أن يعبر عن ثقافته ومذهبه ودينه فيحدث هذا الاصطدام.
عندما يكون التعبير عن الهويات سلمياً لا تحدث هذه المشاكل.
وفي الإسلام وجدنا أنّ العبادات والممارسات الدينية هي تعبير عن هوية المسلمين. فالحج تعبير عن الأمة الواحدة والصلاة تعبير فردي وشخصي عن هوية المسلم.
والموسم الحسيني أفضل تعبير سلمي عن الهوية الامامية الشيعية، أنا أبكي ولا أعتدي على أحد، أنا أحزن لكني لا أعتدي على أحد، أنا ألبس السواد، أضرب نفسي وألطم على صدري وأقيم المأتم وأتكلم عن فضائل أهل البيت وتاريخ الإمام الحسين أنا أبكي لأن عندي شحنة عاطفية على ما جرى على آل محمد وما أصابهم فيفيض ذلك الحزن في قلبي فيتحول إلى دمعة ساخنة.
هذا التعبير عن هذه الهوية أكبر من تعبير آخر ذلك أنه في خلال عشرة أيام تتحول الدنيا في كل مكان يوجد فيه شيعة أهل البيت عليهم السلام إلى إعلان عن قضية الإمام الحسين. وهو في نفس الوقت إعلان عن ذواتهم ووجودهم.
السبب الرابع الداعي لإحياء هذا الموسم والسيرة أنه موسم للتغيير الذاتي ومناسبة للمراجعة، ينبغي ألّا نتصور أنّ الذين يحضرون المناسبة هم أحجار. إن الذين يجلسون تحت منبر ويستمعون إلى خطيب إذا لم يتأثر جميعهم فعلى الأقل سيتأثر 10% منهم! وقد وجدنا نماذج في ذلك قد تحولوا إلى الإسلام أو إلى مذهب آل محمد على أثر سماعه لقصة أو معرفته بموقف من مواقف الإمام الحسين وقضية عاشوراء.
فتصور أنّ هذا الموسم الذي يحضره في كل العالم الإسلامي من الإمامية عشرات الملايين في كل سنة ويتعرضون لمدة لا تقل عن عشرة أيام من تلقي المعارف التاريخية والفقهية والعقائدية وغيرهما وهذا يحصل في كل سنة، لا ريب أنه بالحساب سيكون شيئا عظيماً جداً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) الحر العاملي، وسائل الشيعة 14/ 501
2) المصدر 14/ 502
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
السيد جعفر مرتضى
محمد رضا اللواتي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد صنقور
السيد علي عباس الموسوي
د. سيد جاسم العلوي
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
قصة أصحاب الكهف في القرآن
إحياء الموسم الحسيني... حياة
دقائق في القرآن هي روائع في التعبير (6)
الفجوة بين عمر الدماغ الزمني والبيولوجي وتأثيرها على التفكير والذاكرة
الحالة العامة في معسكر الأعداء (2)
زكي السالم: جرّب أن تكون اللّغة آخر همّك
الصبر والثبات في أيام الشدّة
سؤال عن أخلاق مرحلة (ما بعد الإنسانية)
كيف نواجه الأزمات والابتلاءات؟
رحلة إلى بلاد الألف ملّة